قمة تاريخية بين الكوريتين وبدء صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والناتو يدعو لإبقاء العقوبات ترامب يشكك بصمود الدبلوماسية الإيجابية وموسكو تعتبرها خطوة هامة نحو المصالحة الوطنية

شكّل حفل لقاء رئيسي الكوريتين الكثير من الرمزية للبلدين بتجاوزهما عقوداً من العداوة وتحديداً عند الانتقال على جانبي الخط الفاصل بين البلدين. وبذلك، بدأت صفحة جديدة في العلاقات الكورية مع القمة المشتركة بين رئيسي كوريا الشمالية والجنوبية في المنطقة الحدودية الفاصلة المنزوعة السلاح، حيث أعلنا «عزمهما على وقف كل الأعمال العدائية تماماً»، والاتفاق على اتخاذ إجراءات لدعم الجهود الدولية لـ «نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية».

بيان القمة

في هذا الصّدد، أعلن رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ونظيره الكوري الجنوبي مون جاي إن، «أنهما سيحوّلان المنطقة المنزوعة السلاح إلى منطقة سلام»، والبدء بـ «إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة والصين بهذا الشأن».

وفي قمة جمعتهما في المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح أمس، أعلنا أنهما «اتفقا على وقف كل الأعمال العدائية تماماً براً وبحراً وجواً»، وأكدا أنه «لن تنشب حرب أخرى في شبه الجزيرة الكورية».

وتبنّى رئيسا الكوريتين، بياناً مشتركاً أعلنا فيه عن بدء «عهد جديد» في شبه الجزيرة الكورية.

كما اتفقت الكوريتان على «تنفيذ مشاريع كانت معلّقة، واتخاذ خطوات جادة لربط السكك الحديدية والطرق بين البلدين وتحديثها واستغلالها لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار في شبه الجزيرة الكورية».

واتفقا أيضاً على «الحدّ من التسلح تدريجياً مع بناء الثقة وخفض التوترات العسكرية»، مشيرين إلى أنهما «سيعملان على اتخاذ إجراءات لدعم الجهود الدولية لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية».

الرئيسان الكوريان أشارا أيضاً إلى أنهما «يعتزمان تحويل هدنة العام 1953 إلى معاهدة سلام»، كما سيجريان «محادثات منتصف الشهر المقبل على مستوى الجنرالات لإقامة اتصالات لحل المسائل العسكرية».

من جهته، دعا الرئيس الكوري الشمالي إلى «المصافحة وبدء صفحة جديدة من العلاقات»، لافتاً إلى أنّ «بناء مستقبل على نحو مغاير، يحتاج إلى مزيد من العمل والشجاعة».

بدوره، أعرب الرئيس الكوري الجنوبي لنظيره الكوري الشمالي عن أمله في التوصل إلى «اتفاق جريء».

ومع القمة التي جمعت الرئيسان الكوريان، أصبح رئيس كوريا الشمالية أول رئيس تطأ قدماه الأراضي الكورية الجنوبية منذ الحرب الكورية، وكتب في سجل الزوار داخل بيت السلام عبارة «تاريخ جديد يبدأ الآن».

سيدة كوريا الشمالية الأولى

في السياق نفسه، ذكرت وكالة أنباء «يونهاب» أنّ «ري سول جو، حرم الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون عبرت الحدود لحضور مأدبة العشاء التي يقيمها الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن على شرف القمة التاريخية».

ولفتت الوكالة إلى أنّ «سيدة كوريا الشمالية الأولى، توجهت بعد وصولها مباشرة إلى قرية الهدنة في بانمونجوم إلى مبنى «بيت السلام على الجانب الجنوبي من القرية، حيث سيجري حفل العشاء الترحيبي». وعقد مون وكيم قمتهما التاريخية أمس، في الطابق الثاني من هذا المبنى.

وروت الوكالة «أنّ السيدة ري قبل الجلوس إلى مائدة العشاء أجرت حواراً قصيراً مع السيدة الكورية الجنوبية كيم جونغ سوك في المبنى نفسه في ما سيتم تذكره على أنه أول اجتماع بين السيدتين الأوليين في الكوريتين».

ونقل عن حرم الرئيس الكوري الشمالي قولها خلال الاجتماع: «أنا سعيدة لسماعي من زوجي أنّ القمة كانت ناجحة. أتمنّى أن تسير الأمور بين الرئيسين بشكل جيد».

وسجلت وكالة أنباء «يونهاب» أنّ «سيدة كوريا الشمالية الأولى شوهدت في ابتسامة براقة ترتدي ملابس غربية وردية اللون».

فيما رصدت الوكالة أنّ «زوجتَي رئيسَي كوريا الجنوبية السابقتين كيم داي جونغ وروه مو هيون، كانتا حضرتا القمتين السابقتين عامي 2000 و2007، إلا أنّهما لم تتمكنا من الاجتماع مع زوجة الرئيس الكوري الشمالي حينها كيم جونغ إيل».

يذكر أنّ زيارة ري الحالية تأتي «وسط حضورها الدبلوماسي المتنامي كسيدة أولى في الأشهر الأخيرة. وقد شوهدت إلى جانب كيم عندما أظهر لأول مرة دبلوماسيته المفاجئة في قمة مع الزعيم الصيني شي جين بينغ في بكين الشهر الماضي».

كما رافقت ري زوجها خلال العشاء لدى استضافته وفداً كورياً جنوبياً في الخامس من آذار. وفي الأول من نيسان، حضرت العرض الأول في بيونغ يانغ مع زوجها لفرقة فنية كورية جنوبية.

وأشارت الوكالة إلى أنّ «زوجة رئيس كوريا الشمالية اعترفت بها وسائل الإعلام الرسمية في 14 نيسان باعتبارها السيدة الأولى الموقرة».

حدث ذلك أثناء حضورها بمفردها عرض فرقة الباليه الوطنية الصينية في بيونغ يانغ، فيما كانت سابقاً تدعى بـ «الرفيقة».

ترامب

من جهته، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، بـ«لقاء رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن»، لكنه أبدى قدراً من «التشكك في طول مدة صمود الدبلوماسية الإيجابية».

وكتب ترامب على «تويتر» «بعد عام غاضب شهد إطلاق صواريخ وتجارب نووية، ينعقد الآن اجتماع تاريخي بين كوريا الشمالية والجنوبية، أشياء طيبة تحدث، لكن الزمن وحده هو الذي سيتحدث عن النتائج».

وفي تغريده أخرى كتب ترامب: «الحرب الكورية تضع أوزارها! الولايات المتحدة وشعبها العظيم يجب أن يفخرا بقوة بما يحدث في كوريا الآن».

الكرملين

بدورها، أعلنت موسكو «ترحيبها بالقمة التاريخية التي عقدت أمس بين رئيسي الكوريتين في شبه الجزيرة الكورية».

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، «إنّ موسكو ترحب بأي لقاء يخفف التوتر ويساعد على التسوية في شبه الجزيرة الكورية».

وأعلن بيسكوف، أنه «لا يمكن قيام تسوية قابلة للحياة في شبه الجزيرة الكورية إلا على أساس حوار مباشر بين الأطراف ذات الشأن».

وأضاف «أنّ موسكو تقيّم بشكل إيجابي نتائج لقاء زعيمي الكوريتين»، معتبراً «أنّ الأنباء الواردة من كوريا، في غاية الإيجابية».

وذكّر بيسكوف بكلمات الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال: «التسوية المستدامة في شبه الجزيرة الكورية، لا يمكن أن تقوم إلا على الحوار المباشر بين الطرفين».

وأضاف بيسكوف: «اليوم نرى أن هذا الحوار المباشر قد انطلق وله آفاق معينة، ونحن نقيم بشكل إيجابي للغاية لقاء زعيمي الكوريتين بحد ذاته ونتائجه المعلنة».

الخارجية الروسية

كما رحبت وزارة الخارجية الروسية، بـ «اللقاء الناجح لرئيسي الكوريتين»، مشيرة إلى أنّ «هذه الخطوة تؤكد عزم الجانبين على تجاوز جميع المشاكل في شبه الجزيرة الكورية بالطرق السياسية والدبلوماسية».

وذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان نشرته على موقعها الرسمي «أنّ الاجتماع يُعدّ خطوة مهمة نحو المصالحة الوطنية وإقامة العلاقات القوية»، وأضافت أنّ «موسكو تقيم بشكل إيجابي الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال لقاء رئيسي الكوريتين».

وأضاف البيان «أنّ الجانب الروسي ينطلق من أنّ اللقاء يفترض أن يؤدي إلى استئناف المفاوضات المتعددة لصالح وضع نظام سلمي وأمني شمال شرقي آسيا». وأعربت عن «استعدادها لتسهيل التعاون بينها والكوريتين في مجالات السكك الحديدية والغاز والطاقة».

ستولتنبرغ

من جانبه، اعتبر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ «أنّ حل مشكلة كوريا الشمالية يتطلب قدراً كبيراً من العمل»، داعياً لـ «الإبقاء على العقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ».

وقال ستولتنبرغ خلال مؤتمر صحافي في بروكسل أمس: «أرحب بالتقدم الحاصل وبأن رئيسي الكوريتين تمكنا من الاجتماع. إنها خطوة أولى وملهمة، لكنه يجب أن ندرك أن الأمر لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل».

وشدّد على «أهمية استمرار ضغط المجتمع الدولي على بيونغ يانغ من خلال العقوبات»، وقال: «أنا على يقين من أن الضغط الدولي الحثيث ساهم في بلورة الوضع الذي نعيشه اليوم. عندما زرتُ كوريا الجنوبية واليابان، شعرتُ بإشارة واضحة منهما إلى ضرورة الاستمرار في ممارسة الضغط من أجل تحقيق الحل السياسي».

وأضاف: «أعتقد أنا أيضاً، أنه يجب الإبقاء على هذه العقوبات».

كذلك، رحّب قادة العالم بنتائج قمة الكوريتين، في حين حذّر كثيرون من الإفراط في التفاؤل بشأنها، مشيرين إلى «وجود عقبات خطيرة أمام تحقيق أهدافها المنشودة».

كوساتشوف

وتعليقاً على هذه القمة، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف «أنّ كوريا الشمالية لن توافق على تنازلات ملموسة في ملفها النووي إذا لم تقدم لها واشنطن ضمانات أمنية».

وأضاف كوساتشوف: «لا يمكن أن نتوقع تنازلات ملحوظة من جانب كوريا الشمالية، لأنها لا تزال ترى في صواريخها النووية ضماناً وحيداً ضدّ العدوان الأميركي المحتمل. وإذا لم يتم إيجاد آلية للضمانات، فلن يتحقق أي تحرك جدي في هذا الاتجاه، وهذا ما يتعين على قمة رئيسي الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تحقيقه».

وأشار كوساتشوف إلى أنّ «اللقاء التاريخي لرئيسي الكوريتين يحمل على التفاؤل، لأننا شهدنا مؤخراً كل علامات قرب اندلاع النزاع النووي».

وتابع: «هذا اللقاء مهم جداً لتجاوز التناقضات بين البلدين والخروج من حالة الحرب ولو شكلياً. لكن من المبكر تحديد قدرة الرئيسين على السير في طريق توحيد شطري البلاد».

وأضاف: «في إطار تسوية قضية البرنامج النووي الكوري الشمالي، يمكن النظر إلى القمة الحالية كخطوة مهمة تسبق مرحلة أكثر أهمية تتمثل في لقاء رئيسي الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وخلال هذا اللقاء سيمكن فعلاً بحث سبل الخروج من الأزمة الحالية بشكل حقيقي، وأظنّ أن الكثير من الناس في هذه الأيام قد تنفسوا الصعداء».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى