الحملة الدونكيشوتية

عبد الحميد فاخوري

كنت قد عاهدت نفسي أن لا أكتب شيئاً عن الانتخابات النيابية لأنني أزعم بأنّ القانون الذي وضعته الطبقة الحاكمة ووصفته بالنسبي ليس فيه من النسبية إلا الاسم فقط. ولكنني تجاه الحملة الوهمية التي يشنّها البعض للدفاع عن عروبة بيروت، كما يتقوّلون، فإنني لم أتمالك من الردّ على هؤلاء كما يلي:

ألم ترفعوا شعار لبنان أولاً الذي يتناقض بوضوح مع العروبة؟ ثم أين كنتم عندما خاضت بيروت معارك العروبة وقدّمت أول شهيد لها بعمر السابعة عشرة وهو خليل عز الدين الجمل والذي استشهد في العاشر من نيسان 1968 والذي أوقع مع مجموعته من قوات العاصفة خمسة عشرة جندياً إسرائيلياً بين قتيل وجريح في معركة عُرفت بمعركة «تل الأربعين». وكان بذلك أول شهيد لبناني، واستقبل جثمانه كلّ لبنان.

بل أين كنتم عندما زحف بنات وأبناء بيروت إلى دمشق عام 1958 لتحية جمال عبد الناصر الذي حمل راية العروبة الحقيقية على مدى ثمانية عشرة عاما.

بل أين كنتم عندما شارك أبناء بيروت في التصدي للاسرائيليين في معركة خلدة الشهيرة، ثم عندما تصدّوا للصهاينة وعلى رأسهم الشهيد خالد علوان بعيد دخولهم بيروت الذين سارعوا إلى الانسحاب يجرجرون أذيال الخيبة مع قتلاهم وجرحاهم مناشدين المناضلين عدم إطلاق النار عليهم.

ثم أين كنتم عندما رفعت بيروت راية العروبة خلال الحرب الأهلية متحديةً أعداء العروبة بالرغم من استشهاد عدد كبير من أبنائها وهدم جزء ضخم من أبنيتها وبناها التحتية. وكان سليم الحص، ضمير بيروت قبل أن يكون ضمير لبنان، مثلاً يُحتذى بصموده في منزله المتواضع بالرغم من النيران التي تنهال عليه وعلى أحياء بيروت قاطبة.

أين كنتم من كلّ ذلك؟ ألم تكافئوا بيروت بتهجير حوالي ربع أبنائها وعائلاتهم خارج بيروت؟ وها أنتم بصدد تهجير جزء آخر من أبنائها بموجب قانون إيجارات غاشم صدر في عهدكم؟ ألم تنتزعوا ملكية أبناء بيروت في ما كان يسمّى بـ «البلد» قبل الحرب الأهلية وأصبح اسمه الآن «داون تاون»، الذي بفضل شركة سوليدير التي تحكمونها، والذي أصبح الآن جسداً بلا روح لا يرتاده إلا الأثرياء، بعد أن كان ملتقى لأهل بيروت خاصة ولبنان عامة، بقطع النظر عن انتماءاتهم المختلفة. وبعد ذلك تتجرأون وتدّعون الدفاع عن بيروت دون أن تفصحوا عن الدفاع ضدّ من؟ وبعد ذلك تجلسون مع أعداء بيروت المفترضين، الذين لن أدافع عنهم لأنّ نضالاتهم التاريخية كفيلة بذلك، لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات. ألا يشكل ذلك انحطاطاً أخلاقياً غير مسبوق؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى