سعد الحريري ما بعد الانتخابات: الأمر ليس لك…!

رنا صادق

ما يعبّر عن خيبة أمل تيّار المستقبل الكبيرة هو إلغاء اللقاء الحاشد الذي كان سيُقيمه مساء أمس وسط بيروت احتفالاً بالنصر في الانتخابات، وذلك بعد تذوّقه مرارة الهزيمة إثر صدور النتائج الأولية للانتخابات وصمت الماكينات الانتخابية التابعة لتيار المستقبل منتصف ليل أول من أمس عن الكلام غير المباح…

حتى الخرزة الزرقاء لم تكن قادرة على رعاية تيّار المستقبل نفسه، ومنع شرر غضب قواعده الشعبية، من رجم سياساته البعيدة كلّ البعد عن همومها فابتُليت بمساوئ سياساته الاقتصادية مثل سائر اللبنانيين بلا تمييز أو تفريق.

استفتاء شعبي وطني كبير جاءت نتيجته صفعة للحريرية، أثبتت أنّ الخرزة الزرقاء لا ترعى لبنان إطلاقاً، خصوصاً أهالي بيروت، إنّما أرضية الإرادة الثابتة في تحقيق الأمن والاستقرار وتغيير النمط السائد وإعادة إنعاش المؤسسات من قبل ممثلي الشعب بطوائفه ومناطقه المتعدّدة. الأمر الذي يعتبر دليلاً على تقدّم القواعد الشعبية السنيّة في خيار التمثيل السياسي، من خلال تقليل تعاظم الحريرية السياسية.

ليس الحديث هنا عن الصفعة التي تلقّاها تيّار المستقبل في بيروت الثانية فقط، حيث حصد ستة مقاعد نيابية، ومقعد واحد في صيدا بهية الحريري وفي دائرة طرابلس المنية الضنية نال خمسة مقاعد سمير الجسر، محمد كبارة، ديما جمالي، عثمان علم الدين وسامي فتفت ، بل عن تشتّت القوة النيابية من أيدي الحريري على صعيد لبنان ككلّ بعد دخول عشرة نواب سنّة إلى المجلس من خارج القبضة الحريرية أو تابعة لخصومها من التكتّلات النيابية الأخرى. والنواب العشرة هم: نجيب ميقاتي وفيصل كرامي طرابلس جهاد الصمد الضنية ، فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي بيروت ، أسامة سعد صيدا ، قاسم هاشم مرجعيون حاصبيا ، عبد الرحيم مراد البقاع الغربي راشيا والوليد سكريّة بعلبك ـ الهرمل ، إضافة إلى النائب الاشتراكي بلال عبدالله.

وتبعاً لذلك، كيف ستتأثر عملية تشكيل الحكومة؟ وما هي التحالفات التي ستفرض نفسها في المجلس النيابي الجديد؟ وما هي خطط الحريري للحفاظ على موقعه كرئيس لمجلس الوزراء؟

بالطبع عشرة نواب ليس بالرقم الكبير من أجل إدارة اللعبة السياسية، إنما كفيل بهزّ موقع الحريري وتيّاره وقرارته في المجلس، خصوصاً أنّ هذه الكتل ترجمت حاجة خصوم الحريري إلى تغيير السلطة الناطقة باسمها.

الرئيس سعد الحريري بلور نتائج الانتخابات وسلّم جدلاً بأنّ ما ستصل إليه الأمور بعد الانتخابات هي قرارات الأكثرية القوية في المجلس، حيث قال خلال مؤتمره الصحافي أمس «كنّا نراهن على نتيجة أفضل وعلى كتلة أوسع، لكن تيار المستقبل كان يواجه باللحم الحي مشروع إقصائه عن الحياة السياسية».

السيناريو الأول حتى الآن لمرحلة ما بعد الانتخابات:

أولاً، أفقدت نتائج الانتخابات الحريري عدداً كبيراً من حجمه النيابي، بعد أنّ كان يفوز بأكثر من 34 نائباً في المجلس ما جعله يتمسك في احتكار تشكيل الحكومة، ودخوله اليوم المجلس النيابي بـ21 نائباً فقط، الأمر الذي يجعله مرشّحاً من بين المرشّحين لرئاسة الحكومة وليس المرشّح الوحيد.

ثانياً، تكتّل النواب السنّة خارج القبضة الحريرية يقود بشكل أو بآخر إلى تشكيل قوة ضغط في تكليف شخص غير الحريري، الأمر الذي كان مستبعَداً ما بين 2005 ـ 2018 في المجالس التي توالت في تلك الفترة.

ثالثاً: لا يمكن للحريري أن يستخدم سياساته المعلنة ومواقفه السابقة، ويطرح نفسه كرئيس ما إذا كان يجهر بالعلاقة مع سورية واعتبار سورية عدواً، خصوصاً أنّ الأكثرية النيابية اليوم في المجلس حليفة لسورية وتطالب بأفضل العلاقات معها.

رابعاً: لا يقدر الحريري أن يطرح إشكالات وعلامات استفهام حول مسار حزب الله، خصوصاً أنّ الأكثرية أيضاً في المجلس مع خيارات المقاومة، أيّ بمعنى آخر لم يعُد لديه مادة مفبركة لترويجها لدى الرأي العام.

بذلك، يكون الحريري قد دخل في دوّامة الاختيارات والطروحات، ويستعدّ إلى خوض مفاوضات بديلة عن تلك التي كان يستخدمها سابقاً، ويقدّم تنازلات من أجل الحفاظ على موقعه، ويعيد النظر في سياساته الداخلية وتعامله مع الخارج. أمّا خصومه السنّة فلا يمكن التنبّؤ بقراراتهم منذ الآن، لأنّ ما قبل دخول المجلس غير ما بعد دخوله، كما أنّ الحريري سيعمد إلى تقوية التحالفات السنية ـ السنية، ويحاول على الأقلّ تعويض خسارته في نتاج الانتخابات النيابية في المجلس.

في المحصّلة، دخلنا فترة ما بعد الانتخابات بعنوانها العريض «تشكيل الحكومة»، وتبقى التجاذبات النيابية بين الكتل رهناً للوقت ومجريات الأحداث لتحقيق ذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى