العلاقات الأميركية ـ التركية: مدٌ وجزر!

يارا بليبل

اتسمت العلاقات الأميركية التركية منذ بداية الأزمة السورية بعدم الاستقرار، الأمر الناتج عن تباين في المقاربة السياسية والأمنية لكلّ من البلدين، والتي اتضحت معالمها مع ازدياد عمر الأزمة المرفق بتعدّد اللاعبين والمراهنين في الميدان السوري.

لاقت الأحداث في سورية بمرحلتها الأولى، حماساً مفرطاً من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لجهة الدعوة إلى تغيير النظام ومباركة للبديل الإخواني، بُعيد نجاح الأخير في الوصول إلى سدة الحكم في كلّ من تونس ومصر.

ففي قراءة تركيّة خاطئة لواقع الحال في سورية، لجهة محوريّة دورها وطبيعة تحالفاتها، اندفعت القيادة التركية بمآخذها على القيادة الأميركية في حينها، باعتبارها وسمت بالتردّد والتحفظ وعدم الإقدام على أيّ خطوة عسكرية أو دبلوماسية تسهم في الضغط على القيادة السورية.

ومع جلاء الصورة والتدخل الروسي المباشر على خط العمليات العسكرية، في مطلع خريف العام 2015، مرفقاً بالتوتر الذي طال علاقات البلدين روسيا وتركيا ، إزاء إسقاط مقاتلة روسية بزعم خرقها للأجواء التركية، وجدت تركيا نفسها مربكة سياسياً. فكانت الاستدارة غير المكتملة مع الروس، كإشارة وورقة ضغط على اللاعب الأميركي لتظهر تركيا كدولة «برمائية» قادرة على التأقلم وتحقيق مصالحها بالارتكاز على محوريّة موقعها الجيوسياسي.

استغلّت كلّ من روسيا وتركيا التقارب السياسي الوليد:

فمن جهة، تكريس روسيا كحاجة للدول الإقليمية المتنافسة، من دون التغافل عن أنّ عمليّة ترميم العلاقات بين البلدين ضاعفت قدرتها على المناورة إقليمياً، وخلق مساحة ضغط موازية على واشنطن، مع تحقيق توازن مع الأوروبيين مقابل ضغطهم في شرق أوروبا.

ومن جهة أخرى، استثمرت تركيا هذا التقارب كدولة شريكة في المساعي الروسية الإيرانية، المباركة أمميّاً، عبر مؤتمر أستانة ولقاءات سوتشي، حيث أسهم وجودها كـ «راعية» في تعزيز ثقلها السياسي، وما يشكله هذا التقارب وانعكاساته من مصدر إزعاج للحليف الأميركي وورقة ضغط لإعادة أخذ مصالح تركيا ومخاوفها بعين الاعتبار.

وإزاء هذا التعاون الحذر بين الجانبين، شهدت العلاقات مع الولايات المتحدة منحىً مغايراً تماماً.

وفي الحديث عن المخاوف التركية، فقد تركّزت حول طبيعة الوجود الكردي على الحدود مع سورية ودور القيادة الأميركية في تدريب هذه القوات وتسليحها قوات سورية الديمقراطية ، بدءاً من كونها عدّت ذراع أميركا العسكرية بمواجهة داعش. وبذلك راهنت أنقرة على تخلّ أميركي عن أكراد سورية مع إتمام المهمة، الأمر الذي لم تصحّ نبوءته.

وفي سياق غير منفصل، تأتي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في تركيا في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، لتشكل تحدياً جديداً أمام علاقة البلدين، بحيث تتضح رؤية أميركية مسبقة بأرجحية استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكم، مع بروز علامات تودّد أميركي في الآونة الأخيرة تمظهرت باتفاق منبج القاضي بمراحله الثلاث بانسحاب عناصر وحدات الشعب الكردية وتشكيل مجالس إدارة للمدينة بالتوافق بين الجانبين. بالإضافة إلى إعلان المتحدث باسم الحكومة التركية، أمس، عن تسلّم بلاده أول دفعة طائرات «أف-35» أميركية الصنع اليوم، وذلك بعد يوم من قرار الكونغرس ليل الإثنين الداعي إلى ضرورة تعليق بيع واشنطن لتركيا طائرات «أف-35».

لا شكّ في أنّ لتركيا مصالح مع الولايات المتحدة الأميركية تتخطى المآخذ عليها، الأمر الذي يفرض عليها الحفاظ على شعرة معاوية وربما أكثر، جلّ الموضوع يرتبط بالمتغيّرات السياسية المقبلة وكيفيّة إدارتها للموقف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى