أردوغان ومودي… من بيع العصير والشاي إلى السيطرة على بلديهما

أسامة عمارة

رغم أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لم يصل إلى درجة استحواذ أردوغان على سياسة بلده، يتشابه المسار الذي يتخذه الزعيمان بشكل يدعو للمقارنة والقلق. هكذا استهل «شاشي ثارور» وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الدولة الهندي الأسبق للشؤون الخارجية مقاله بموقع منظمة «بروجيكت سنديكيت».

يقول الكاتب إن المقارنات عادة ما تكون خادعة، خاصةً عندما تكون بين قادة سياسيين من دول مختلفة، بالإضافة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل إلى السلطة قبل 11 سنة من وصول ناريندرا مودي لرئاسة وزراء الهند، ولكن تجاربهما الشخصية والمهنية تجعل المقارنة لا تقاوم. أردوغان تولى رئاسة وزراء تركيا عام 2003، بينما تولى مودي رئاسة وزراء الهند عام 2014 .

كانا يبيعان العصير والشاي

نشأ كل من أردوغان ومودي، في مدينتين صغيرتين متواضعتين أردوغان كان يبيع عصير الليمون والحلويات في شوارع مدينة ريزي، ومودي كان يعمل مع والده وأخيه في كشك شاي على رصيف محطة قطارات في فادناغار. ويعلق الكاتب بأنهما رجلان عصاميان وقدراتهما عالية في الخطابة ويتمتعان بلياقة بدنية جيدة، فأردوغان كان لاعب كرة قدم محترفاً قبل أن يصبح سياسياً، ومودي يفخر بعرض صدره البالغ 56 بوصة 142 سنتيمتراً .

ويتابع الكاتب: لقد نشأ كل من أردوغان ومودي مع قناعات دينية شكلت مسارهما السياسي. فأردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» ومودي وحزبه «بهاراتيا جاناتا» يروجون لعقيدة قومية دينية، ويعتبرونها أكثر واقعية من الأيديولوجيات العلمانية المستوحاة من الغرب التي كانت مرجعية لتنمية بلدانهم في وقت سابق.

ومع ذلك، فإن أردوغان ومودي لم يحصلا على أصوات الناخبين المتدينين فقط. لقد قام كلاهما بحملة دعائية عصرية، تعد بتحقيق رخاء اقتصادي كبير من خلال تطبيق سياسات ملائمة للأعمال التجارية، والحد من الفساد.

كلاهما يستخدم الماضي والمستقبل

ويشير الكاتب إلى تمجيد أردوغان لإرث الإمبراطورية العثمانية، في حين يقول للناخبين: «إنهم لن يختاروا بالانتخابات القادمة الرئيس والنواب فقط، ولكن سيحددون مصير الدولة في القرن القادم». وبالمثل، يستحضر مودي باستمرار إنجازات الهند القديمة، ويدعي سعيه لإحيائها، وخلق مستقبل أفضل. ويضيف الكاتب: «باختصار، عزز أردوغان ومودي قوتهما بتمجيد الماضي، وتصوير نفسيهما وكيلي تغيير المستقبل».

في الوقت نفسه، رسم أردوغان ومودي نفسيهما على أنهما سياسيان خارجيان، يمثلان الأتراك أو الهنود «الحقيقيين» الذين همشهم العلمانيون طويلاً. ومع ارتفاع السخط الشعبي عندما وصلوا إلى السلطة، لاقت مثل هذه الرسائل السياسية آذاناً صاغية. فقد سهّل الخطاب المهاجم للنخب العلمانية الذي يتضمن خطاباً دينيّاً متعصباً به مغالطات تاريخية ، ظهورهما بوصفهما أصواتاً للطبقات الوسطى في المناطق النائية والمدن والبلدات من الدرجة الثانية.

عندما أصبح أردوغان أول رئيس وزراء في عام 2003، تعزز موقفه بسبب النمو العالمي المزدهر، مما شجعه على البدء في تغيير النظام التركي. فسياسية أردوغان -بحسب الكاتب- مزيج من الهوية الدينية، والتباهي بالأغلبية، والقومية المفرطة، وتزايد السلطوية بما في ذلك الهيمنة المؤسسية ، وتقييد وسائل الإعلام، والنمو الاقتصادي القوي، وعلامة تجارية للشخصية القوية وبهذه السياسة أُعيد انتخابه مرتين رئيساً للوزراء، ثم انتُخب رئيساً لتركيا في عام 2014.

سواء بوعي أو بغير وعي، يرى الكاتب أن مودى طبق طريقة أردوغان لإعادة تشكيل الهند. سعى لتهميش المسلمين وتعزيز التعصب للهندوسية، وحاصر الأقليات بشكل عام، إذ إن قومية مودي لا تستبعد أبناء الأقليات فقط، بل تصوّرهم على أنهم خونة.

علاوة على ذلك، تحت حكم مودي، غالباً ما تُشترى الولاءات السياسية، وتوجه المؤسسات لخدمة أجندة طائفية ضيقة، ويتعرض المعارضون للترهيب في وسائل الإعلام والجامعات. وبالإضافة إلى ذلك، تعثر نمو إجمالي الناتج المحلي، بسبب سوء الإدارة الاقتصادية لحكومة مودي.

كيف تتشابه السياسة الخارجية لأردوغان ومودي؟

على المسرح الدولي، أيضاً، هناك أوجه تشابه بارزة بين سياسات أردوغان ومودي. كلاهما يسعى إلى انتهاج سياسات خارجية تهدف إلى تعزيز صورتيهما المحلية، ودعم المواطنين المغتربين. قد تؤدي خطابات أردوغان في البلقان إلى استعداء الولايات المتحدة وأوروبا، وحتى الصرب والكروات، لكنها ترفع رصيده عند الأتراك. عندما يتحدث مودي إلى الملاعب المليئة بالمغتربين الهنود في زياراته الخارجية، فإن خطاباته توجه بشكل مباشر إلى الجماهير بالوطن.

ونقل الكاتب عن سونر جاغابتاي، وهو محلل تركي ومؤلف كتاب عن أردوغان، قال مؤخراً: «نصف البلد يكرهون أردوغان، ويعتقدون أنه لا يفعل أي شيء صحيح، لكن في الوقت نفسه، يعبده النصف الآخر من البلد، ويعتقدون أنه لا يفعل أي شيء خطأ». وينطبق الشيء نفسه على مودي في الهند.

ما الاختلافات بين تركيا والهند؟

يقول الكاتب إنه بالطبع، هناك اختلافات مهمة بين تركيا والهند فعدد سكان تركيا يبلغ 81 مليون نسمة، وهو أقل من نصف عدد سكان ولاية هندية واحدة فقط، مثل ولاية أوتار براديش، التي يبلغ عدد سكانها 210 ملايين نسمة. ويبلغ نسبة المسلمين في تركيا 98 في المئة، في حين يبلغ عدد الهندوس في الهند 80 في المئة فقط. ويضيف الكاتب أن الإسلامويين، كالشوفينيين الهندوس لا يكفون عن الإشارة، بأنهم ظاهرة عالمية. في حين الهندوتفا ليست كذلك. ويلفت الكاتب إلى أن تركيا ليس لديها ما يعادل المهاتما غاندي، ورسالته عن اللاعنف والتعايش المحفوظ في رأس كل تلميذ هندي.

علاوة على ذلك، تعد تركيا دولة متقدمة إلى حد ما، بينما لا يزال أمام الهند طريقاً طويلاً للوصول إلى هذه النقطة. وعلى عكس الهند، لم تكن تركيا مستعمرة أو مقسمة على أسس دينية، كما كانت الهند التي انفصلت عنها باكستان رغم اتفاقية التبادل السكاني بين اليونان وتركيا .

ويختتم الكاتب مقاله قائلاً: لم تشهد الهند فترات من الحكم العسكري كما حدث في تركيا. فالديمقراطية في الهند راسخة بعمق، مما يجعلها أقل عرضة لسيطرة الحاكم الواحد. يفسر ذلك جزئيّاً لماذا يصعب على كثير من الهنود أن يتخيلوا سير بلدهم على خطى تركيا لتصبح دولة ديمقراطية غير ليبرالية يحكمها مستبد. وبينما من الصحيح أن مودي وحزب بهاراتيا جاناتا لم يحققا درجة «السيطرة على الدولة» التي يمتلكها أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فإنهما أيضاً حكما فترة أقل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية بـ11 عاماً. والمسار الذي يسلكانه، مشابه بما يكفي لطرح المقارنة وإثارة القلق.

ويضيف الكاتب في الختام: «أجراس الإنذار تدق: مثل الليرة التركية، خسرت الروبية الهندية أكثر من 5 في المئة من قيمتها في الشهر الماضي. مع الانتخابات القادمة في كلا البلدين تركيا هذا الشهر، والهند في ربيع عام 2019، هل سيستمع الناخبون إلى التنبيه؟».

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى