نتنياهو في موسكو لمعرفة نيّات سورية تجاه فك الاشتباك… قبيل قمة هلسنكي مؤشرات أميركية فرنسية سعودية على فرملة تأليف الحكومة… تفسّر تباطؤ الحريري

كتب المحرّر السياسيّ:

مع تبريد التوترات في منطقة الخليج بصورة لا تتناسب مع التفويض الذي بدا قبل عام أنه من نصيب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يستعيد الوضع في سورية والملف النووي الإيراني مكانتهما التأسيسية في أزمات وحروب المنطقة قبيل القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.

مع سفر الشيخ عيسى قاسم من البحرين إلى بريطانيا للعلاج، تنفتح وفقاً لتعليقات صحافية بريطانية بوابة للتفاوض حول البحرين، وتنطلق إشارة لتجميد سياسة التصعيد ولو مؤقتاً، وتتزامن معها شحنات دعم وتشجيع غربية للمبعوث الأممي في اليمن مارتن غريفيث رغم تحفظات سعودية إماراتية معلنة وسقوف مرتفعة أعلنها منصور هادي بلسان التحالف، وفي الملف القطري كلام أميركي علني عن الحاجة لطي ملف الخلاف.

بالتوازي، الرئيس الأميركي يرى القمة مع الرئيس الروسي أهون من قمة الأطلسي في إشارة تفاؤلية لما ينتظر قمة الرئيسين من تسويات وتفاهمات، بينما وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي أعلن عن حزمة عقوبات تنتهي بمنع إيران من بيع قطرة نفط واحدة، يعلن أن إدارته تدرس استثناءات لدول من العقوبات ما يتيح لها شراء النفط الإيراني وسداد قميته لإيران، فيما يحطّ في موسكو الدكتور علي ولايتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام علي الخامنئي حاملاً رسالة مزدوجة من الإمام الخامنئي والرئيس حسن روحاني للرئيس فلاديمير بوتين، ويبقى الوضع في سورية تحت المجهر كعنوان يختزن التناقضات والصراعات التي كانت في أصل الحرب على سورية، ما أصابها من تحوّلات في ظل تغيّر وقائع الميدان وتوازنات القوى الجديدة.

معارك الجنوب المستمرّة وفي نتائجها مزيد من الانتصارات المتدحرجة للجيش السوري، ترفع منسوب القلق الإسرائيلي في غياب أي تفاهمات توضح صورة المستقبل، وتجاهل سوري تامّ لعروض حكومة الاحتلال بالعودة لفك الاشتباك الذي كان معمولاً به منذ العام 1974 وأسقطته «إسرائيل» بداية الحرب على سورية. وهذا القلق هو الذي يحمل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى موسكو أملاً باستكشاف النيّات السورية، وتقديم العروض بالتزامن مع اقتراب موعد قمة هلسنكي التي صار معلوماً أن الوضع في سورية سيتصدّر أعمالها.

لبنانياً، مع تعقّد المشهد الحكومي، وسقوط أي منسوب للتفاؤل بولادة الحكومة الجديدة قريباً، كشفت مصادر متابعة عن وجود مؤشرات أميركية وفرنسية وسعودية توحي بأن الضوء الأخضر للانطلاق بتأليف الحكومة الجديدة لم يُمنَح بعد للرئيس المكلّف سعد الحريري، فالسفيرة الأميركية في لبنان إليزابيت ريتشارد العائدة من واشنطن حملت في زياراتها ولقاءاتها دعوات للتريّث في تشكيل الحكومة على قاعدة التحقّق من وضع حزب الله في سورية ووضعه في الحكومة الجديدة ونوعية الحقائب التي سيشغلها وزراؤه، بينما حملت مواقع سعودية معلومات منسوبة لمصادر فرنسية تتضمّن تحذيرات من تسلّم حزب الله وزارة الصحة وما قد يفعله في تنظيم سوق الدواء وفرض تخفيض في الأسعار يضرّ بمصالح الشركات الفرنسية، فيما بدت المماطلة السعودية في تحديد موعد للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للرئيس الحريري سبباً كافياً للتيقّن من أن ساعة تشكيل الحكومة لم تحِن بعد.

واصل الرئيس المكلّف سعد الحريري اتصالاته لتفعيل مسار التأليف ومحاولاته لتذليل العقبات. وبدأ حراكه من عين التينة، حيث استقبله رئيس مجلس النواب نبيه بري بحضور الوزيرين علي حسن خليل وغطاس خوري والوزير السابق باسم السبع.

وتحدّث الحريري إثر اللقاء، فأكد ضرورة تشكيل الحكومة سريعاً وتقديم كل الأفرقاء ما يلزم من تضحيات والترفّع عن الحصص لمصلحة البلد. وقال: «إنّه والرئيس بري على الموجة نفسها أي الإسراع في تشكيل الحكومة وتحريك العجلة الاقتصادية»، مشدّداً على «ضرورة الترفّع عن الخلافات التي تعوق التأليف من أجل مصلحة البلد وعلى الجميع أن يضحّوا خصوصاً من أجل الاقتصاد». واذ لفت الى أنّ «العقد الحكومية لا تزال في مكانها»، قال: «أثبتت التجربة في هذا البلد أن لا يُمكن لأحد أن يلغي الآخر لذلك «فلنكبّر عقلنا شوي». وجزم أنه سيقف في وجه كل مَن يريد التعرّض لصلاحياته أو صلاحيات رئيسي الجمهورية أو المجلس النيابي».

وإذ أشار الرئيس المكلف إلى أنه سيجري جولة مشاورات مع المسؤولين، من المتوقع أن يزور قصر بعبدا في الساعات المقبلة، حيث يلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

في المقابل أشارت أوساط نيابية مستقبلية لـ»البناء» أن الحريري فعّل حراكه على صعيد التأليف في محاولة جديدة للتوصل الى حكومة ترضي الأطراف كافة، لكنّها حذرت من أنه في حال لم تولد الحكومة خلال أسبوع أو اثنين، فإنّها قد تؤجل إلى الخريف المقبل».

ودعت كتلة المستقبل النيابية بعد اجتماعها الأسبوعي برئاسة الحريري القيادات والأطراف المعنية كافة، التزام التهدئة وتجنّب المساجلات السياسية والإعلامية والمشادات المؤسفة على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتماد الخيارات التي تساعد على الإسراع في ولادة فريق عملٍ وزاري، يرتقي الى مستوى آمال اللبنانيين وتطلعاتهم.

وأوضحت أن عودة النازحين السوريين الى بلادهم، مسألة لا تخضع لأي شكل من أشكال الجدل والنقاش، وهي مسألة باتت ملحّة حتماً في ضوء ما ينشأ عن الانتشار الواسع وغير المنظّم للنازحين من تداعيات اقتصادية وأمنية واجتماعية، غير أن هذه العودة وتنظيمها وتحديد الخطوط الآمنة لها تبقى من مسؤولية الدولة اللبنانية حصراً بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية المختصة.

وقالت مصادر في الحزب الاشتراكي لـ»البناء» إن العقدة الدرزية لم تحلّ والاتصالات مستمرّة ولم تنقطع بين الرئيس المكلّف والنائب جنبلاط، لكن لم تؤدّ الى نتيجة، ونحن بانتظار ماذا سيقدّم الحريري من اقتراحات جديدة، لكننا مصرّون على 3 وزراء دروز للحزب الاشتراكي ولن نتنازل عن هذا السقف مهما طالت عملية التأليف، لأننا لن نفرط بحجمنا النيابي، ومَن يريد توزير النائب طلال أرسلان فليوزّره من حصته، وتساءلت ما المانع أن يكون هناك أرسلان من حصة رئيس الجمهورية ويكون الوزير الدرزي الرابع؟ وهذا حصل عندما تنازل الرئيس بري عن وزير شيعي لمصلحة توزير النائب فيصل كرامي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. مشيرة الى أن كل ما يقدّم من نظريات وحلول هي مجرد ذرائع للتدخل في الحصة الدرزية وتوزير أرسلان.

وقالت مصادر في الحزب الديمقراطي لـ»البناء» إن الحزب مصرّ على تمثيله في الحكومة إنْ بشخص الأمير طلال ارسلان أو مَن يسمّيه، مشيرة الى أن لا يمكن للنائب وليد جنبلاط احتكار التمثيل الدرزي، وبالتالي لا يمكن له أن يمتلك الفيتو الميثاقي في ظل العهد الجديد، لافتة الى أنه إذا كان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يريد أن يخضع لشروط جنبلاط فإن الحكومة ستكون رهن القرار والفيتو الجنبلاطي، وتساءلت: هل سيقبل العهد الجديد والحريري أن يملك أحد المكوّنات السياسية أو الطائفية فيتو تعطيل الحكومة؟

في المقابل استبعدت مصادر نيابية مطلعة في 8 آذار لـ»البناء» أن تشكّل حكومة في وقت قريب، مشيرة الى أن العقد الداخلية ما هي إلا تظهير للعقد الأكبر في الخارج، حيث تحوّلت بعض القوى السياسية المحليّة الى واجهة للشروط الخارجية على الرئيس المكلّف، متوقعة أن تبادر القوات اللبنانية لخفض سقف مطالبها والتنازل عندما تأتي الإشارة الخارجية من الخارج وتسقط السعودية الفيتو على تأليف الحريري. مبدية اعتقادها بأن «السعودية ومَن يقف وراءها في واشنطن يظنون بأن ابتزاز الرئيس عون ومن خلفه حزب الله وايران في وقت التأليف فرصة ثمينة يمكن من خلالها انتزاع مكاسب في الداخل والإقليم»، لكنها أكدت بأن لا يمكن للسعودية ولا لغيرها أن تلعب بالمعادلة الداخلية وبموازين القوى الجديدة مهما طال أمد التأليف»، واضعة التصعيد الأميركي بوجه حزب الله في إطار التحوّلات في المنطقة لا سيما انتصارات الجيش السوري والمقاومة في الجنوب السوري».

وفي سياق ذلك، أكد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو أن الإدارة الأميركية ملتزمة بالتصدّي للسلوك الإيراني، مشدّداً على أنّها تعمل على تحجيم «ميليشيات طهران في اليمن والعراق ولبنان، بالإضافة لسورية». وكشف بومبيو عن السيناريو الأميركي للتصدّي للتهديدات الإيرانية الأخيرة والتلويح بتعطيل حركة الملاحة النفطية في المنطقة وإغلاق مضيق هرمز، وذلك بعد إعادة فرض واشنطن عقوبات على إيران. وأشار إلى أن «من الأمور الرائعة هو أننا نحظى بشركاء رائعين في دول مثل الإمارات والسعودية، والعديد من الدول الأخرى. البحرينيون يعملون معنا لردع السلوك الإيراني الشرير. ونعمل على تحجيم الحوثيين في اليمن، وحزب الله في سورية ولبنان».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى