كيدانيان في مهرجان الضاحية الثقافي الثاني: حين تكون المقاومة بخير فنحن جميعاً بخير

عبير حمدان

يُشرق النصر بين تلك الأبنية التي واجه أهلها حقد ثلاثة وثلاثين يوماً وصمدوا وعادت ساحتهم صادحة بالأناشيد والزغاريد والفرح.

هنا كانوا كما يجب أن يكونوا، فالحياة تليق بهم ومن نجيع الشهداء يغرفون حكاياهم ويرفعون مشعل العزّ في كل عام، بين تموز وآب قصة مقاومة لا تنتهي فصولها. وهنا يصبح الكون بحجم قبضة اليد، حيث ينبض القلب على إيقاع اللحن الذي لا يشبه سواه.

هنا الضاحية التي نفضت عنها كل الغبار ولفظت كل البيانات المعتدلة التي لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به وأثبتت هشاشة العدو ولما تزل تشعل قمر الأمسيات بملاحم البطولة، بطولة العين الساهرة عند تخوم القرى وفي كل الميادين لتحمي الأرض وناسها حتى آخر حبة تراب هي من حقنا من بيروت إلى الجنوب والشام وفلسطين كل فلسطين اليوم وبعد حين.

ولأننا شعب يستحق الحياة ويدرك كيف يحياها دون تخاذل وخنوع يليق بنا الاحتفال بالنصر على مدار الأيام وليس فقط ضمن إطار محدد.

ضمن أجواء الاحتفال بنصر تموز افتتح أمس، مهرجان الضاحية الثقافي الثاني الذي دعا إليه اتحاد بلديات الضاحية وكانت ليلته الأولى برعاية وزير السياحة أواديس كيدانيان وحضوره وشهد تكريم الفنان السوري دريد لحام والإعلامي جورج قرداحي. كما حضره أيضاً النائب علي عمار وممثلون عن الأجهزة الأمنية من قوى أمن وجيش ورؤساء البلديات.

كيدانيان

اعتبر وزير السياحة أواديس كيدانيان أن الوقوف على مسرح مهرجان ثقافي في قلب الضاحية له هيبة مختلفة بين جمهور تُرفع له القبعة. وقال: وقوفي على هذا المسرح تكريم أعتز به. ولكم أقول مساء الخير ومساء المقاومة والانتصار، سأضع كل المهرجانات التي حضرتها في كفة وهذا المهرجان في كفة. وأنا لم أحضّر كلمة لأني لا أحتاج إلى تحضير نص أمام جمهور مثلكم، وكلامي من القلب، وتمنياتي أن يكون لبنان كله على هذا المشهد المشرّف من التكاتف ومواجهة الخطر إذا وقع، وبالمقابل أن يعرف كيف يفرح ويبتهج حين يكون هناك ظرف مناسب للبهجة، ولن أطيل في الكلام خاصة أننا اليوم نشهد تكريم شخصين عزيزين. فالمكرم الأول أنا ربيت وكبرت على أعماله التي نقلت صورة الحياة الاجتماعية السورية واللبنانية من خلال شاشة التلفزيون في زمن الأسود والأبيض ولم يزل يقدّم كل ما هو جميل وأعتبر أن تكريمه هو تكريم لي حيث أقف الآن وأعني بكلامي الأستاذ الكبير دريد لحام. أما المكرّم الثاني العزيز على قلبي هو الذي علمنا التسامح وكيف نكون مثقفين وإعلاميين وسياسيين وأعني به الإعلامي جورج قرداحي.

وختم كيدانيان: حين تكون المقاومة بخير نكون جميعنا بخير. ومن هنا أشكر الجهة التي شرّفتني برعاية هذه الأمسية من مهرجان الضاحية الثقافي .

لحام

من جهته اعتبر الفنان دريد لحام أن المقاومة التي قهرت العدو وتوّجت تموز بالنصر الإلهي تستحقّ أن نحميها ونعتنق ثقافتها ومما جاء في كلمته: حين انبثق فجر المقاومة وأشعل في نفسي شمعة الأمل وحب الحياة من جديد وعدت شاباً رغم الثمانين. هذه البيارق التي تزهو بلونها الأصفر مرصعة باسم الله وحزبه ترفرف في فضاء الحلم وتنشر النصر الآتي بالوعد الصادق، بإرادة حفنة من رجال آمنوا بالله والوطن بل جعلوا من الجنوب أكبر من وطن وأقدس من جغرافيا، حيث الجهات الأربع اختُصرت بالجنوب .

وأضاف لحام: لن أنحني احتراماً لشرعية أممية أخذت منا كل شيء لتعطي عدونا كل شيء، لن أنحني احتراماً لقُمم حكام لم تستطع أن تحمي حدود الحق بل تآمرت عليه وأفتت بأن العدو لا يُقهَر، أنحني احتراماً وإجلالاً أمام مقاومة قهرت العدو وتوّجت تموز بالنصر الإلهي، علينا حمايتها ومساندتها، اعتناقها وتعميم ثقافتها، وممارستها في كل الميادين وزرعها جينات في دماء أجيالنا، لأنها وحدها استطاعت ان تسيّج حدود الحق رافعة بيارق الكرامة بالتضحية والفداء والثبات ونُبل الهدف، بشهداء جعلوا من تراب الجنوب كُحلاً للعيون بعدما قدّسته دماؤهم لتزهر شقائق نعمان، أرواحهم قناديل في سماء الله تنير لنا درب الإرادة، وإن الإرادة سيدة المستحيل. أيها المقاومون يا فخر الزمان والمكان يا فرح عمرنا لستم أحباب السيد الجزيل الاحترام فحسب، بل أنتم أحباؤنا جميعاً، أحباء كل حرّ في هذا العالم يزهو بكرامة الموقف، أحبائي بكم يتشرّف الشرف بكم نمضي وننتصر، لأنكم تكونون حيث يجب أن تكونوا، ومن سورية لن ننسى تضحياتكم ووقوفكم إلى جانبنا، شكراً لكم .

قرداحي

أما الإعلامي جورج قرداحي فاستهل كلمته بتوجيه تحية إلى الضاحية وأهلها، ومما قال: مبادرتكم هذه عزيزة جداً على قلبي. أولاً لأنّها تحصل في هذه الضاحية الحبيبة التي بصمودها وعنفوانها وانتصاراتها كرّمت لبنان كله، وثانياً لأنها تجمعني برجل أحبّه وأحترمه وأقدّر مواقفه وأخلاقه وفضائله وشجاعته وهو عميد الفن الهادف والراقي ليس فقط في بلاد الشام، بل في كل العالم العربي وهو الأستاذ دريد لحام .

وتابع قرداحي: أسمحوا لي أن أقدّم هذا التكريم إلى أناس أولى مني بالتكريم. وهم أناس لا يوازيهم في بطولتهم وشجاعتهم وولائهم وحبهم لوطنهم أي أحد، أحب أن أقدم تكريمي هذا وكل تكريم إلى الشهداء الذين ضحّوا بحياتهم كرمى لكل أبناء هذا الوطن على اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم، وكانوا حيث يجب أن يكونوا وفي كل بقعة من الجنوب إلى الضاحية إلى الجرود، أقدم هذا التكريم المميّز إلى المقاومين والشهداء ولا زلت أحلم بوطن يقدّر هؤلاء الابطال وتضحياتهم، ولا زلت أحلم بوطن يلتف أبناؤه حول دماء الشهداء، ويتوحّدون ويتصرّفون بوفاء إزاء كل من ضحّى بشبابه وحياته كي يبقى هذا الوطن .

وأضاف: الوفاء للشهداء والجرحى لا يكون بالشعارات والخطابات الرنانة والقصائد، بل بالسلوك الاجتماعي والوطني، لأن من تصدّى للعدو وللمؤامرات كان يريد أن يعيش أهله بخير وكرامة على جميع المستويات، الشهيد لم يكن يدافع عن وطن السمسارات واللامسؤولية .. الشهيد كان يعتقد ورفاقه سوف ينقلون الوطن إلى فجر جديد وواقع جديد. ولكن ماذا نرى اليوم، هل هذا هو الوطن الذي من أجله مات الشهداء؟ وهل هذا هو الوطن الذي يليق بالجرحى الأبطال؟ .

…وحواران

على هامش المهرجان كان لـ البناء لقاء مع مسؤول اللجنة الثقافية في الإتحاد الأستاذ زهير جلول، ومع نقيب الفنانين اللبنانيين نعمة بدوي.

جلول: قدرة على احتراف الفرح والتكريم لذوي المواقف والتاريخ المشرّف

تحدّث جلول عن رمزية الحدث، فقال: هذا الحدث يأتي في الوقت الذي نستحضر تضحيات من قاوم وصمد وانتصر، ونحن نريد أن نقول للعالم إن الضاحية قادرة على احتراف الفرح ويمكنها أن تزغرد حين تشاء. وكما شهدتم في الليلة الأولى كرّم المهرجان الفنان الكبير دريد لحام والإعلامي المتميز جورج قرداحي وشارك الفنان منير كسرواني الحضور بفقرة فنية تتضمن رسالة واضحة بأننا شعب لديه مساحة كبيرة من الثقافة وحب الحياة، وتلا ذلك حفل موسيقي لأوركسترا شمس الحرية. أما في الليلة الثانية فكرّمنا أهل العطاء والتضحية أي الجرحى وتلا ذلك حفل للمنشد علي العطار وفرقته وذلك برعاية النائب علي عمار. أما في الليلة الأخيرة فستكون برعاية مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وسيتم تكريم الطلاب المتفوقين والمبدعين وتلي التكريم أمسية شعرية لشعراء من لبنان وسورية والعراق والجزائر .

أما عن معيار اختيار المكرمين فقال جلول: من البديهي اختيار أشخاص لهم مواقفهم وتاريخهم المشرّف، وجميعنا نعلم مسيرة الفنان الكبير دريد لحام الذي يستحق التكريم لا بل إننا نتشرّف بتكريمه، وينسحب الأمر على الإعلامي جورج قرداحي الذي لديه مواقف مبدئية جديرة بالتكريم .

وختم جلول: الحضور في المهرجان متنوّع ولا يقتصر على جمهور محدّد، ولو إننا نقدم مادة فنية ملتزمة. وهذا ما يميّزنا، وفي النهاية لبنان بلد التنوع، ومن خلالكم أشير إلى أن الإعلام ساهم بشكل كبير في نقل الصورة الحقيقية للضاحية من خلال حضوره في المهرجان .

بدوي: لثقافة الحياة لا ثقافة الموت

من ناحيته رأى نعمة بدوي أنه من الخطأ أن يتم الفرز بين المهرجانات، مشيراً إلى أن هذا المهرجان لكل لبنان وليس لأهل الضاحية وحسب، فيقول: أنا ضد الفرز حين يتصل الأمر بالفرح. وأنا ضد فرضية أن لكل مهرجان جمهوراً، العنوان الرئيس للمهرجانات هو الفرح والأمان والأمن والثقافة. ولكن لعل هذا المهرجان أخذ الطابع المختلف ليقول منظموه من خلاله إن هنا في الضاحية لدينا ثقافة الحياة وليس الموت، كما يحاول البعض تصوير الأمر .

وعن اختيار المكرمين قال بدوي: أنا سعيد بالأشخاص المكرمين لأنهم جديرون بذلك ولن أزايد على ما أعلنه المعنيون بهذا الاحتفال والتكريم حول مكانة وقيمة الفنان دريد لحام والإعلامي جورج قرداحي، لا بل أتمنى أن يحذو من ينظم باقي المهرجانات في لبنان حذو اتحاد بلديات الضاحية ويتم تكريم مَن يستحق التكريم .

وفقرة فنية من منير كسرواني: قلعة مصوّنة بسيّدها وبشارها

وتبقى الضاحية القلب النابض بفعل الوجود على إيقاع اللحن، حيث شهدت ساحة المهرجان مظاهر التفاعل المباشر بين الجمهور والمادة الفنية والثقافية، مما يثبت أن هذا الشعب يدرك أن لكل شيء أوانه، وأن النصر ينبت الفرح ويزهر لحناً مختلفاً لا يفهمه إلا أهل الكرامة والعزّ. وكما قال الفنان منير كسرواني في فقرته الفنية الضاحية قلعة مصونة ومصونة بسيدها/ وسورية قلعة مصونة ومصونة ببشارها وستبقى بلاد الشام هي القلعة المصونة بمقاومتها وشعبها وقيادييها.

الجدير ذكره أن المهرجان يختتم فعالياته مساء اليوم الخميس بأمسية شعرية يشارك فيها الشعراء: زيد السلامي من العراق وأيهم حوري من سورية وإبراهيم صديقي من الجزائر وعباس عياد وعاطف موسى من لبنان.

كما تمّ سحب قرعة طوال أيام المهرجان على ليرات ذهبية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى