الحرب الإيرانية الأميركية تبدأ قبل موعدها؟

د. وفيق إبراهيم

لماذا اختار الإيرانيون قواعد للإرهاب تقع على مقربة من المواقع الأميركية في شرق الفرات السوري ليقصفوها بصواريخ متقنة؟

وهل صحيح أنهم يردون بهذه الطريقة على الهجوم الإرهابي الذي استهدف قبل أسبوعين احتفالاً إيرانياً في منطقة الأهواز؟

الأسئلة تتراكم بما يؤكد أن الجمهورية الاسلامية في إيران ليست مجرد دولة شرق أوسطية بسيطة التركيب يبتزها الأميركيون في كل وقت ويصنفون سياساتها محدّدين وجهات اقتصادها. أليس هذا ما يبدو واضحاً من تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية أسبوعياً؟

تكفي العودة الى خطاب له منذ أيام عدة عندما توجّه الى من أسماه «صديقي الملك سلمان، أنتم لا تستطيعون الدفاع عن طائراتكم وأسلحتكم. نحن من يحميها، لذلك فإن عليكم أن تدفعوا من ثرواتكم الخيالية التي تزيد عن آلاف التريليونات من الدولارات»، مضيفاً «وكذلك حال اليابان وكوريا الجنوبية فعليهما أن تدفعا أيضاً».

بذلك يتضح أن ترامب يريد إعادة إيران الى حظيرة الدول التابعة للسياسات الأميركية والتي يجب أن تدفع دائماً للأميركيين كي يقبلوا باستمرارها.

هذا ما رفضته إيران وقاومته بشد الأحزمة الى البطون منذ 1980 وبناء منظومة عسكرية قوية ونظام اقتصادي قوي وصبور. هذه المؤسسات وفرت لها مقاومة حصار اقتصادي يستهدفها منذ ثلاثين عاماً من دون انقطاع، ولأنها لم تسقط أمام النفوذ الأميركي ونجحت ببناء تحالفات إقليمية واسعة يتهيأ الأميركيون لرفع وتيرة استهدافها بالخنق الاقتصادي المميت في تشرين الثاني المقبل، بالترافق مع استعدادات عسكرية تحشد فيها أقوى أجهزتها العسكرية الجوية والبحرية وبمواكبة تحشيد إسرائيلي وسعودي وإماراتي قد يتمكنون من جذب كل من مصر والأردن الى إطار المعتدين.

كان يفترض ان ترتفع وتيرة الحصار الاقتصادي على إيران في الشهر المقبل وتسقط صادراتها من النفط الى حدود «التصفير» فتنفجر مكوناتها العرقية وتسقط الجمهورية الإسلامية.

بناء عليه قامت المخابرات السعودية والإماراتية بإشراف أميركي ودور إسرائيلي ببناء بؤر إرهابية من أكراد وبلوش وأقليات أخرى إيرانيين، لكن الاستخبارات الإيرانية كانت تتابع هذه التطورات ما أتاح للحرس الشعبي بقصف قاعدة لأكراد إيران كانت تتحضّر لتنظيم هجمات انطلاقاً من الحدود العراقية.

لكن عملية الأهواز الإرهابية دفعت الإيرانيين للتيقن بأن الحرب الأميركية عليها تخطّت الجانب الاقتصادي لتنتقل الى الجانب الإرهابي فردّوا بقصف صاروخي دقيق لمواقع هذا الإرهاب لها ميزتان: قربها اللصيق من القواعد الأميركية في شرق الفرات ومجاورتها لقوات «قسد» الكردية التي تحتمي بالأميركيين وتطالب بكيان مستقل لها عن سورية.

يأتي هذا القصف ليحقق هدفين: إصابة الإرهاب في مقتل وبشكل يؤكد أن لا مفر لهم من هجمات إيران، أما الثانية فهي كشف علاقة الكرد السوريين والأميركيين في سورية بهذا الإرهاب واستثمارهم فيه ضد الدولتين السورية والإيرانية.

وإلا كيف يمكن لبؤر داعشية أن تستمر قرب دير الزور في مواجهة الأميركيين والكرد ومن دون موافقتهما ويمنع الأميركيون الجيش السوري من التقدم لضربها.

هناك ملاحظة أخرى تتعلق بالأداء العالي والمتقن للقوات العسكرية الإيرانية التي أصابت اهدافاً للإرهاب على بعد 600 كيلومتر من بلادها بصواريخ دقيقة ألحقت بالأهداف خسائر كبيرة.

ضمن هذه المناخات يمكن القول إن بدايات الحرب الأميركية الإيرانية بدأت، وربما بوسائل غير مباشرة قد يكون السلاح الجوي الإسرائيلي والبحرية الأميركية من آلياتها.

والجمهورية الإسلامية من جهتها اختارت ان تبدأ الحرب قبل موعدها الأميركي لتثبت انها قادرة على المجابهة ونقل مستوى الحرب عليها من الاقتصاد الحامل رائحة البارود الى مجابهات متنقلة تستبطن رائحة الصراع الاقتصادي.

فمن ينجح؟

القصف على شرق الفرات يشكل درساً بليغاً على مدى استعداد الجمهورية الإسلامية لنشر الحرب على الأميركيين والسعوديين والإسرائيليين في كامل العالم الإسلامي. وهي فعلاً قادرة على إثارة جبهات في كل مكان تقريباً في الشرق الاوسط من لبنان الى أفغانستان بالمباشر وعبر تحالفاتها.

أما الروايات عن محاولات سعودية لاستدراجها الى حرب تُبررُ للأميركيين تدخلهم العسكري في إيران فهذه تحليلات لم تعد مقنعة، لا سيما بلدان الخليج قد تخاف من إيران، لكنها مصابة ايضاً برعب من ترامب الذي لا ينفك يبتزها ويسرق لها احتياطاتها وأرصدتها من دون أن يكون لها حق الاعتراض.

هناك ملاحظات أخرى تؤكد أن إيران قوية وجديرة بالمجابهات، لكن هذا لا يمنع من تساؤلات حول النية الأميركية الفعلية بالحرب ضد إيران، انطلاقاً من أن ما يسميه الأميركيون «الخطر الإيراني» هو الذي يرغم دول الخليج على الانصياع أمام طلبات الجشع الأميركي الذي يعاملها كعصابات صغيرة عليها ان تدفع القسم الأكبر من أموالها للعراب الأميركي الكبير.

يتبين بالنتيجة أن الجمهورية الإسلامية تستبق الحرب عليها بفتح مجابهات على مستوى الإقليم من شأنها جعل الأميركيين والإسرائيليين وفريقهم الخليجي يبددون قواهم في أكثر من مكان، فتذهب ريحهم وقد تندثر ويمكن أيضاً الذهاب نحو الدور الروسي الذي لن يسكت على أي هجوم كبير على إيران، لأنه يعرف أنه الهدف الثاني لهذا الحلف، وكذلك الصين التي تستشعر قسوة الحرب الأميركية عليها.

تكفي هنا الاشارة الى أن وزير خارجية روسيا لافروف أكد في تصريح حديث له ان بلاده لن تسمح لأحد بإسقاط إيران.

فهل تنتقل المجابهات الإيرانية الى الأقاليم بالمفرق؟

لدى طهران مصلحة بمجابهات كبيرة ذات طابع محدود استناداً الى قوتها ومتانة تحالفاتها والحلف الذي يربطها بروسيا أولاً ثم بالصين، لذلك فإن الحرب على إيران قد تنقلب الى حرب إيرانية على النفوذ الأميركي الإسرائيلي السعودي في العالم الإسلامي بابتكارات جديدة تستعصي على مفاهيم القتال التقليدية، وذلك لاستنزاف الأعداء وجعلهم يفكرون ألف مرة قبل استهداف بلد كإيران يستحوذ على الكثير من عناصر القوة في الداخل والخارج.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى