غزة تلوي ذراع الاحتلال… ومحور المقاومة في العراق ولبنان واليمن للمساندة تهدئة تشريعية لتسهيل الحلحلة الحكومية… والبحث عن ابتكار لا يحرج أحداً

كتب المحرّر السياسيّ

لم يكن ينقضي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع سيل الفضائح المتراكم بحقه، منذ مقتل جمال الخاشقجي والاتهام الموجه نحوه بتدبير العملية، إلا التسبب بفضيحة لعرابه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تستعيد فضيحة الكونترا وتمويل واشنطن لمرتزقة وتعاونها مع تجار المخدرات والسلاح، بعدما كشفت النيويورك تايمز عن تعاون أميركي سعودي كان الوسيط فيه رجل الأعمال الأميركي اللبناني الأصل جورج نادر وشريكه الإسرائيلي جول زامل القريب من المخابرات الإسرائيلية، بهدف استئجار مرتزقة لتنفيذ عمليات اغتيال لقادة إيرانيين أبرزهم الجنرال قاسم سليماني، وفقاً لطلب حمله أحمد العسيري نائب رئيس المخابرات السعودية الذي مثل إبن سلمان في هذا التعاون.

فضيحة التعاون الخليجي الإسرائيلي الكبرى كانت في غزة، حيث نجحت المقاومة بفرض معادلتها للردع بصورة أربكت جيش الاحتلال وحكومة بنيامين نتنياهو، بعدما نجحت بالتتابع في إحباط عملية استخبارية كبيرة تمثلت بتسلل مجموعة كوماندوس إلى داخل قطاع غزة، وانكشافها من قبل أمن المقاومة الذي اشتبك معها وقتل قائد المجموعة وهو ضابط كبير، وأصيب معاونه، ليشهد يوم أمس رداً على العملية من جانب قوى المقاومة عبر إطلاق أكثر من مئتي صاروخ على مواقع الاحتلال والمستوطنين في غلاف غزة، فأصابت بصاروخ حراري موجّه حافلة عسكرية قتل فيها جندي وأصيب آخر، بينما فشلت القبة الحديدية مجدداً في توفير الحماية المزعومة للجبهة الداخلية لكيان الاحتلال. ومع لجوء جيش الاحتلال بقرار من المجلس الوزاري الأمني المصغر الذي ترأسه نتنياهو بعدما قطع زيارته إلى باريس، لتنظيم غارات جوية استهدفت مقار إعلامية كان أبرزها تدمير مبنى تلفزيون الأقصى التابع لحركة حماس، واستهداف مقارّ لحكومة غزة ومواقع لقوى المقاومة، التي واصلت حتى ما بعد منتصف ليل أمس إطلاق وجبات من الصواريخ على مواقع الاحتلال ومستوطنيه، محذّرة من توسيع مدى الرد نحو عمق كيان الاحتلال ومن استخدام أسلحة أشدّ فعالية إذا استمر العدوان.

فرضت المقاومة معادلة تفوقها، وأثبتت أنها قادرة على إبقاء يدها أعلى من يد جيش الاحتلال في كل مواجهة، مع جهوزية استخبارية وعسكرية لتصاعد المواجهة، وفرضت المقاومة لكونها جزءاً من محور ممتدّ على مستوى المنطقة عبر المواقف المتسارعة التي صدرت من قوى المقاومة في لبنان والعراق واليمن لتأكيد الجهوزية لكل الاحتمالات، والوقوف إلى جانب قوى المقاومة في فلسطين.

لبنانياً، كانت الجلسة التشريعية التي شهدها مجلس النواب مناسبة لاستكشاف الاتجاه الذي ستسلكه عقدة تشكيل الحكومة المرتبطة بتمثيل نواب اللقاء التشاوري في الحكومة، حيث أظهر مسار الجلسة التشريعية سعي رئيس مجلس النواب نبيه بري لتسهيل مهمة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، عبر سحب المشاريع التي تتسبب بإحراج للحريري، وتأجيلها لجلسات لاحقة، بعدما اقترح النائب السابق وليد جنبلاط على الرئيس بري إلغاء الجلسة التشريعية، تفادياً للتصادم مع الحريري أو مقاطعة كتلة المستقبل للجلسة، وبدت التسوية التشريعية الهادفة لفرض التهدئة مدخلاً لمواقف هادئة من العقدة الحكومية، مع دعوة الرئيس الحريري لمؤتمر صحافي يعقده اليوم ويعلن خلاله موقفه من تمثيل نواب اللقاء التشاوري في ضوء كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بينما نشط رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل على خط الوساطات في لقاء عقده مع الحريري وآخر سيعقده مع جنبلاط، بينما قالت شبكة أن بي أن القريبة من الرئيس بري أن لا مبادرات معينة يتحرّك باسيل لتسويقها، وأن البحث جار عن حل مبتكر لا يحرج أحداً، بينما نقل عن الرئيس بري نصيحته بأن يتم تمثيل نواب اللقاء التشاوري من حصة رئيس الجمهورية، انطلاقاً من أن الحريري لن يعترض في هذه الحالة.

باسيل على خطوط الأزمة قبل مؤتمر الحريري…

لم تحجُب وقائع الجلسة التشريعية في المجلس النيابي غبار حرب تشكيل الحكومة العالقة على عقدة التمثيل السني، بل عاش مشهد التأليف أمس، سباقاً بين مساعي الحل التي تصدّرها رئيس تكتل لبنان القوي الوزير جبران باسيل بتفويض رئاسي وبين المؤتمر الصحافي الذي يعتزم عقده الرئيس سعد الحريري اليوم في بيت الوسط للردّ على كلام الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله الأخير. وبحسب المعلومات فإن الاتجاه هو التصعيد الحريري في وجه حزب الله إن لم يُولد الحل حتى صباح اليوم، فسارع باسيل الى استباق الموقف والتحرّك على خطوط الأزمة مُتنقلاً بين المجلس النيابي وبيت الوسط وقد حدد رئيس التيار الوطني الحر بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أسس الحل: لا اعتذار للرئيس المكلّف، حكومة وحدة وطنية بأكثرية وأقلية كل مكوّن بعيداً من الاحتكار بمعايير تمثيل عادل للكتل النيابية، والحل وفق المبدأ والمعيار.

واتضح خلال اليومين الماضيين توزيع للأدوار بين الرئيس ميشال عون والتيار الوطني حيال الأزمة القائمة وهذا ما انتقده إعلام تيار المستقبل، فقد جسد موقف باسيل وسطية بين المتنازعين الذي حدّدهم بالرئيس المكلف وحزب الله واللقاء التشاوري، بقوله من جهة بأن لا يمكن لمكون أن يحتكر التمثيل وأن الاعتلال في العقدة السنية في الظاهر لا المضمون لأن سنة اللقاء لديهم تمثيل وحيثية ومن جهة ثانية اعتباره بأن هؤلاء النواب لم يشكلوا كتلة نيابية موحّدة في بداية الاستشارات النيابية، ويُذكر أن وزير الخارجية قد زار الضاحية والتقى السيد نصرالله عشية خطابه الأخير لبحث العقدة السنية.

وفيما قالت جهات إعلامية بأن باسيل لم يحمل مبادرة كاملة وواضحة الى بيت الوسط، لفتت معلومات قناة «أو تي في» إلى «طرحين يتمّ تداولهما لحل العقدة توزير أحد النواب السنة من حصة رئيس الجمهورية، وهو يلقى دعم وتأييد الرئيس نبيه بري أما الطرح الثاني فهو لقاء بين نواب المعارضة السنية والحريري».

وقد تركزت أغلب مداخلات النواب في ساحة النجمة على الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد ونوّهت بدعوة الرئيس بري للجلسة وتفعيل عمل المجلس وأكدت أهمية التنبّه للوضع الاقتصادي ومعالجته ما يتطلّب تأليف الحكومة، ورغم ذلك فإن طيف التأليف طغى على أجواء الجلسة، فقد عقد اجتماع تنسيقي لتكتل لبنان القوي في المجلس قبيل الجلسة. وقال النائب الياس بو صعب: «هناك بوادر إيجابية بشأن تشكيل الحكومة وراقبوا حركة باسيل التي سيكون لها جدوى وسنصل الى حلول». ويبدو بحسب المصادر أن أي حل على حساب التيار الحر والرئيس عون لن يكون بتوزير النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد، فأكثر من طرف ألمح الى توزير النائب عبد الرحيم مراد أو شخصية مقرّبة منه كحل مقبول من اللقاء التشاوري والحريري وعون. أما في تيار المستقبل فبرزت وجهتا نظر: الاولى تجزم بأن الحريري لن يتراجع عن موقفه وحل العقدة السنية ليس من حصته ولن يعتذر، فيما تقول الثانية إن الحريري بحسب ما نقل مقربون منه سيقدم تنازلاً من أجل البلد.

وبدا الحريري مربكاً وشاحب الوجه في الجلسة وأغلب مداخلاته اقتصرت على الطلب من رئيس المجلس سحب مشاريع قوانين أو تأجيل اقتراحات أو إحالتها الى اللجان وحاولت أكثر من شخصية سياسية بحسب معلومات «البناء» إقناعه بالعدول عن عقد مؤتمر صحافي والتصعيد في وجه حزب الله، لكن يبدو أن الحريري وجد نفسه مضطراً للرد على السيد نصرالله لا سيما وأنه توجه اليه مباشرة.

ووفق مصادر أوساط مطلعة لـ»البناء» فإن تصعيد الحريري اليوم لا يعني نسف الحلول، «بل هناك حل في نهاية المطاف لكن تمسك الرئيس المكلّف بموقفه سيكون موجّهاً الى رئيس الجمهورية وليس لحزب الله، إذ لم يعُد باستطاعة الحريري مواجهة الحزب او التأثير عليه، فسيحاول الضغط على عون للضغط على الحزب وتوسيع الشرخ بينهما في هذا الملف، إذ يعتبر الحريري أنه منح عون وزيراً سنياً مقابل وزير ماروني للحريري وعلى عون التنازل عنه لسنة المعارضة غير أن ذلك سيدفع عون الى استرداد «أمانته المارونية» من الحريري أي الوزير غطاس خوري. وفي هذه الحالة تبقى حصة الحريري السنية كما هي لكن هل يقبل عون بذلك؟ تنفي مصادره ذلك وتقول لـ»البناء» «لو كان ذلك ممكناً فالأفضل للرئيس أن يعلن التنازل من حصته مباشرة ويحل المشكلة لا منح الحريري وزيراً للتضحية به وقطف ثمرة الحل»، كما تقول مصادر المستقبل بأن «حصة عون مضخمة وهو نال حصة التيار وحصة رئيس الجمهورية، بينما الحريري لم ينل سوى حصة تياره لا حصة رئيس حكومة»، لكن بحسب مصادر أخرى فالحريري في جميع الحالات هو الخاسر الأول، فمقرّبون من الرئيس بري يؤكدون بأن «حزب الله لن يتنازل عن توزير حلفائه السنة مهما طال الزمن».

وقالت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لــ«البناء» إن «الحزب لا يتجه الى نسف التسوية مع المستقبل بل أبدى السيد حرصاً شديداً على بقائه كرئيس مكلف وعلى الاستقرار الداخلي، وبالتالي لم يتغير شيء في المشهد الإقليمي يستدعي الانقلاب في موقف الحزب، إذ لا بديل عن الرئيس الحريري في الوقت الراهن وهذا ما أفرزته الانتخابات النيابية لكن خطاب السيد التصعيدي مرتبط بتمثيل المعارضة السنية»، وعن فقد الثقة بين الحزب والمستقبل تلفت المصادر الى أنه «لم يكن هناك ثقة تامة بين الطرفين منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اليوم، بل لطالما كانت هناك هواجس متبادلة وكان الحريري يعد الحزب بشيء ويتصرف بشيء آخر، كما حصل مع تمثيل السنة فهو لم يمانع في بداية التأليف فلماذا اليوم يفعل ذلك؟»، مشددة على أنه «صحيح ان الحزب وحلفاءه في 8 آذار والتيار الوطني الحر لا يستطيعون مجتمعين تأليف حكومة دون المستقبل لاعتبارات الميثاقية، لكن الصحيح أيضاً أن لا يمكن تأليف حكومة بعد اليوم او تمرير أي استحقاق أو أمر داخلي من دون مواقفة الحزب او التنسيق معه»، وعن علاقة الحزب مع الرئيس عون لفتت المصادر الى أن «عون يعرف بأن ليس الحزب مَن يعرقل بل المستقبل والقوات والاشتراكي هم أسروا الحكومة طيلة خمسة اشهر».

وقد استخدم الحريري صلاحياته الدستورية بسحب بعض البنود، فيما لم يستطع سحب بنود اخرى كمرسوم 122 و123 124 لأنها أُقرت في المجلس النيابي وأُرسلت الى رئيس الجمهورية وردها الى المجلس لمزيد من الدرس واستعاض الحريري بطلب تأجيل البحث بها فوافق بري على تأجيلها للجلسة الاولى المقبلة، وتتعلق هذه البنود بأصول التعيين في وظيفة استاذ في التعليم الثانوي والمدارس الرسمية. وأقرت الجلسة التشريعية «فتح اعتماد لتمويل ادوية السرطان»، على ان يتم اقتراض المبلغ المذكور، ذلك ان وزير المال علي حسن خليل أعلن «من أين سنأتي بالواردات لتغطية هذا المبلغ وليس هناك في احتياطي الموازنة أي ليرة»؟ فردّ بري قائلاً «قابل ونص والحكومة مجبورة أن تؤمن الأموال». وقد سادت الجلسة أجواء هادئة نسبياً لم يكسرها الا انسحاب الرئيس نجيب ميقاتي منها، اعتراضاً على التشريع في شكل طبيعي والتغاضي عن كون الحكومة حكومة تصريف أعمال. كما بحثت الجلسة في جدول اعمال مؤلف من 39 بنداً، أبرزها تجديد الامتياز لكهرباء زحلة، وتمويل مشروع تطوير وتوسعة مرفأ طرابلس، وإخضاع الصفقات العمومية لإدارة المناقصات. وتم تأجيل اقرار المشروع المتعلّق بالموافقة على القرض المقدّم من البنك الاسلامي للتنمية لتطوير وتوسيع مرفأ طرابلس بسبب اوراق ناقصة. كما تم إرجاء اقتراح القانون المتعلق بالموارد البترولية في الأراضي اللبنانية.

ورفع بري الجلسة مساء أمس، بعد الانتهاء من مناقشة جدول الاعمال، بعد أن كان مقرراً استكمالها اليوم، غير أن تزامنها مع المؤتمر الصحافي للحريري دفع برئيس المجلس الى الإسراع في إنهاء جدول الأعمال أمس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى