شادي نجار لـ«البناء»: نحن شعبٌ يحبّ الحياة وأكدنا بفرقة صبا أنّ الحياة والإنسان أقوى من الظّلم والدّمار ولن ننكسرَ أبداً

ريم رباط – حلب

لطالما كانت الأصواتُ خير دليل لمعرفتنا الاتّجاهات والأماكن فمن الاتّجاه الذي تصلنا منه القذيفةُ نعرف نحن شعوبُ الحربِ في أيّة جهةٍ يتمركزُ العدوّ!

وصوت الأذان يخبرنا عن مكان الجامعِ كما يفعلُ أيضاً رنينُ أجراسِ الكنائسِ.

وباتّباع هذا الأسلوب استطعتُ الوصول إلى بيتِ شادي نجّار حيث تصدحُ الموسيقى لتغطّي الشّارعَ الذي يقطنُ فيه بأكمله. فقبل ذهابي إليه كلّمته هاتفيّاً لأطلبَ منه أنْ أحضرَ إحدى تدريباته مع فرقته فدلّني على عنوان منزله حيث تُقام التّحضيراتُ وبالفعلِ وصلتُ في الموعدِ المحدّد. ولحظة وصولي تفاجأتُ بأنّه منزله حيث يقطن مع زوجته وابنته الصّغيرة

رأيتُ ما يفوق عشرين عازفاً وعازفةً يتمرّنون بحماسٍ وانسجام.

أوّل ما لفتَ انتباهي هو جلوسهم مكانَ طاولةِ الطّعام التي أُزيحتْ ليتّسعَ المكانُ للعازفين مع آلاتهم.

فقد تمّت الاستعاضة من غذاء الجسد بغذاء الرّوح!

نعم. هي الموسيقى التي لا تعرفُ لغةً بل هي اللّغةُ نفسها. ولا تخضعُ لجنسيّةٍ بل لطالما وحّدتِ الشّعوبَ

الموسيقى التي توصّل العلماء إلى أنّ الأجّنة في أرحام أمّهاتهم يصغون إليها ويتفاعلون معها.

أبيتُ في ذلك اليوم الجلوسَ فقد كنتُ أراقبُ بقلبي قبل عينيّ كلَّ حركةٍ يقوم بها العازفون أثناء التّحضيرات.

ويا لمشاعري عندما رأيتُ حركةَ القوسِ لآلةِ الكمانِ

فقد تراءى لي أنّها تشبه حركةَ المدفعِ أثناء إطلاق القذائف عبر فوّهته. ويا للفرق بين ما تطلقه المدافع وما يطلقه صوت القوس بمعانقته حبيبته آلة الكمان !

انتهت تحضيرات ذلك اليوم بعد التّمرين على بعض المقطوعات الموسيقيّة وبعض الأغاني المقرّر تقديمها أيّام الحفل منها مقطوعات عالميّة وبعضها من تأليف شادي نجّار وذلك بمشاركة المغنّية رنا معوّض.

فجلستُ قليلاً مع شادي نجّار مؤسّس ورئيس فرقة صَبا.

ما سبب تسمية الفرقة بهذا الاسم «صَبا»؟

– مقام الصَّبا هو من المقامات الموسيقيّة التي تبدأ بنوطة ولا تنتهي بها نفسها على عكس باقي المقامات. وتسميّة الفرقة بهذا الاسم هو رمز لنا نحن السورييّن. فبعد الحربِ لن نكونَ كما كنّا قبلها.

ما هي اللّحظة التي وُلِدتْ من رحمها فرقة صَبا؟

– الحرب هي السّبب في ولادة هذه الفرقة. فالإنسان نوعان. إمّا أن يكسره الحزن أو يقوّيه. ونحن في حلب شعبٌ يحبّ الحياة وأردتُ من خلال الموسيقى أنْ أثبتَ للعالم أنّ الحياة والإنسان أقوى من الظّلم والدّمار وأنّنا لن ننكسرَ أبداً.

كم مرّ على تأسيس فرقة صَبا؟

في صيف 2016 وفي أشدّ أوقات الحرب ضراوةً على حلب حيث كانت أصوات المدافع والقذائف تصمّ الآذان قرّرتُ تأسيس هذه الفرقة ليطغى صوتُ الموسيقى ويعلو على أصوات الحرب.

كيف كنتم تجتمعون للتّمرين أثناء سقوط القذائف على مدينة حلب. هل كان بعض العازفين يعتذرون عن المجيء خوفاً على حياتهم؟

– ابتسم شادي وقال: هل تصدّقين بأنّنا لم نقم بإلغاء أيّة جلسة تحضيرات ولم يعتذر أيّ عازف عن المجيء قط!؟

هل شاركتم بحفلات موسيقيّة خارج مدينة حلب؟

– منذ تأسيس الفرقة قمنا بحفلات عدة إحداها على مسرح دار الأوبرا في دمشق. وأحيينا أيضاً حفلات في كلٍّ من مدن حمص وطرطوس ومحردة وحلب طبعاً،

وبعض الحفلات كانت برعايةِ محافظ المدينة وبعضها برعاية وزير الثقافة.

التمارين تجري في منزلك القائم ضمن مبنى يضمّ عدداً من الجيران، ألا ينزعج جيرانك من الأصوات العالية التي تصدر في هذا الوقت من اليوم، خصوصاً أنّكم تحتاجون إلى تمارين كثيرة قبل كلّ حفلة؟

– لا أبداً، بل هم فرحون بصوت الموسيقى !

أنهيت حواري وأفكر في كل كلمة سمعتها. وأعتقد شخصيّاً – أنّه ليس شرطاً أنْ يكون الإنسان قد قرأ لكبار المفكّرين والأدباء عن آرائهم في الفنّ والموسيقى والشّعر كي يعرفَ ماذا تعني تلك الكلمات.

فقد قال إميل سيوران :»الشِّعر والموسيقى غيبوبتان متساميتان». وأنا أجزم أنّ لا أحد من جيران شادي قد قرأ تلك العبارة، لكنّهم يشعرون بها في دفء أرواحهم ونبض قلوبهم. هذا هو الإنسان الحق. هذا هو شعب سورية العظيمة والنّاس الطّيبون في حلبَ الشهباء.

خرجتُ من مكان التّدريبات بينما أبى صدى صوت الآلات الموسيقيّة أنْ يخرجَ من رأسي.

المشاعر التي تنتاب الإنسان – عند سماعه الموسيقى أو ربّما نوع محدّد من الموسيقى -حقّاً لا توصف.

وقد قالها لاوتزه :الموسيقى تأتي في المرتبة الثانية بعد الصّمت عندما يتعلّق الأمر بما لا يوصف…

وبعد أيّام عدّة ذهبتُ إلى الحفلة التي كانت ستمتدّ ليومَين لكن الإقبال غير المسبوق على حضورها فرض تمديدها ثلاثة أيّام.

ذلك الاحتفال الذي أُقيم في ذكرى انتصار حلب الشّهباء

كان حفلاً راقياً ومنظّماً.

كان العازفونَ في أبهى حلّة وهم يجلسون على المسرح

لم يكن سر البهاءُ في لباسهم بل من معانقتهم للآلات الموسيقيّة.

كلّ الشّكر لكلّ مَن عمل وتعب لإقامة احتفال موسيقيّ وسط الحرب والألم.

شكراً لأعضاء فرقة صَبا فرداً فرداً من رجال وفتيات في ريعان شبابهم وقد سرقوا الوقت من دراستهم وأعمالهم لبثّ السّلام في نفوسنا عبر موسيقىهم وفنّهم.

لذا أناشد كلّ الفعاليّات الأدبيّة، الفنيّة والثقافيّة بالمجيء إلى حلب وأهلها. فمدينتي حلب تفتقر إلى هذه النشاطات التي تقام غالباً في العاصمة دمشق وفي العديد من المحافظات الأُخرى. الإنسان السوري يحيلُ فتاتَ روحه إلى جسرٍ ليعبرَ من خلاله إلى الحياةِ والأهمّ من ذلك أنّه يأبى أن يعبرَ وحده بل يطمح إلى أن تكونَ قيامةً للجميع !

نبذة

شادي نجار حائزٌ على جائزة أفضل عمل وطني ضمن مسابقة «جولان في القلب» والتي أقامتها الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون.

كما أنّه حازَ على جائزة أفضل توزيع موسيقيّ على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون «الأوبرا» من قيادة منظّمة طلائع البعث عن أغنيّة «سأمرّ من عينيكِ».

وهو إبن مدينة حلب ساهم أيضاً في إنجاح مهرجان «حلب حيّة» فحاز على شهادة تقدير من فيلق المدافعين عن حلب. ومن مواليد حلب العام 1982.

حائز على إجازة في اللّغة الفرنسيّة وآدابها من جامعة حلب، وعضو في نقابة الفنّانين السّوريّة. ودرس الموسيقى في معهد بالّي للموسيقى وتخرّج منه عام 2000، وتعمّق في دراسة الهارموني والتوزيع الكورالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى