بلد «طائفة» و«دولة طائفية»: الخراب إبن الفساد… و«نورما» تسأل عن مبرّر «سيدر» الناشف: لا قيمة للقمة دون سورية… وبري: لا تحتاج للجامعة… فقرار التعليق باطل

كتب المحرر السياسي

في المنطقة حراك أميركي مكثف لاحتواء تداعيات قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سورية، وعلى ضفتين: تحرّك وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، والهدف وقف الاندفاعات التركية العربية الكردية للتسابق نحو دمشق، ومنع ظهور سورية منتصرة بشكل يذلّ «إسرائيل»، بعدما تضررت قدرة الردع الإسرائيلية وظهرت محدودية قدرتها على التحرك العسكري في جبهات سورية ولبنان وغزة، فنجح بومبيو عربياً باستصدار موقف مصري يبدو أنه حاصل تشاور خليجي مصري يربط عودة سورية إلى الجامعة العربية بشروط غير مفهومة ومفتعلة، تتحدّث عن تفعيل الحل السياسي. ومعلوم أن الملف السياسي في اللجنة الدستورية ينتظر مباشرة المبعوث الأممي الجديد مهامه، وأن الأتراك هم مَن يتولى حصرياً ملف المعارضة. وبدا واضحاً أن الهدف تظهير أي تقدم في العلاقات العربية مع سورية بما في ذلك حضورها للقمم العربية وعودتها للجامعة، وكأنه استجابة سورية للشروط العربية، وليس اعترافاً بفشل الحرب على سورية التي كان تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية أحد مفرداتها وأدواتها بينما فشل بولتون على المسار التركي الكردي، في ظل إصرار الرئيس التركي على اعتبار المصالح التركية أهم من الرغبات التي يحملها بولتون بلسان إدارة الرئيس ترامب، رافضاً مقابلة بولتون، خصوصاً بعدما تبخّرت الوعود الأميركية بتثبيت وضع الجماعات المسلحة التي تدعمها تركيا في ريف حلب وفي إدلب وريفها، فتساقطت مواقع هذه الجماعات أمام هجمات جبهة النصرة، وبات التعويض الوحيد لتركيا بدور عسكري بوجه المواقع التي تسيطر عليها الجماعات الكردية المسلحة المدعومة من واشنطن.

على خلفية هذا المشهد الإقليمي كان لبنان المعني بدعوة سورية إلى القمة الاقتصادية العربية المفترض أن يستضيفها لبنان هذا الشهر، صدرت مواقف لبنانية بارزة لرئيس مجلس النواب نبيه بري تطعن بشرعية القرار العربي بتعليق عضوية سورية وتعتبره باطلاً، لأن شرط مثل هذه القرارات هو الإجماع، وهو لم يتحقق باعتراض لبنان والعراق والجزائر. وقال بري إن دعوة سورية لا تحتاج إلى قرار من الجامعة، بل إلى مبادرة لبنانية، وهو ما تلاقى مع كلام رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف الذي دعا إلى المبادرة لدعوة سورية للمشاركة في قمة بيروت بمعزل عن موقف الجامعة العربية، وانطلاقاً من الروابط والمعاهدات التي تجمع لبنان وسورية والمصالح اللبنانية التي تفرض تعزيز العلاقة بسورية، وختم الناشف بالقول، لا قيمة للقمة بدون سورية.

المشهد الحكومي الغائب، وصفه الرئيس بري بكلمات معبرة، بقوله إن الحكومة في خبر كان، بينما أظهرت العاصفة نورما التي تضرب لبنان، أن الدولة صارت في خبر كان، فقد ظهر لبنان مكشوفاً بلا قدرة على التعامل مع كمية الأمطار ونتائج العاصفة، مع بنى تحتية متهالكة منفذة بما لا يتلاءم مع التحديات التي فرضتها العاصفة، وفضحت هشاشة البنى التحتية حجم الفساد في التلزيمات التي تتمّ في مؤسسات الدولة ومجالسها ووزاراتها، والهدر الذي يصيب الإنفاق بالمليارات على مشاريع وعلى تنظيف المجاري، لترسم نورما أسئلة كبرى حول جدوى مؤتمر سيدر والأموال التي ينتظرها لبنان منه، مادامت المشاريع التي سيتمّ تنفيذها سيتم تلزيمها بالطريقة ذاتها التي لزمت بها المشاريع التي ظهرت أمام اللبنانيين خراباً، ومن باب الطرفة تداول ناشطون عبارة «البلد كلها طايفة ما عدنا 18 طايفة»، بعدما طاف البلد فعلاً وسقطت الدولة الطائفية بالعاصفة القاضية.

قد تكون العاصفة نورما قد خطفت الأنظار عن اتصالات تأليف الحكومة، لكنها وضعت الإصبع على جرح إهمال الدولة وتقاعسها عن تقديم الخدمات للمواطن. فـنورما كشفت حجم الترهل الذي يصيب البنى التحتية نتيجة تلزيمات وزارة الاشغال ومجلس الإنماء والإعمار التوافقية التنفيعية وتواطؤ البلديات على مدى سنوات، فزيارات الوزراء والنواب لبعض الأحياء لتفقد الأضرار قد تكون في غير محلها على الإطلاق، فكل ما خلفته العاصفة التي من الطبيعي ان يشهدها لبنان في فصل الشتاء، هو نتيجة الترقيع السياسي الذي ادى الى انهيار جسور واتربة وصخور عند بعض الانفاق.

ولما كان تأليف الحكومة أصبح من سابع المستحيلات قبل موعد القمة الاقتصادية التنموية مع تسليم المعنيين أن عدم التشكيل لا يستدعي تأجيل القمة، فان عدم دعوة سورية الى هذه القمة لا يزال محل أخذ ورد لاعتبارات عديدة. وفي هذا السياق، قال رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف خلال تكريمه سفير الصين في لبنان وانغ كيجيان بمأدبة عشاء، «للأسف البعض في لبنان يقارب بخفة، ويتعاطى بعدم مسؤولية مع مسائل أساسية تتصل بمصالح لبنان واللبنانيين، كخروج بعض الأصوات التي تطالب بعدم دعوة سورية للمشاركة في القمة العربية الاقتصادية التي من المفترض عقدها في بيروت. وإن لبنان الرسمي معني بأن يضغط بالوسائل كافة وعلى جميع الصعد، ليمسك بزمام دعوة سورية للمشاركة في القمة العربية الاقتصادية، لأن لا قيمة، ولا مصلحة للبنان من دون مشاركة سورية». أضاف: «بين لبنان وسورية علاقات مميزة نصت عليها معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، واتفاقات مشتركة على كل الصعد، ولبنان معني باحترام هذه العلاقات المميزة وتزخيمها تحقيقاً لمصالحه، لا أن يبقى خاضعاً لإملاءات القطيعة مع سورية، وبصورة نافرة وغير مبررة». وتابع: «في ظل عودة دول عربية عديدة إلى سورية من بوابة التمثيل الدبلوماسي ومن بوابات أخرى عديدة، فإنه من الحكمة والمصلحة مغادرة سياسة النأي التي انتهجت بناء لرغبات بعض الدول العربية التي دعمت المجموعات الإرهابية، وأن يمارس لبنان ضغطاً قوياً لكون القمة تعقد على ارضه، بما يؤدي إلى دعوة سورية». وختم: «إذا كانت جامعة الدول العربية هي التي تقرر الدعوات، فهذا لا يلزم لبنان بأن يتخلى عن مصالحه وعلاقاته المميزة بسورية، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يستمر لبنان بالنأي في وقت يذهب بعض العرب الى سورية بعد فشل مخططاتهم ومشاريعهم».

واعتبر تكتل لبنان القوي في بيان تلاه النائب إبراهيم كنعان عقب اجتماعه أن دعوة سورية مسؤولية جامعة الدول العربية وهي التي تقرّر وتحدّد المدعوين. وموقفنا الرسمي اللبناني في الأساس لم يكن مع قرار إخراج سورية من الجامعة، وانسجاماً مع هذا الموقف، نعتبر بعد عودة أكثرية الدول العربية للاعتراف الدبلوماسي بسورية، وبعد الكلام عن إعادة إعمار سورية، واعتبار لبنان المحطة الأساسية اقتصادياً ومالياً للانطلاق منه لهذا الإعمار، ان من الطبيعي أن تكون سورية حاضرة في القمة. لذلك، فموقفنا يدعو الى عدم خلق مشكلة من موضوع لم يعد مطروحاً».

وعليه، فإن مسار التأليف الحكومي لن يكون أفضل حالاً عن المشهد المترهل الذي شهده لبنان خلال اليوميين الماضيين من جراء العاصفة الثلجية. فكل الاتصالات الجارية تصبّ في خانة المحاصصات الطائفية والشخصية.

وفي السياق، تؤكد مصادر مطلعة لـ«البناء» أن الأمور على الصعيد الحكومي عادت الى ما قبل نقطة الصفر، فكل الخيارات التي طرحت في الأيام الأخيرة وصلت إلى طريق مسدود. وإذ اشارت الى ان الامور ستبقى على حالها إذا لم يقدم الوزير جبران باسيل تنازلاً لصالح تمثيل اللقاء التشاوري بوزير يمثله داخل الحكومة بعيداً عن حصة لبنان القوي. ولفتت المصادر الى ان كل المفاوضات الجارية بعيداً عن الاعلام لم تتوصل الى جديد، مشددة على أن صيغة الثلاثين وزيراً تبقى الحل الافضل في ظل رفض الرئيس المكلف صيغة الـ 32 وزيراً.

وفي هذا السياق، كانت بارزة الكلمات المختصرة التي اكتفى الرئيس نبيه بري بقولها بعد استقباله رئيس غينيا بيساو ان الحكومة ما زالت في خبر كان، حيث أكدت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» ان التعثر في الوصول الى حل هو سيد الموقف نتيجة تصلب مواقف البعض، مشددة على ان حل ازمة الحكومة يعود الى رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري.

واستغرب رئيس « تيار الكرامة» النائب فيصل كرامي «كيف أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل يعرض خمس أفكار للدفع باتجاه تشكيل الحكومة ، يتمحور معظمها حول تمثيل «سنة المعارضة»، فيطرحها امام الرئيس المكلف وعلى غيره من قيادات سياسية، من دون أن يُكلِّف خاطره ويبحث الأمر مع اللقاء التشاوري. وأسِف كرامي لـ«تعاطي الرئيس الحريري مع ما يجري من حوله، حيث أضحى هناك رئيس مكلف ووزير مؤلّف».

وأشارت كتلة المستقبل الى أن المحاولات المتجددة لرمي المسؤولية على الرئيس المكلف وتحميله تبعات التأخير في تشكيل الحكومة لن تنفع معها. ورأت الكتلة في «التصريحات التي صدرت في هذا الشأن محاولة مكشوفة لحرف الانظار عن المكامن الحقيقية للازمة الحكومية، بهدف نقل الاشتباك من معسكر سياسي الى آخر، وتسويق اقتراحات يدرك اصحابها سلفاً أنها منتهية الصلاحية منذ الايام الاولى للتكليف».

وأكدت أن اقتراح تفعيل حكومة تصريف الاعمال والحاجة لإعداد مشروع الموازنة وإحالته الى المجلس النيابي سيكون محل دراسة ومتابعة للتوصل الى القرار الذي يتلاءم مع مقتضيات الدستور والمصلحة العامة.

وأسف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، خلال استقباله في بكركي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم «لأن الدستور قد وضع جانباً».

ولفتت مصادر مطلعة زارت الصرح البطريركي لـ«البناء»، الى ان الراعي الذي كثف لقاءاته في الايام الماضية مع ممثلي الاحزاب المسيحية الاربعة، سيدعو قريباً الى اجتماع الاقطاب المسيحية الاساسية من اجل البحث في الوضع القائم والذهاب الى تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن لا سيما ان التأخير في التأليف ينعكس سوءاً على الوضعين الاقتصادي والمالي. علماً ان البطريرك الراعي كان قد سمع اجواء ايجابية من حزب الله خلال زيارة عضو المجلس السياسي محمود قماطي بكركي على رأس وفد للتهنئة بالأعياد، بيد ان الامور لم تدم طويلاً، نتيجة رفض الوزير جبران باسيل التخلي عن حصة الـ 11 وزيراً، كما تؤكد مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ«البناء».

وكان لافتاً أمس، تحرك السفير السعودي وليد البخاري أمس، على خطي بكركي بنشعي حيث زار البطريرك الماروني وبحث معه في الملف الحكومي، وزار ايضاً رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية وجرى البحث في مجمل القضايا والأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى