«ذي أتلانتك»: أميركا قد لا تنفذ قرارها بالانسحاب من سورية وأفغانستان

تسبَّب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عاصفةٍ سياسية حين أعلن في ديسمبر كانون الأول سحب الجنود الأميركيين كافة من سورية، والبالغ عددهم ألفي جندي في أسرع وقت، فضلاً عن سحب نصف جنود الولايات المتحدة في أفغانستان، البالغ عددهم 14 ألف جندي.

أثار ذلك القرار حفيظة البعض، في حين أيَّده آخرون. إذ أدان الديمقراطيون والعديد من الجمهوريين استراتيجية الانسحاب، ووصفوها بالهدية لأعداء أميركا، مما دفع وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس إلى التقدُّم باستقالته احتجاجاً على القرار، وتبعه بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية داعش ، وكيفين سويني، رئيس أركان البنتاغون.

وعلى الجانب الآخر، أثنت بعض الأصوات البارزة على خطوة الانسحاب، إذ شبَّه روبرت كابلان الحملة في أفغانستان على صفحات «نيويورك تايمز» بـ«العضو الضامر في جسد الإمبراطورية، وحان الوقت للتخلِّي عنه».

لكن ترى مجلة «ذي أتلانتك» أنَّ نُقاد قرار ترامب يشتركون مع المُدافعين عنه في أمرٍ واحد ألا وهو الظنّ بأنَّ واشنطن ستنسحب فعلياً من سورية وأفغانستان، وهو الأمر الذي لا تعتقد المجلة أنَّه سيتحقق.

تُشير المجلة إلى أنَّ الوضع في سورية وأفغانستان يختلف عن الحروب التقليدية، التي توجد فيها حدودٌ واضحة بين الحرب والسلام، وتنتهي باستسلام المنهزم، ويعود على إثرها الجنود إلى أرض الوطن. فالقوى العظمى مثل الولايات المتحدة في العصر الحديث لا تغادر مناطق الحروب الأهلية، وعمليات مكافحة الإرهاب المُعقَّدة.

ولهذا ترى في تقريرها أنَّ عملية الانسحاب من سورية وأفغانستان ستجري بوتيرةٍ أبطأ بكثيرٍ مما زعم ترامب في أول الأمر. ويتضح هذا في شروط الانسحاب التي أعلنها ترامب بعد فترةٍ وجيزةٍ من إعلانه الصادم، إذ كتب على تويتر في 23 كانون الأول/ ديسمبر أنَّه ناقش مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «الخطة البطيئة وعالية التنسيق لسحب الجنود الأميركيين من المنطقة». وقال للمراسلين يوم الأحد الماضي: «أنا لم أقُل مُطلقاً إنَّنا سننفِّذ الخطة بتلك السرعة».

شملت الشروط التي أعلنتها الإدارة الأميركية للانسحاب من سورية: حماية حلفاء الولايات المتحدة مثل الأكراد السوريين، وطرد داعش من آخر معاقلها. إذ قال ترامب: «لن ننسحب نهائياً حتى تختفي داعش من الوجود». وزعم جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، بأنَّ «الجدول الزمني للانسحاب سيُستقى من القرارات السياسة التي نحتاج لتطبيقها».

وفي حالة طبّقت الولايات المتحدة تلك الشروط، تعتقد المجلة بأنَّ بداية عمليات الانسحاب داخل سورية ستتأخر كثيراً.

فداعش لن تختفي من الوجود مُطلقاً، وكذلك الجماعات المتفرّعة منها. إذ يُمكن لمُسلَّحي داعش أن يتخلوا عن دولة الخلافة التي زعموا إقامتها ويختفوا تحت الأرض، ليُعيدوا تقديم أنفسهم في صورة مُتمرِّدين أو إرهابيين.

أما بالنسبة للأكراد السوريين، فتوضح المجلة أنَّهم «سيحتاجون إلى الحماية لأجلٍ غير مسمى، نظراً إلى التهديدات التي يتلقونها من عَدُوَّيْن نافذين، وهما تركيا، التي تعتبرهم إرهابيين، ونظام بشار الأسد».

وفي حال شملت شروط الخروج الأميركي كبح النفوذ الإيراني داخل سورية، أو الدفاع عن «إسرائيل»، ترى «ذي أتلانتك» أنَّ الانسحاب سيُضحي فكرةً خياليةً. إذ إنَّ طهران لن تُغادر البلاد قريباً …

وحتى لو تجاهل ترامب تلك المعايير أو تخلَّى عنها تماماً، فإنَّ إعادة الجنود فعلياً إلى أرض الوطن هي عملية بالغة الصعوبة. إذ توضح المجلة أنَّ الانسحاب يمثل كابوساً لوجيستياً. إذ يتعيَّن على الجيش تفكيك وشحن عددٍ من القواعد العسكرية، وسيارات الهامفي، ومكيّفات الهواء، وأكشاك الوجبات السريعة. ويجب شحن كلّ الأسلحة والذخائر، أو منحها للحلفاء، أو تدميرها، لضمان عدم وقوعها في أيدي الأعداء. ولهذا يستغرق سحب سريةٍ واحدةٍ قوامها من ألفين إلى 5 آلاف جندي من مناطق القتال بضعة أسابيع أو أشهر في بعض الأحيان. مما يعني أنَّ تواجداً عسكرياً أكبر سيستغرق شهوراً وربما أعواماً. وفي حالة سورية وأفغانستان، سيتعيَّن على القوات الأميركية أن تُغادر عبر أراضٍ محظورةٍ وسط منطقة حربٍ نشطةٍ، دون وجود ميناءٍ قريب.

وأفادت «ذي أتلانتك» بأنَّه حتى لو انسحبت القوات الأميركية، فهي على الأرجح ستضطر للعودة سريعاً. فما يحدث داخل منطقة الشرق الأوسط سرعان ما يُؤثِّر في المصالح والقِيَم الأميركية، وسط عالم تسوده العولمة، وهو ما اضطر الرؤساء الأميركيين السابقين للتدخل في صراعات المنطقة لحماية الأمن والمصالح الأميركية رغم نفورهم من ذلك.

وضربت المجلة مثالاً على ذلك بما حدث في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حين كان الرئيس جورج بوش الابن مُتحمِّساً لتجنُّب المشاركة في بناء الدولة، وسعى إلى تنفيذ استراتيجية خروج، ارتكزت على تدريب قوات أمنٍ عراقيةٍ، وخفض أعداد الجنود الأميركيين في أسرع وقتٍ ممكن. لكنَّ بوش أمر بإرسال عشرات الآلاف من قوات الدعم إلى العراق حين تزايدت حدة العنف. وتطرَّقت «ذي أتلانتيك» إلى مثالٍ آخر، حين سحب الرئيس باراك أوباما القوات الأميركية من العراق عام 2011، لكنَّه أعاد إرسال بعض الجنود عام 2014 لقتال داعش.

وسحب أوباما الجنود الأميركيين من أفغانستان أيضاً، لكنَّه أبقى على قوةٍ تابعةٍ قوامها قرابة 10 آلاف جندي. وفي عام 2017، إثر إحراز حركة طالبان مكاسب عسكرية، وافق ترامب على إرسال 3 آلاف جندي إضافي إلى أفغانستان، ليصل المجموع الكُلي إلى قرابة 14 ألف جندي. وترى المجلة أنَّ قرار سحب نصف الجنود من أفغانستان سيكون محاولةً للخروج من حربٍ خرجت منها الولايات المتحدة بالفعل.

وتعتقد «ذي أتلانتك» نظراً إلى هذا التاريخ، أنَّ القتال ضدّ داعش في شكلها الجديد، أو حركـــة طالبــان سيُؤدّي إلى جرّ القوات الأميركية مـــرةً أخــرى إلى الصراع، فترامب حسبــما ترى لن يكون مستعداً لرؤية كابول تقع تحت سيطرة طالبان.

واستناداً إلى كلّ تلك المعطيات، تستبعد المجلة انسحاب الولايات المتحدة من البلدين بالسرعة التي يخشاها أنصار الحرب، ويأملها دعاة السلام. وتجادل بأنَّه حتى في حالة الانسحاب، ستظلّ واشنطن طرفاً فاعلاً في الصراعين إذ ستحتفظ بالكثير من وسائل النفوذ، مثل: العمليات الجوية، ومهمات القوات الخاصة، والمساعدات الاقتصادية والعسكرية، والتأثير الدبلوماسي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى