دعّموا الفرق … نظّموا دوري خاص ثمّ غابوا الاستمرارية رهن بتعاطف الجمعيات الأوروبية فقط

إبراهيم وزنه

في ضوء احتلال الصهاينة لمعظم أراضي دولة فلسطين في العام 1948، عام النكبة وجرّ الويلات على العالم العربي، اضطر أكثر من نصف الشعب الفلسطيني للجوء إلى البلاد العربية المجاورة، وكان للبنان الحصّة الوازنة من استضافة «الأخوان». آلاف من الشباب الوافدين حطّوا رحالهم مع أهاليهم في مخيمات موزّعة على جنبات عدد من المدن اللبنانية على أمل العودة، وبين هؤلاء الشباب المئات ممن تعلقوا بحبائل كرة القدم وبرزوا في ميادينها نتيجة تباريهم واحتكاكهم اليومي مع اللاعبين المحتلين من الأنكليز، ومن أبرز الوجوه الكروية في تلك المرحلة ابراهيم عبد الفتاح «أبو هاني» ابن طولكرم المتزوج من اللبنانية زهرة علامة شقيقة نجم منتخب لبنان في الخمسينيات أحمد علامة قبل وقوع النكبة بثلاث سنوات، وخلال مشاركته اللعب مع الضباط الأنكليز بحكم عمله معهم ضمن فرقة سلاح الاشارة الاتصالات كان يعمد إلى تسريب تحرّكاتهم إلى المقاومين الأوائل بقيادة عبد القادر الحسيني. وفي الغبيري حيث عاش ودُفن بعد مماته مارس كرة القدم في الملعب الرملي الخاص بنادي شباب الساحل لا بل كان من المؤسسين الأوائل للنادي الذي درّبه وجمع لاعبيه ولاحقاً برز في صفوفه أولاده الثلاثة هاني وجاد ومحمد.

أندية بين الانتماء والولاء

قبل فلفشة الذكريات واستعراض أبرز الأسماء الفلسطينية في الملاعب اللبنانية ما بين عامي 1948 و1975 لا بدّ من الاشارة إلى أن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم تأسس في العام 1928 فيما الاتحاد اللبناني أبصر النور في العام 1933، وشارك منتخب فلسطين في تصفيات كأس العالم في العام 1934.

في لبنان، ومنذ الأشهر الأولى للنكبة عمد الشباب الفلسطيني إلى تشكيل فرق شعبية داخل المخيمات، أطلقوا عليها اسماء بلداتهم للمحافظة على العلاقة مع الأرض والتاريخ، وقد وصل عددها مطلع الخمسينيات إلى أكثر من 60 فريقاً موزّعة على مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا ومار الياس وتل الزعتر بيروت والضاحية والبص والرشيدية والبرج الشمالي وعين الحلوة والبداوي ونهر البارد والمية ومية وجرود بعلبك، أكثر من نصف هذه الفرق كانت في بيروت وضواحيها ، ومن أهمّها على صعيد النتنائج والانجازات والاستمرارية نذكر: الكابري تأسس في العام 1951 في برج البراجنة ، القسطل 1955 ، البعث 1955 ، الشعلة 1964 ، نجوم فلسطين 1965 ، حيفا والقدس 1970 . وبعد إندلاع الحرب الأهلية في لبنان تواصلت عميات انشاء الفرق بايعازات سياسية وحزبية، لتطل علينا فرق: كمال ناصر وأريحا والخالصة والطلائع والديموقراطية القسّام وتل الصافي 1976 ، مجدو وطوباس بلدنا والكرمل 1977 ، طبريا وطولكرم 1978 ، الأقصى 1980 ، وفلسطين والكرامة وجنين والمجدل والجليل وشهداء الأقصى وغيرها.

وفي سياق تنظيم الحركة الكروية الفلسطينية في بيروت الكبرى تمّ تأسيس تجمع الأندية في العام 1994 إلا أن الخلافات بين أعضائه جمّدت نشاطه وحركته. مع الاشارة إلى أن منتخب فلسطين في حقبة السبعينيات كان يتم اختياره من لبنان وسورية، بمعدّل تسعة لاعبين من كل بلد، أما اليوم فغالبيته من فلسطين حيث يشرف على ادارته جبريل الرجوب، ويتمّ التنسيق مع لبنان عبر دياب الخطيب رئيس الاتحاد الفلسطيني في لبنان ويشاركه في الاشراف الفني نخبة من المدربين كاسماعيل قرطام والكابتن جمال الخطيب والمدرب أحمد دبورة.

أبرز نجوم الأندية من الفلسطينيين

في مطلع الستينيات تبلورت نجومية العديد من الشباب الذين وصلوا صغاراً مع آبائهم إلى المخيمات المستحدثة في لبنان، يومها تسابقت الأندية الكبيرة لكسب جهودهم ضمن صفوفها، وفي مضمار سباق التدعيم الكروي كان هناك من يفكّر بطريقة طائفية؟ فالأندية المسيحية فتّشت عن ضالتها بين الفلسطينيين المسيحيين ومثلها الأندية المسلمة، أما من تجاوز هذا الفخ المقيت فكان يفتّش عن شعبية أو مصلحة مادية أو رفقة حميمة مع صحبه من اللاعبين، مع الاشارة إلى أن عدداً كبيراً من النجوم الفلسطينيين نالوا جنسيات جديدة بفضل تألقهم الميداني كأحمد فستق ووفاء عرقجي قطر على سبيل المثال. ومن الاسماء الفلسطينية التي سطعت في الملاعب اللبنانية منذ الستينيات ولغاية اليوم نذكر:

ـ جمال الخطيب وسمير نصّار وحسين قاسم وجميل عباس ورامي وعلي أسعد النجمة .

ـ عمر طه الراسينغ .

ـ هاني عبد الفتاح ومحمد قاسم الصفاء

ـ جاد ومحمد عبد الفتاح وأنس آغا وأحمد شبلي ومحمد بلاوني وعيسى الدحويش وخالد ابريق شباب الساحل

ـ أحمد فستق، يوسف السوداني، صبحي أبو فروة، محمد الشريف، حمّادي اللوباني، عمر ومحمد أدلبي، محمد وأحمد ووليد يحيى وحسين كيبا وأحمد الخضر الأنصار .

ـ جورج وداوود ونقولا منتوفي الشبيبة المزرعة .

ـ أحمد وجمال أبو الروم ، بشير الترك، ياسر منصور، عصام التوسكي وبسام ومحمد الزقا تضامن بيروت .

ـ ابراهيم وكريم مناصري ووسيم عبد الهادي وابراهيم الأحمد تضامن صور

ـ فادي اليماني، مازن مياسي ووليد يازوري البرج

ـ محمد أبو عتيق الاخاء عاليه

ـ أحمد اليماني وأحمد أبو العردات الأهلي صيدا

ـ مصطفى حلاّق وهيثم حلاق ويوسف مزيان الشباب الغازية

ـ وسام الحسن المبرّة

ـ ابراهيم سويدان السلام زغرتا .

بالاضافة إلى بعض المدربين كاسماعيل قرطام وفادي اليماني وأحمد دبورة وبسام ومحمد الزقا وجميعهم يحملون شهادات معتمدة من الاتحاد الآسيوي.

14 فريقاً في الدوري الفلسطيني في لبنان

في الفترة التي سبقت الاجتياح الاسرائيلي للبنان 1982 ونظراً لكثرة الأندية الفلسطينية الموزّعة بولاءاتها على القوى والأحزاب والفصائل، نظّم القيّمون على الحركة الكروية الفلسطينية الدوري الفلسطيني، ستّة مواسم فقط تقاسم ألقابها حيفا والطلائع والديموقراطية، وكان يشارك في الدوري 14 فريقاً نصفهم من مخيمات بيروت والنصف الآخر من باقي المخيمات، وكانت تقام المباريات على ملاعب المدينة الرياضية والصفاء والشبيبة المزرعة، ويحق لكل فريق اشراك ثلاثة لاعبين لبنانيين، ومن اللاعبين المعروفين الذين ارتدوا قمصان الفرق الفلسطينية نذكر: حسن شاتيلا، شاهين فرزان، وليد زين الدين، غسان أبو ذياب، أسعد قلوط فريق حيفا ، عدنان حمود ، وفيق حمدان، علي علوية، ابراهيم وزنه، اسماعيل حيدر وسمير طنيش اريحا ، أسعد فاعور، محمود سعيد، جمال بزي الخالصة حسني بزي وحسن عاشور الطلائع محمد ادريس الديموقراطية وغيرهم .

الزقّا : من العزّ إلى الشح در

للوقوف على الواقع الكروي الفلسطيني الحالي، توجّهنا إلى المدرّب والحكم واللاعب، الكابتن محمد الزقا مواليد 1957 المشرف على نادي شهداء الأقصى، وفي منزله عند أطراف مخيم برج البراجنة رحنا نفلفش الصفحات الماضية بشوق وحنين، وعندما تطرقنا إلى الوضع الحالي للكرة والأندية الفلسطينية أسهب أبو توفيق في تشريح الكرة الفلسطينية المتهالكة موضحاً:»لولا بعض المبادرات التي تقوم بها بعض الأحزاب والمؤسسات الانسانية وجمعيات أوروبية تجاه فرقنا في المخيمات لتعطّلت اللغة الكروية وغابت مفرداتها بين أجيالنا»، وأخبرنا عن المبادرة التي قام بها فريق سلتيك الاسكتلندي في سياق تضامنه مع الشعب الفلسطيني، حيث عمد مشجعوه إلى رفع علم فلسطين في المدرّجات ولاحقاً حضر وفد من النادي الاسكتلندي إلى بيروت واجتمع مع فريقنا شهداء الأقصى وتبادلنا القمصان، وأخذوا على عااتقهم تزويدنا ببعض التجهيزات والمعدّات. ثمّ سارع وأحضر الشهادات التي حصّلها في ميادين التدريب والتحكيم والادارة ليقول: «ماذا أفعل بها، لا استطيع أن أقود مباريات ولا يحق للفرق اللبنانية باشراك أكثر من لاعب فلسطيني كلاعب محلي، وهذا القرار يجب دراسته بحكمة وانسانية، فهناك أجيال كروية ولدت في لبنان، تتمرن وتتطور وتحتك مع الفرق، ومن ثم تبدأ عملية القرف والتراجع والابتعاد، فيتم اختيار الأكثر تألقاً إلى أحد الأندية والباقي إلى العطالة والبؤس والشقاء، وللأسف الواقع أفضل بكثير في الأردن، حيث يصل راتب أحد اللاعبين الى 5 آلاف دولار أي ما يوازي موازنة فريق فلسطيني في لبنان». وعن الأندية وتوزيعها في بيروت أخبرنا الزقا: «أنشأنا مؤخراً اللجنة الرياضية الفلسطينية لتنظيم الدورات والبطولات بين 17 نادياً موزّعين على مخيمات البرج وصبرا وشاتيلا ومار الياس، ولتبقى الأندية في حركة نشطة ومستمرة يصار إلى تنظيم دورة الأضحى ودورة شهر رمضان وكأس النخبة بين 6 فرق ونختم موسمنا بكأس السوبر». ثم أطلق صرخته قائلاً: «مع زوال الملاعب وارتفاع تكلفة التمارين تراجعت عمليات تفريخ اللاعبين الموهوبين وتزايدت الاصابات لأن البعض يصرّ على اللعب على الباطون توفيراً لدفع المال، وما يزيد في إعاقتنا عن العمل الشح المادي وضغط النازحين السوريين إلى المخيمات بعد الأزمة السورية… ومع ذلك سنستمر ، في طريق الكفاح الكروي» ليختم لافتاً: «يتقاضى طاقم الحكام الفلسطيني مجتمعاً 50 دولاراً على المباراة، فيما يتقاضى الحكم اللبناني 150 و200 دولار عن كل مباراة»!

ختاماً، لا بدّ من التوضيح، بعد النكبة، غصّت ملاعبنا بالنجوم الفلسطينيين، وبين عامي 1975 و1982 تكاثرت الأندية الفلسطينية إنعكاساً لصورة التشظّي السياسي للفصائل والحركات الفلسطينية، وفي بعض الأحيان تراجعت عمليات تفريخ اللاعبين على حساب إعداد المقاتلين، ليواصل جيل السبعينيات في تلك المرحلة وحيداً في الساحة، وفي التسعينيات قيّدت الأنظمة الكروية المحلية عمليات التواجد الفلسطيني في الفرق اللبنانية، ما أنعكس سفراً للكثيرين منهم، ومن بقي في الساحة في الوقت الراهن لا يتجاوز عديده 20 لاعباً … يجتهدون ليواصلوا مسيرتهم بمواجهة المعوّقات … وما أكثرها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى