الله قال: واقتلوهم حيث ثقفتموهم لا أن تقبّلوهم في وارسو

اياد موصللي

فوجئت بالاستغراب الذي ظهر بعد انعقاد مؤتمر وارسو وحضور حكام دول عربية وخليجية هذا المؤتمر وجلوس بعضهم إلى جانب رئيس حكومة العدو نتنياهو وإعلان البعض الآخر رغبتهم في التطبيع مع «إسرائيل» وخاصة أمير البحرين.

نسي الجميع انّ ما تمّ في مؤتمر وارسو هو تكرار لكثير من المواقف والنوايا، وانّ ما جاء فيه ليس جديداً بل إحياء لما تمّ في القديم… وخطوة نحو البدء بالتطبيع لما كان محضراً ومخططاً له من مشاريع رسمتها «إسرائيل» ونفذتها خطوة خطوة وهي معلنة في أكثر من بروتوكول ومنهج.

ومواقف العرب مثلها ليست جديدة ولا مفاجئة ليس لنا اليوم بل لرب العالمين الذي قال في كتابه الكريم والأعراب أشدّ كفرا ًونفاقاً.

وموقف أمير البحرين وأمثاله ليس مفاجئاً ولا زلنا نذكر ما قاله الشيخ خليفة أمير قطر منذ العام 1990 في مكالمة هاتفية أجراها مع الملك فهد في السعودية والتقطتها أجهزة الاتصالات العراقية، آنذاك قال الشيخ خليفة:

«نريد أن نضع حداً وننتهي من هذه القضية، صدام حسين حامل فلسطين وشاغلنا فيها علينا ان ننتهي منه ومن هذه القضية كفى…

وإبان العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 غضب الملك عبدالله ملك السعودية من المقاومة اللبنانية وقال: «هذه مغامرة غير محسوبة.. وردّ عليه حينها الرئيس بشار الأسد مدافعاً عن المقاومة قال لهم: «يا أشباه الرجال…»

العروبة أفلست، هذا واقع كشفه سعاده، وأمتنا انتصرت بمحافظتها المبدئية على هويتها… المسألة الفلسطينية كانت دائماً من اهتمامات شعبنا في الشام والعراق وفلسطين والأردن والكويت…

لم يشارك العربان في كلّ مساكنهم ومقراتهم بالدفاع عن فلسطين إلا بالكلام المنمّق، وفي حرب الإنقاذ عام 1948 كان أبرز جيشين السوري واللبناني، ومواقفهما في بداية الحرب كانت متفوّقة وانتصاراتهما محققة وظفا ما يملكان من قوة وبأس رغم قلة عديدهما وعددهما وحداثة تكوينهما للدفاع عن أرض فلسطين باعتباره دفاعاً عن أرض الوطن، ولم يشعر الجندي المحارب إلا بأنه يدافع عن بلده في شعور قومي جارف، وكثيراً ما يفكر المرء أنّ خلق الكيان الإسرائيلي قد كلف الأمة الكثير إلا أنّ ذلك لم يكن بدون نفع فمنذ الثلاثينات من القرن الماضي حين بدأت الهجرة الصهيونية الغادرة إلى أرض فلسطين حتى الآن فإننا ندين للقضية الفلسطينية بفضل بقاء الشعور القومي في أعلى مستوياته، ولا زالت قضية فلسطين تمثل قلب الصراع المتأجّج بين الغرب الساعي للسيطرة والاحتلال وبين أبناء البلاد الساعين إلى التحرر.

وعن هذه الحقبة يروي المقدم محمد معروف الضابط في الجيش السوري في كتاب أيام عشتها 1949 1969 صفحة 81:

«كان الجيش اللبناني عن يسارنا باتجاه قرية النبي يوشع بقيادة الكولونيل شهاب قائد الجيش اللبناني، وقعت معركة ضارية بين قوى البادية السورية واليهود المتمركزين في مخيم المالكية وقرية المالكية والبدو متمرّسون بالقتال بشكل طبيعي لكن على طريقتهم، فعندما اقتربوا من الهدف رموا الخوذات واستلوا خناجرهم وفي وثبة واحدة كانوا في خنادق العدو ودار القتال بالسلاح الأبيض وقد ذبحوا من اليهود أعداداً كبيرة، وقد أطلق اليهود على قوى البادية – اثر ذلك في اذاعتهم – اسم «الفرقة البربرية» وفقدنا في المقابل عدداً لا يُستهان به من جنودنا. وسقطت المالكية في أيدينا.

ويتابع المقدّم معروف: «إذا وقفنا أمام الوضع العسكري بعد دخول الجيوش العربية واستعرضنا خطتها الحربية فلا يمكن لعاقل ان يصدق أبداً ان تكون النهايات بهذا الشكل المأساوي المميت.

كلّ كتب التاريخ لم تذكر شيئاً عن قوات او جيوش من مشيخات وإمارات عرب الخليج او مشاركتهم في الحرب ضدّ «إسرائيل»…

ويقول سعاده: لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل.

انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود، انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب.

انّ تغيير الاتجاه نحو إيران هو خطة متمّمة للمشروع «الإسرائيلي». فإيران زمن الشاه كانت حليفاً لها وعدواً لأمتنا بفعل توجهها القومي الفارسي وبعد ان سيطر الفكر الديني القائم على قاعدة الآية الكريمة: «وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا انّ أكرمكم عند الله أتقاكم.. زال التعصّب القومي بأخطاره وتحوّل الاتجاه نحو العدو الذي وصفه القرآن الكريم: «ولتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا.. سورة البقرة الاية 89».

كما حذر المسيح منهم في قوله احذروا هؤلاء المرابين اليهود فإنهم يؤسّسون لمملكة الشيطان.

أصبح التوجه «الإسرائيلي» يستهدف إيران باعتبار أنها قوة إقليمية في وجه التمدّد «الإسرائيلي» والأميركي والعقبة التي سوف تعيق المشروع «الإسرائيلي» بالسيطرة على المنطقة.. لذلك بدأت إقامة تحالفات من عرب الخليج لمواجهة الخطر الإيراني الذي يراه العرب الخليجيون من زاوية دينية، فإيران مذهبها شيعي وهم سنة.. وكأنّ «إسرائيل» أكثر قرباً ومودّة للسنة من الشيعة، لذلك تغيّرت الاستراتيجيات وأصبح العرب حلفاء لـ «إسرائيل» ضدّ إيران وسورية في تكوينها الطبيعي.

وإذا عدنا الى كتاب «إسرائيل» وصراع الحضارات لمؤلفه جوناثان كوك.. وتوقفنا عند النقطة التي يتحدث فيها عن إيران حيث يقول:

إنّ تردّد واشنطن الظاهر في تطبيق المرحلة التالية من التصوّر «أيّ مهاجمة إيران» يعكس عجز الولايات المتحدة و»إسرائيل» عن إدارة الحروب الأهلية والتمرّدات، بالإضافة إلى التأثير في الرأي داخل الوطن، بالقدر الذي تخيَّلتاه من النجاح.

وكان تصوّر «إسرائيل»، للشرق الأوسط تحت حكم «إسرائيلي» وأميركي مشترك انه: رائع. فقد كان لدى «إسرائيل» افتراضات مبسّطة تليق بتصوّرات المؤسسة الأمنية «الإسرائيلية»، التي تعتبر العرب والمسلمين، بيادق يمكن التحكم بها بالمكائد والدسائس «الإسرائيلية» والغربية.

وأما هنري كيسنجر فيقول: «إنّ إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهّزه أميركا و»إسرائيل» لكلّ من إيران وروسيا بعد أن تمّ منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد لنبني مجتمعاً عالمياً جديداً لن يكون إلا لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية «السوبر باور» وقد حلمت كثيراً بهذه اللحظة التاريخية».

انّ الحقد المذهبي والطائفي هو السلاح الذي تستعمله «إسرائيل» في تنمية علاقاتها مع دول الخليج وتتقرّب منهم ويتقرّبون منها رغم كلّ النواهي الدينية التي تحذر من اليهود ومنها الآية: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم…»

وفي جزء آخر من القرآن الكريم جاء: «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ».

وفي حديث للنبي محمد جاء ما يلي: «اللهم اني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئس البطانة.. وقال يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب…»

انّ ما جرى مؤخراً من ممالأة وتقارب مع «إسرائيل» واليهود هو خيانة قومية وروحية وفكرية ووطنية. ورغم هذا كله يتحدثون عن حماية ثاني الحرمين وأولى القبلتين.. و»إسرائيل» بدأت السيطرة الكاملة على القدس بما فيها من مقدسات ومحرمات للمسلمين والمسيحيين.

لذلك يبقى إيماننا الراسخ ما جاء في قول سعاده: «كلنا مسلمون لرب العالمين منا من أسلم لله بالقرآن ومنا من أسلم لله بالانجيل ومنا من أسلم لله بالحكمة وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا إلا اليهود…»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى