قراءة في المجموعة القصصية «أحكي يا شهرزاد» للقاصّة الدكتورة درّية فرحات

شكّل الواقع المحلّي مُنطلقات فكريّة ماديّة روحية ارتكزت عليها الكاتبة بحسّها النقدي لتبني وقائع قصصها كحقائق تحدث في مكان وزمان غير مُحدّدين لاستمرار حدوثها في أيّ زمان ومكان كحالة إنسانية شعورية مُلازمة لحياة البشر بصيَغه المُتعدّدة والمتنوّعة والمُغايرة لطبيعة التباين الشعوري واختلاف خصائصة باختلاف الحالات الإنسانية بين فردٍ وآخر.

تنكّبت الكاتبة الخوض في مسألة بالغة الخطورة والغموض في يوميات الإنسان المليئة بقصص وأحداث تبقى مكتومة وغير مُفصح عنها لخصوصيتها وربما سريّتها كحالات نفسية شعورية ناتجة عن الحركة والاحتكاك أو التواصل بالآخر وما تولِّده من علائق عاطفية أم فكرية أو اجتماعية تُبدّل في كثير من الأحيان مسار حياة الفرد وتخلق له عوالم جديدة سلبية النتائج أو إيجابية تطبع ما بعدها بطابعها خاصّة أنّ المكبوت والمكنون والمسكوت عنه في حياتنا قد تتجاوز نسبة المُعلن والمكشوف والمعروف ربما لكلّ ذلك تعمّدت الكاتبة اختيار أحداث قصصها لتبدو بسيطة في ظاهرها الحدثي والسردي ولتستبطن الحكمة الأدبية في الإشهار القصصي كتأريخٍ مُضمَر لما يتحاشى المرء إعلانه أو البوح به وهذا ما أوحى به عنوان المجموعة القصصية أحكي يا شهرزاد والذي يُشكل تحريضاً صريحاً للمرأة بأن تمارس حقها في الحياة دون الشعور بدونيّتها في مجتمع ذكوري متسلّط بحكم التقاليد والعادات والدين.

تتميّز المجموعة القصصية بتناولها حالات متعدّدة ومتنوّعة تهدف الإضاءة على أحداث قد تواجه أيّ شخص أو أن يكون قد مرَّ بها يوماً وربما ستمرّ أعادت الى ذاكرتي بيتاً من لاميّة المتنبي:

«نحن أدرى وقد سألنا بنجدٍ

أطويلٌ طريقنا أم يطولُ»

الذي استشرف به مشاعر إنسانية لا زالت وستبقى تراود اختلاجاتنا ما حيينا.

بحِرفية أدبية عالية استطاعت الدكتورة درية فرحات أن تُحدِث الانزياح بين رمزية العنوان وصراع المرأة في الحياة حتى تحوّل السرد الى حالة صراعية شاملة في حياة المرأة وتأثيرها على مجريات الأحداث بحنكة فطرية مرتبطة بكينونتها الوجودية.

قد يكون من المفيد تفكيك بعض النصوص لإثارة الجدوى السردية وتبيان رمزيتها ودلالاتها وإيحاءاتها الثورية في قصّة «تعويض» مثلاً نجد إدغاماً إشكالياً مُتاحاً ببساطة دائمة الحدوث في السياق الرمزي لانفعالات الالتباس الحاصل بين الرغائبية والواقعية وما تُتيحة من تباينات روحية تتمظهر بالعارض المؤقت الذي يتلاشى بصدمة الواقعية بسياق زمني محدود تشترك فيه لوهلة نقائض شعورية بالغة الحساسية والتأثُر الى الحد الأقصى من الانبهار والخيبة في الآن ذاته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى