داود ممثلاً بري: خطة لوزارة الثقافة للاحتفاء بفكر «المعلم» الفرزلي: سنحفظ هذه الشعلة لكي يبقى لنا وطن فريد البستاني: بعلمه نرتقي بوطنِنا رسالة للحرية وللإعلام الحر

أقامت جمعية المعلم بطرس البستاني لقاء تحضيراً لإحياءِ المئويةِ الثانية لولادةِ المعلم بطرس البستاني، في فندق «فورسيزنز» في بيروت نقلت وقائعه مباشرة القنوات التلفزيونية وتخلّله حفل عشاء على شرف الحضور.

حضر اللقاء الذي ترأسه نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، ووزير الثقافة الدكتور محمد داود ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري, وعدد من الشخصيات السياسية والدينية والعسكرية والقضائية والأكاديمية ورجال الإعلام. ومن بينهم، صاحب الدعوة النائب البروفيسور فريد البستاني، المطران مارون العمار ممثلاً البطريرك الماروني بشاره الراعي، الشيخ خلدون عريمط ممثلاً مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان، ممثل شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز نعيم حسن، القس جوزف قصاب رئيس الطائفة الإنجيلية، النائب إدغار طرابلسي، الوزراء مروان حمادة، جوزف الهاشم، غابي ليون، رمزي جريج، وأنطوان قسطنطين ممثل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الشيخ مازن أبو ضرغم ممثلاً النائب طلال أرسلان، الشيخ زهير أبو إبراهيم ممثلاً شيخ العقل ناصر الدين الغريب، الدكتور عباس الحلبي ممثلاً الدكتورة تالا زين أمينة عام الأونيسكو، القاضي رفول البستاني، كوليت مسعد حايك ممثلة رئيسة هيئة شؤون المرأة كلودين عون روكز، مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، مدير عام وزارة الإعلام حسان فلحة، الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين وجيه فانوس، الشيخ سامي عبدالخالق، ممثل شيخ العقل نعيم حسن، المطران مارون ناصر الجميل، مطران السريان شارل مراد، المونسنيور مارون كيوان، المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، نقيب الصحافة عوني الكعكي، نقيب المحرّرين جوزف قصيفي النقيب والوزير السابق عصام كرم، رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب، لؤي شرف الدين ممثلاً رئيسة مؤسّسات الإمام الصدر رباب الصدر، هاني عبدالله ممثلاً السيد علي فضل الله، نائب رئيس الجامعة العربية د. عصام عثمان ممثلاً رئيس الجامعة، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبوكسم، السفير خليل كرم، مدير عام المكتبة الوطنية الدكتور حسان عكره، رئيس جمعية لابورا الأب طوني خضرا، روي الهاشم، بيار الضاهر، إبراهيم فرحات، العقيد جاك موسى ممثل مدير عام أمن الدولة طوني صليبا، الكولونيل إيلي الديك ممثلاً اللواء عباس ابراهيم، العقيد الركن شربل افرام ممثلاً اللواء عماد عثمان، النقيب أنطوان قليموس، النقيب أنطونيو الهاشم، بيار صايغ، سليمان بختي، محمد السماك، الأب إيلي كسرواني، سليمان بختي، الدكتور جورج فرحه، الدكتورة إلهام كلاب البساط، مارون رزق الله ممثلاً وديع الخازن، الدكتورة تريز الهاشم، زهيدة درويش، البروفسور جمال واكيم، ممثل عن المطران بقعوني، الدكتور فادي الحاج، الدكتور ديزيريه سقال، النقيب أنطونيو الهاشم، إيلي يحشوشي، المفكر نصار وعدد غفير من عائلة البستاني ومن بينهم البروفسور أنطوان لطف الله البستاني، منير البستاني، مرشد البستاني، وسيم البستاني، شارل البستاني، فؤاد البستاني، جورج البستاني، رامي البستاني ممثل رفيق البستاني وغيرهم.

وشدّد المتحدثون، خلال اللقاء، على أهمية المعلم البستاني الفكرية والأدبية ودوره كرائد من روّاد النهضة اللبنانية والمشرقية، مشيرين إلى أنّه كان سباقاً في مناداته لبناء وطن حرّ يتساوى فيه المواطنون والمواطنات وتنصهر فيه العائلات الروحية خدمة للإنسانية، وإلى دوره أيضاً على صعيد حقوق المرأة.

فأكد الفرزلي أنه «مهما باعدتنا الأزمات ونالت منا العصبيات، سنحفظ هذه الشعلة حية في نفوسنا، ونتساند بالمحبة والتفاهم والتسامح، حتى يبقى لنا وطن، ويبقى فينا إيمان». بينما شدّد الدكتور فريد البستاني على «أننا سنَخْدِمُ رِسالةَ العِلمِ التي رأى فيها المعلمُ طريقَ العُلى فكانتْ مدرستُهُ الوطنيةُ خَيْرَ مِثالِهْ، ونرتقي بوطنِنا رسالةً للحُريةِ وللإعلامِ الحرِ وقد كانَ المعلمُ من رُوّادِهِ بثلاثِ صحفٍ متخصّصةٍ تَضُجُ بأفكارِهِ وتُشكِلُ مِنبَرَ قِتالِهْ». فيما أعلن وزير الثقافة عن بدءِ التحضير لخطةِ عمل، «احتفاء بفكرِ المعلم بطرس البستاني تشاركُ فيها الفاعليات الأدبية والفكرية، في المناطقِ اللبنانية كافة، كأحدِ مشاريعِ وزارةِ الثقافة في المرحلةِ المقبلة. كما وضع نقيب الصحافة في تصرّف «الهيئة» إمكانات نقابة الصحافة وقاعاتها «لعقد ندوات رصينة حوله.»

وبعد اختتام الكلمات عقدت جلسة نقاش بين الحضور حيث جرى تقديم جملة من الاقتراحات، على أن تُشكل ست لجان من الحضور في مجالات عدة للتنسيق فيما بينها للتحضير للاحتفال الضخم الذي سيعقد في 2 أيار المقبل في واجهة بيروت البحرية بمناسبة المئوية الثانية لولادة المعلم البستاني. وركزت اقتراحات الحضور على ضرورة حفظ إرث المعلّم بطرس البستاني وإعلان الفترة التي تمتد من 18 تشرين الثاني 2019 وحتى 18 تشرين الثاني 2020 سنة المعلّم بطرس البستاني مع كلّ ما يتبع ذلك من نشاطات تثقيفية في المدارس. فيما دعا آخرون إلى إضافة تعميم تعليم تاريخ وإنجازات المعلّم بطرس البستاني في المناهج وإعادة تأهيل المبنى التاريخي الذي كان مركزاً لتعليم ثقافة المعلّم بطرس البستاني. كما اقترح البعض نشر مؤلفاته ليتمكن الجيل الصاعد من قراءتها والاستفادة منها.

الفرزلي

أولى الكلمات كانت للنائب الفرزلي الذي قال: «اسمحوا لي أن أخصّ بالشكر الزميل النائب فريد البستاني صاحب هذه المبادرة الوطنية والثقافية، وابن الدوحة البستانية العريقة التي قدمت للبنان أكثر من معلم ورائد في مجالات النهضة والتنوير والأدب والشعر والعلم والثقافة، ولكلّ من ساهم في إنجاح هذا اللقاء وإطلاق هذه الحملة».

وأضاف: «نلتقي أيها الأعزاء في خيمة المعلم بطرس البستاني، وهي خيمة تضمّ محبرة وريشة وبعض أوراق ومجلساً متواضعاً تكثر فيه الكتب وتنتشر فيه الحروف والكلمات، ولا قيمة عنده ولا في مجلسه لمال وجاه وسلطة وعصبية، وها نحن هنا بين يديه نستحضره فينا، وسط الحرائق المشتعلة من حولنا، والنزاعات السياسية التي تطغى على حياتنا، والعصبيات التي تمزق وحدتنا، والتطلعات نحو مال هنا وجاه هناك وسلطة هنالك، ونستحضر معه ما تبقى من نقاء في نفوسنا لم يصبه التلوث، لنحضر في خيمة المعلم، تلامذة ينهلون من معين فكره، وعظيم أثره ، فنجد أنفسنا نكرّم في بعضنا هذا النقاء الذي يجمعنا، بدلاً من أن نجتمع لنحتفي بالمعلم مكرماً بيننا».

وتابع الفرزلي: «لا أخالني متوهِّماً أننا سنصنع المعجزات بالحديث عن أننا نكتشف في فكر هذا المعلم العظيم، دعوته المبكرة لدولة مدنية أو لنهضة عربية، أو لشراكة مصير مشرقية، أو لإنصاف المرأة وتحرّرها، فندّعي أننا للمرة الأولى نسمع ما كان غائباً عنا إدراكه، لنقول على طريقة ديوجين، لقد وجدتها، ففي داخل كل منا شعور بعقدة ذنب وعقدة نقص لعجزنا عن ترجمة ما نعتقد كلنا أنه صواب، لكنه مبكراً أصابه البستاني، وما زلنا عنه متأخرين، نصاب بالقهر والحزن، تجاه المقارنة بين توق المعلم البستاني المولود قبل مئتي عام، لنكون شعلة النور التي تتوهّج بمقاييس التقدم والرقي علماً وسياسة ومدنية، وبين عجزنا المقيم عن تحقيق البعض من هذا التقدم، ولا وهم لدي بأننا باستحضار هذا المعلم وفكره، سنقفز من العتمة إلى النور، أو سنقلب صفحاتنا الصعبة ونستبدلها بسهله الممتنع، لكنني واثق من أنّ مجرد تلاقينا هنا وأنتم بكلكم، كلّ لبنان، كلّ منكم على حدة بعضه، وكلكم معاً ألوان طيفه لا طوائفه والدائرة الكاملة تكتمل بكم، ونحن معاً لبنان المتعب، والمنهك، والعاجز، لكنّ التوّاق للأفضل، والمقهور من ضعفه وعجزه، فهذا اللقاء هو إعلان تلاقٍ على الخير الذي لم يتآكل بفعل الزمن ولم تنل منه الحروب والأزمات والعصبيات والتجاذبات، هو نسيم نقي يتغلغل في صدورنا لنكون في تحدٍّ مستمر مع أنفسنا ونتذكر، أنّ حلم الدولة العصرية وحلم النهضة لا يزالان ويجب أن يبقيا على قيد الحياة.

نعلم جميعنا، أننا نأتي إلى هذا اللقاء، وكلّ منا يحمل أثقاله على كتفيه، لكننا نستريح كلّ منا على حدة إلى كتف المعلم البستاني، ونتخفف من هذه الأثقال الآن، لعله يواسينا ويبثّ فينا الثقة والأمل، ولعلنا ونحن نتخيله وسطنا نكتشف أننا لا نعطي ظهورنا لبعضنا البعض بل نظن أننا نسند أكتافنا إليه، لنكتشف أن كل منا يسند كتف الآخر، ونحن نعلم أننا عندما نخرج من هنا سيعود كل منا ليسترد أثقاله ويتنكبها، وقد وضعها عند باب هذا المكان، ونردّد أنّ لنا الحق بالحلم، أن نحلم بأننا نكرم ما في هذا المعلم الذي علمنا أنّ اللغة عبقرية الهوية، وأنّ الدين لله والوطن للجميع، وأنّ حب الوطن من الإيمان، وأنّ الأمة تكون نظير حال المرأة فيها، لأننا بذلك نعيد الحياة لشعلة الخير التي نخشى أن تكون قد انطفأت في نفوسنا، ولا نريد لها أن تنطفئ.

ونتعاهد هنا في حضرة المعلم أنه مهما باعدتنا الأزمات ونالت منا العصبيات، سنحفظ هذه الشعلة حية في نفوسنا، ونتساند بالمحبة والتفاهم والتسامح، حتى يبقى لنا وطن، ويبقى فينا إيمان، ويحيا فينا الوطن والإيمان بالحب، لأن الحب والوطن والإيمان ثلاثية البقاء على قيد الحياة.

واسمحوا لي أيها الأحباء أن أخاطب المعلم بطرس البستاني بلسانكم ببعض من كلمات الوجدان فأقول له:

عَنْدَمَا أَقَامَ لَيْلُ التَّارِيخِ فِينَا أَشْعَلَتَ زَيْتَ الزَّيْتونِ نُوراً وَضِيَاءْ

وَعَنْدَما صَارَ الرِّيشُ لِلطَّيْرِ ثَوْباً… صَنَعَتَ لَهُ… مِنَ الْحِبْرِ رِدَاءْ

فَغَمَسْتَ بِهِ حُروفَكَ مَأْكَلاً وَمَشْرَباً وَجَعَلَتَهَا لِلنَّاسِ زَاداً وَغِذَاءْ

أيها الْبُسْتَانِيُّ الْمُدْرِكُ لِسِرِّ ذبول الْوَرْد وَالْفَوْح وَالْبُوح وَالْعَطَاءْ

أَطْلَقَتَ قَفِيرَ نَحْلِكَ تَجْمَعُ لَنَا مَنَ الْوُرُودِ عِطْراً وَرَحِيقًا لَا يُعَرِّفُ الْفَنَاءْ

وَضَمَمْتُهُ بَيْنَ دَفَّتِي كِتَاب… وَكِتَاب بَعْدَ كِتَابٍ… رَسَمَتَ طَرِيقَ الْبَقَاءْ

تَجَسدَ فِيكَ التِّلْميذ بُطْرُسَ مُعَلِّماً لِلتَّنْوِيرِ… فَكُنْتُ لِلتَّنْوِيرِ الألْفَبَاءْ

فِيكَ خَمِيرَةُ أُمَّةٍ… خُبْزُهَا كَفَافُ يَوْمِهَا… فَتَعَلَّمَتَ وَعلَمَتَ الرَّجَاُءْ

أَن انهضوا لِلنُّورِ… لِلدَّوْلَةِ الْمَدَنِيَّةِ… تستقوون بِالْعِلْمِ… وَالْعُلَمَاءْ

واخلعوا أَثَوَابَ عَصَبِيَّاتِكُمْ… رَثَّةٌ وَأسْمَالٌ… وَطَرِيقُ شَقَاءٍ مَا بَعْدَهُ شَقَاءْ

تَسِيرُونَ الْقَهْقَرَى نياماً وَالْعَتَمَةَ مِنْ حَوْلَكُمْ… وَالْقَوْمُ صَارُوا فِي الْفَضَاءْ

وَحَدهَا الدَّوْلَةُ الدَّوْلَةَ تُوَحِّدُ نُورُكُمْ… فَيُصَيِّرُ مُبْهِراً…

وَتُصَيِّرُونَ جَمْعاً مُنِيراً… يُبَدِّدُ الدَّهْمَاءْ

وَحَدهَا الدَّوْلَةُ تَرْفَعُ شَأْنُكُمْ… وَتَرْفَعُونَهَا وَبِهَا تَتَرَفَّعُونَ وَتَرْتَفِعُونَ…

أُمَّةً شَمَّاءْ

وحْدةُ الْعُقُولِ وَالْمُيُولِ وَوَحْدَةُ النُّفُوسِ وَالنُّصُوصِ وَوَحْدَةُ الْحُروفِ…

تَتَشَكَّلُ بِهَا الْأَسْمَاءُ

تَنَوُّع الْبُسْتَانِ فِي عِطْرِهِ وَزَهْرِهِ وَتَنَوُّعِ الثِّمَارِ زَادُكُمْ…

هَلْ تَقَاتَلَ التُفَّاحُ يَوْماً مَعَ الْغَابَةِ الْعَذْرَاءْ؟

تَنَوَّعُوا وَتَوَحَّدُوا… وَكُونُوا دَوْلَةً تَسُودُ بِالْعَدْلِ وَالْقَانُونِ…

وَتَرْتَقِي بِالْعِلْمِ معاريجَ السَّمَاءْ

أيها المعلم

هَا نَحْنُ الْيَوْمَ بَعْدَ لَيْلِ الْمَذَلَّةِ إِلَيْكَ عُدْنَا…

وَبَعْدَ الْجَهْلِ وَالتَّفَرُّقِ نَسْمَعُ فِيكَ الندَاءْ

فَقُمْ إِلَيْنَا وَأَصْرُخُ بِصَوْتِكَ…

وَاِجْمَعْ حُروفَكَ فَنَجْتَمِعُ مِنْ حَوْلَكَ بعدمَا صُرْنَا فِي التَّفَرُّقِ أَشْلَاءْ

هات مِنْ مُحِيطِكَ مُحِيطَاً تَعَلَّمُنَا الغوصَ في المَحار…

لقد تعبْنا منَ الأَنْواء…

واكتفَينا…

من السِّبَاحَة وَالصَّيْد وَالتجَارَة والهجرة… عَسَى يُعِيدُنَا إِلَيْكَ الْوَلَاَءْ

فريد البستاني

ثم ألقى النائب البستاني كلمة شكر في مستهلّها الحاضرين والهيئةِ المصغرةْ «التي عَمِلَتْ معي على تحضيرِ هذا اللقاءْ وإِعدادِ ما يلزمُ لِضمانِ نَجاحِهْ، في خدمةِ المُهمَةِ الساميةِ التي اجتمَعْنا لتحقيقِها».

وقال: «لم يَسبُقْ أنْ أطلقَ روادُ النهضةِ في بلادِنا على غيرِ بُطرسْ البُستاني لقبَ المُعَلِم، كما لم يسبقْ أن نالَ سواهُ صفةَ أبي التَنويرْ: فهو الموسوعيُ الذي أتقنَ علومَ الموسوعيةِ ونقلَ لُغَتَنا العربيةَ إلى رحابِها عبرَ دائرةِ معارفِهِ، التي قال عنها، إنهُ حاولَ فيها جعلَ المَحْكِيةَ أشدّ فصاحةً، وجعلَ الفُصحى تقونِنُ المَحْكيةَ، ودعانا إلى مواصلةِ الفعلِ كي لا تموتَ اللغةُ، واللغةُ عندَ المُعلمِ روحُ الشعوبِ، التي تَموتُ بموتِ لُغَتِها، وهو صاحبُ نظريةِ الدولةِ الإنسانْ، داعياً لأنْسَنَةِ الدولةِ ودولَنَةِ الإنسانْ، ساعياً إلى زَرْعِ فِكرَةِ الدولةِ في نُفوسِ المواطنينْ، وزرعِ فكرةِ المُواطَنةِ في نصوصِ الدَولة. وهو المؤمنُ بالدينِ نوراً للعقلِ والروحِ فكانت إحدى أنبلِ عَطاءاتِه مشارَكَتهُ في تَرجمةِ الكتابِ المقدسِ إلى اللغةِ العربيةِ. وهو الداعيةُ للمرأةِ الرسالةِ التي بها تتقدمُ الأممُ وعلى قياسِ تقدمِها وتعلمِها يقاسُ تمدُنُ الشعوبِ».

أضاف: «أيها الشركاءُ الأعِزاءْ…

ها نحنُ هنا معاً، كمجموعةٍ من تلاميذِ المعلمِ المؤمنينَ بالله وبالوَطَنْ، وبأنّ حبَ الوطنِ منَ الإيمانْ، وأنّ الدينَ للهِ والوطنُ للجميعْ، وتلكَ عناوينُ رسالةٍ تَكْفي لتخليدِ هذا العظيمِ في سجلاتِ المَجْدْ.

يُشَرِفُني أنْ أكونَ بينَكُمْ، وبِشُعورِ الامْتِنانِ أضعُ نفسي بتصَرُفِكُمْ، ليليقَ ما نحنُ ماضونَ إليهِ بماضي هذا العظيمِ الذي نَجتمعُ في ظلالِهْ، وتليقُ أَفْعالُنا بمستقبلِ وطنِنا لبنان الذي نَفيئُ إليهِ ونأكلُ مِنْ غِلالِهْ، وتليقُ بِنا اللُغَةُ التي وهبَها المعلمُ حياتَهُ وجعلَها محطّ آمالِه، نَخْدِمُ رِسالةَ العِلمِ التي رأى فيها المعلمُ طريقَ العُلى فكانتْ مدرستُهُ الوطنيةُ خَيْرَ مِثالِهْ، ونرتقي بوطنِنا رسالةً للحُريةِ وللإعلامِ الحرِ وقد كانَ المعلمُ من رُوّادِهِ بثلاثِ صحفٍ متخصّصةٍ تَضُجّ بأفكارِهِ وتُشكّلُ مِنبَرَ قِتالِهْ .

كم هوَ عظيمٌ جَمعُنَا، وكم هوَ مبارَكٌ سعيُنَا

عشتم وعاش لبنان».

داود

وألقى وزير الثقافة محمد داود كلمة الرئيس نبيه بري وجاء فيها: «يسرُّني أن نجتمعَ وبدعوةٍ من «جمعية المعلم بطرس البستاني»، ممثَّلةً بسعادةِ النائب فريد البستاني، تحضيراً لإحياءِ المئويةِ الثانية لولادةِ المعلم بطرس البستاني، أحد ينابيع النهضة.

الكلامُ على المعلم بطرس هو استحضارٌ لإشراقةٍ فكرية اضطلعَ بها أدباؤنا، شعراؤنا، مثقفونا وكبارُ فنّانينا…

نهضةٌ انطلقتْ من لبنان لتعمَّ شراراتُها المحيطَ العربي تأثراً واستهداءً…

الكلامُ على الرجلِ هو استذكارٌ لآثارِ وأعمالِ زملائِه وأهلِه من بساتنة ويازجيين، إلى أدباءِ ومفكرّي النهضة الثانية، بدءاً من الرابطةِ القلمية والمهجريين في الأميركيتين الشمالية والجنوبية، من جبران والريحاني ونعَيْمة وسواهم…

حدثٌ مُفرح أن نحيي ذكرى هذا الرجلِ الفذّ، القامة الموسوعية، صاحب «دائرة المعارف»، ومؤلف «محيط المحيط»، ومؤسّس «النفير» و»الجنان»، وصاحب «المدرسة الوطنية»، وداعية المساواة بين الرجل والمرأة، وتلك مفخرةٌ ريادية في محيطِنا العربي.

لن أطيلَ الكلامَ على البستاني الألمعي، وتكرارَ ميزاتِه، ما يهمُّني في هذه المناسبة هو الإعلان عن بدءِ التحضير لخطةِ عمل، وزارةُ الثقافة تضطلعُ بتنفيذِها احتفاء بفكرِ المعلم بطرس البستاني، وتشاركُ فيها الفاعليات الأدبية والفكرية في المناطقِ اللبنانية كافة…

واجبُنا أن نضيءَ على قاماتِنا النهضوية، ومفكرينا وأدبائنا وسائرِ المبدعين، تعريفاً للجيلِ الجديد، واقتداءاً لنا جميعاً بعطاءاتِهم وتوّهجِ أفكارِهم، ضمنَ رسالتِنا الوطنية في مسارِ بناءِ دولةِ الإنسان ـــــ المواطن …

بهذا التوجهِ نبدأُ العمل، كأحدِ مشاريعِ وزارةِ الثقافة في المرحلةِ المقبلة…

باسمِ دولةِ رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، نحيّي مبادرةَ جمعية بطرس البستاني، ونعـاهدُ الجميعَ على التعاونِ لإنجاحِ ذكرى هذه المئويةِ الثانية للرجلِ الكبير…

كبارُ أدبائنا هم مشاعلُ مسيرةِ التقدمِ والارتقاء.

الكعكي

وتحدث نقيب الصحافة عوني الكعكي عن «هذا المفكر الكبير والعالم القدير الذي له فضل الريادة في النهضة العربية، والذي يتبين لنا كم كان سابقاً عصره في مجالات عديدة أبرزها المنهج العلمي العقلاني، وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة وحق الجميع ذكوراً وإناثاً، في تحصيل العلم».

وقال: «أغتنم المناسبة لأعرب عن اعتزازي كلبناني وكعربي بأنّ المعلم بطرس البستاني هو ابن هذه الأرض اللبنانية الطيّبة الذي كان منارة نهضوية حقيقية في ذلك الليل الدامس.

وكم أعتز، أنا اللبناني المسلم، بأن يكون المعلم بطرس البستاني والكثيرون من هذه الدوحة البستانية العريقة، وكذلك أسرة اليازجي وأيضاً أديار الرهبان… وسواهم من إخواننا المسيحيين لهم الفضل الكبير في صيانة وحفظ اللغة العربية، التي أُنزِل بها القرآن الكريم.

واسمحوا لي أن أتقدّم بالمقترحات الآتية:

أولاً: إنشاء جائزة مهمة كبرى باسم المعلم بطرس البستاني.

ثانياً: تشكيل لجنة الجائزة من أدباء وعلماء كبار لبنانيين وعرب وأجانب.

ثالثاً: تدريس نتاجه الأدبي والعلمي على نطاق واسع في المدارس الثانوية والمعاهد الجامعية.

وأيضاً تدريس العلاّمة الشيخ عبد القادر القباني الذي، هو أيضاً، رائد في النهضة وسابق عصره.

رابعاً: إعداد دراسات ورسائل جامعية حوله في الإجازات والدكتوراه.

خامساً: على صعيد نقابي: نضع في تصرّف «الهيئة» إمكانات وقاعات نقابة الصحافة لعقد ندوات رصينة حوله.

سادساً: على صعيد شخصي: أفتحُ صفحات «الشرق» و»نادين» لكلّ ما يُسهم في تحقيق أهداف «الهيئة الوطنية» لإحياء المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني.

القصيفي

أما نقيب المحرّرين جوزف القصيفي فقال في كلمته: «هيهات لو تُستعاد أعجوبة « أليعازر»، فيدحرج المعلّم بطرس الحجر عن قبره، ويثب من نعشه، كارزاً أنّ الطائفيّة والمذهبيّة ولاّدتا الفتن، على غرار ما فعل في « نفير سورية» بأعدادها الأحد عشر غداة أحداث العام ١٨٦٠، ومذكّراً بشعار «الجنان»: «حب الوطن من الإيمان»، فأي إيمان دون هذا الحب باطل.

هذا الموسوعي الذي طاف على بساط علمه وموهبته كان دائرة معارف ، بل محيط المحيط ، فأمضى عمره بين المحابر والمنابر، وانطبق عليه قول الشاعر:

أتدّعي أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

لم يكن المعلّم بطرس جرماً صغيراً، بل كوكباً مضيئاً، وحضوراً مدوياً، والمتقّدم في دوحة البساتنة».

هذا المفتون بلغة الضاد، وحضارة العرب، الساعي الى تقدّمهم، يستحثّهم على الأخذ بأسباب التمدّن والحداثة، وجد في الصحافة المجال الرحب لتعميم أفكاره، وتوجيه الرأي العام، وتعريفه بقيم التسامح، والحق في الاختلاف، وقبول الآخر، وثقافة العيش الواحد، وما يعكس التنوّع من غنى. هكذا كان في الجنّة و الجنينه ، وقد حوتا الشهي من ثمار الفكر، والعلم والأدب، وعُدّتا نبراساً هادياً، ومدرسة يُقتدى بها.

في مئوية ولادته الثانية يُطلّ المعلّم بطرس بقامته العابرة للزمن أول نصير للمرأة في سورية والداعين إلى تعليمها وتهذيبها، وبطموحه الوثّاب الذي سابق تجواله بين عين ورقه في قلب الجبل الماروني، والمدرسة الوطنية التي أسّس في العام ١٨٦٣، وقد شرّعت أبوابها أمام الطلاّب من كلّ المناطق والطوائف، وكانت المصفاة التي امتصت رواسب محنة الجبل المشؤومة، وأسّست لنهضة وطنية وفكرية سليمة.

هيهات لو تستوحي صحافتنا، بل مدارسنا وجامعاتنا، ما بشّر به المعلّم بطرس وعمل عليه منذ نيف وقرن.

إنّ من يختصر سيرة صاحب الذكرى، هو كمن يحاول حبس المحيط في كوب ماء، نظراً لغزارة نتاجه، ونوعيّة مادته.

إنه المعلّم العلم، الذي قاوم قلماً، وأشاد للضاد هرماً … إنه الكوكب السيّار الذي أضاء ظلمات الجهل… فمن مثله يستحق التكريم … والمئويات… ويبقى ذكره مخلّداً وممجّداً.

وزير الخارجية

كما ألقى أنطوان قسطنطين كلمة وزير الخارجية جبران باسيل ورأى في خلالها أنّ «من علامات النهوض أن نستعيد عصر النهضة بأدبائه ومفكريه. أولئك الذين نفخوا من لبنان روح الثورة على الظلم ومهروا القرن التاسع عشر بخاتم الوعي، فصارت بلادنا منارة حرية ودائرة معارف».

أضاف: «في أساس هذا العصر كان المعلم بطرس البستاني، الذي نحتفل هذه السنة بالمئوية الثانية لولادته، جِنَان الصحافة وجَنَانُها. محيط العربية وحارسها، رسول العلم وروح الوطنية لم يطوِهِ النسيان بل انتظر في ردهة المجد أن يحلّ زمن نبشِ الكنوز. المعلّم بطرس حاضر في يوميّاتنا، يعالج قضايانا المعاصرة. اقرأوه في نفير الحرية. اسمعوه يكافح الفتنة الطائفية بعد 1840 و1860. انصتوا إليه يدعو إلى نبذ العصبيات وينادي بالاتحاد في الوطن.

تفحّصوا أفكاره بفصل الدين عن السياسة كأنه يؤسّس لقيام الدولة المدنية.

تمعّنوا في إنجازاته مؤسّساً للمدرسة الوطنية التي اختلط فيها للمرة الأولى معلمون وطالبو عِلم بلا تمييز طائفي أو طبقي، كأني به يضع المدماك لولادة المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية.

اسمعوه يخطب دفاعاً عن المرأة وحقها في اكتساب العلم وكأني به يفتح باكراً معركة المساواة بينها وبين الرجل في التشريع كما في الممارسة.

انظروا إليه يستنهض الإنسان العربي ويبشّره بأنّ المطابع والمدارس هي ضمانته وبأنّ المعرفة جوهر الحياة. وكأني به يدعونا لنجعَل من لبنان مركز الريادة في العلم والتعليم والإعلام واقتصاد المعرفة.

سلام عليك أيها المتنور وسلام على من يستعيدونك اليوم بارقة أملٍ للشعب الذي أنجبك وللوطن الذي ناضلت في سبيله.»

وختم: «لأنك تحكم في الوطنية والمعرفة ،وتقديراً لعطاءاتك في نشر الوعي وإغناء المشرق بالابداع تعلن وزارة الخارجية والمغتربين أنها، بالتعاون مع جميعة المعلّم بطرس البستاني برئاسة النائب الدكتور فريد البستاني، تسعى لدى منظمة الأونيسكو لتجعل من تاريخ ولادتك في 18 تشرين الثاني أو تاريخ وفاتك في 1 أيار، اليوم العالمي للغة العربية وبذلك نكرِّمك ونكرّم بك لبنان منبع العطاءات.

عشتم، عاش الإبداع والمجد للوطن».

كلودين عون

وألقت المحامية كوليت الحايك مسعد كلمة رئيسة الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة، استهلتها بتوجيه بالشكر إلى جمعية المعلم بطرس البستاني «لحملها إرث المعلم الكبير ولإضاءتها على أعماله وأفكاره».

وقالت: «نحن اليوم أحوج ما نكون إلى التعرف على الشخصيات التي أرست الرُقي في مجتمعنا، وساهمت في تحقيق أحلام شعبنا وكانت وراء نشوء بلدنا. هذه الشخصيات والمعلم بطرس البستاني من أوائلها نشرت أفكار الحداثة في مجتمع كان مكبلاً بقيود الجهل وساهمت في تحرير العقل من وطأة التقاليد. والمعلم لم يكتف بالقول بل اجتهد هو نفسه فتعلم اللغات، وأغنى المكتبات العربية بما ترجمه من مؤلفات وما وضعه من كتب في الحساب واللغة ومن الموسوعات، وأسّس المدارس ونشط في العمل الاجتماعي وأنشأ الصحف، وفي هذا كان مثالاً للعصامية وللأمانة للفكر المستنير. لم تنل الأحداث الأليمة التي شهدها العام 1860 من قناعاته في ضرورة نبذ الطائفية والمذهبية بل زادته تصميماً على المثابرة على نشر المعرفة والثقافة للتخلي عن التقوقع ولمدّ الجسور نحو الآخر».

وأكدت «أنّ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وهي الآلية الرئيسة المعنية بتعزيز أوضاع المرأة في لبنان وبالعمل على أن تكون الفرص المتاحة لها متكافئة مع الفرص المتاحة للرجل، تدرك تماماً مركزية الدور الذي كان للمعلم بطرس البستاني في حركة النهضة العربية. هذه النهضة التي نعتبر أننا نحمل إرثها كنساء. فالمعلم الكبير كان يدعو إلى تعليم النساء في وقت كان العلم محصوراً بالنخب وفي هذا كان يرى سبيلاً إلى إصلاح المجتمع وهو منذ العام 1849 فنَّد خطاباً شهيراً حول ضرورة تعليم النساء، مواقف من لا يشاطرونه الرأي في ذلك مبرزاً ضعف حججهم وفاضحاً جهلهم. فبالنسبة إليه «لم تخلق المرأة لكي تكون في العالم بمنزلة صنم يُعبد أو أداة زينة تحفظ في البيت لأجل الفرجة، ولا لأن تصرف أوقاتها بالبطالة وكثرة الكلام والهذيان، أو تقتصر من الأعمال على كناسة البيت مثلاً… بل أقامها الله، «أماً للخليقة» ولذا هي بحاجة إلى نور وثقافة لكي تستطيع أن تربي الخليقة تربية راقية، لا سيما أنها من طبعها خلقت للمعرفة».

وتابعت: «لقد كان المعلم بطرس البستاني رائداً في عصره في أنه أدرك منذ البداية أن لا مِنّةً في الاعتراف للمرأة بحقوقها الطبيعية إذ أنّ الإرادة الإلهية هي التي جعلتها «أماً للخليقة» وقد ركز منذ البداية على ضرورة تساوي الفرص بين النساء والرجال فقال إنّ علم المرأة ينبغي أن يكون مماثلاً لعلم الرجل إذ كما يقول «لا يمكن وجود العلم في عامة الرجال من دون وجوده في عامة النساء كما أنه لا يوجد نساء عالمات في عالم من الرجال، جاهل». وكان رائداً في أنه أدرك أيضاً أنّ موضوع وضع المرأة هو معيار لمرتبة المجتمعات في الرقي والتقدم ملاحظاً أنّ حالة المرأة في الأمم الوثنية والبربرية ليست بعيدة عن حالة البهائم فيما تتمتع المرأة في البلاد المتمدنة بالحقوق التي يتمتع بها الرجل».

وقالت: «إنّ هذه الأفكار والمواقف التي تبناها معلمنا الكبير والتي كرس حياته للتعريف بها ولنشرها هي نفسها التي تتطلع الحركة النسائية في لبنان إلى تثبيتها. فالرسالة التي نحملها اليوم إلى المجتمع هي الرسالة التي أطلقها المعلم بطرس البستاني قبل قرن ونصف. هذا لا يعني أنّ مجتمعنا لم يتقدم. فجهود المعلم الكبير وجهود أقرانه من أعلام النهضة أثمرت، وبات العلم منتشراً في لبنان والبلدان العربية وباتت إعداد الجامعيات تضاهي أعداد الجامعيين واعداد المتفوقات منهن تزيد عن عدد المتفوقين. وفي لبنان اقتربت أعداد النساء من التعادل مع أعداد الرجال في المحاماة وفي القضاء وباتت النساء تشكلن ما يقارب الربع من أعداد الأطباء والمهندسين وهنَّ بتن يشكلن غالبية الصيادلة والممرضين. لكنّ النهضة الثقافية والحضارية التي حملها المعلم بطرس البستاني ورفاقه، لم تكتمل بعد. فخارج النخب لا تتعدّى معدل مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية نسبة الربع ولا يزال قليلاً وجودهن في الهيئات القيادية للنقابات والأحزاب ولا تزال ضئيلة نسب حضورهن القيادية في المجالس التمثيلية في المجالس البلدية وفي البرلمان».

أضافت: «نحن اليوم في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية نسعى لتحقيق التطلعات التي حملها المعلم بطرس البستاني ونعتز بتراثه وجهودنا تنصَّبَ على إزالة الإجحاف الذي لحق بحقوق المرأة من جراء تراكم مخلفات عصور الفقر والجهل. فنحن نسعى لتنزيه القوانين المدنية من الأحكام التي لا تزال تميز ضد النساء كما نسعى إلى استحداث التشريعات التي تحميها من الممارسات المسيئة لها. من جهة أخرى، ندرك أنه مع كونها أساسية، لا تكفي النصوص القانونية لتحصين المجتمع فالإصلاح الناجح هو الذي يجمع بين تحديث التشريع وتصويب الممارسات

لذا نتعاون مع كلّ المعنيين بتطوير مجتمعنا، من وزارات وإدارات وجمعيات وهيئات أكاديمية ومنظمات دولية من أجل تعزيز مقام النساء ودعم مشاركتهن في عملية النهوض ببلدنا.

واليوم نستبشر خيراً بزيادة عدد النساء في المراكز الإدارية من الفئة الأولى في الوظيفة العامة وبتشكيل الحكومة الجديدة ونعتز بمشاركة أربع وزيرات كفؤات في تحمل مسؤولياتها».

وأشارت إلى أنّ المعلم بطرس البستاني «كان سبّاقاً في مناداته لبناء وطن حر يتساوى فيه المواطنون والمواطنات وتنصهر فيه العائلات الروحية خدمة للإنسانية. وكان سبّاقاً أيضاً في إطلاق الأفكار والمواقف التي ما زلنا فحقوق المرأة هي حقوق الإنسان وقضايا النساء هذ قضايا المجتمع. والرجال كما النساء هم معنيون بهذه القضايا ولهم، كما للنساء أن يعالجونها. كان المعلم بطرس البستاني نصيراً للمرأة ونحن نساء لبنان نعتز أن نكون من بين من يحملونه تراثه ويسيرون على خطاه».

وختمت: «إننا نقدر عالياً الجهود التي تقوم بها جمعية المعلم بطرس البستاني ونرى أنّ مبادرتها لإحياء المئوية الثانية لميلاد المعلم الكبير تقدم خدمة لمجتمعنا. فأجيالنا الشابة بحاجة إلى التعرف على الرموز التي شقت الطريق وحققت الإنجازات، وهي نتطلع إلى التمثُّل بالآباء حاملي أحلامنا ومؤسسي حضارتنا».

أنطوان البستاني

وألقى الدكتور أنطوان البستاني كلمة آل البستاني وجاء فيها:

«حين أنابني آل البستاني إلقاء كلمة موجزة بمناسبة هذا الاجتماع التحضيري للمئوية الثانية لأحد أعمدتهم المعلم بطرس البستاني، انتابتني الحيرة وضارني صعوبة الموقف. فالتواضع المطلوب، وإن كان من شيمنا، لا يفي المحتفى به حقّه. والثناء المحقّ، سوف يُفسّر على غير محمله. لذا، اعتمدت الوصف الإيجابي، وللسامعين الكرام، الحكم.

رَبْعٌ من الأدباء والشعراء واللغويين والمؤرخين والمفكرين من رجال دين ودنيا، يتناوبون ويتواصلون في مؤلفاتهم وإنتاجهم الفكري والثقافي والتربوي، منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى يومنا، وكأنّ الثقافة والأدب عند البساتنة، إرث وتربية. المحتفى به دشّن المسيرة وكان رائدها. وبغضّ النظر عن مؤلفاته القيمة، وليس أقلها موسوعتي «محيط المحيط» و «دائرة المعارف»، اللتين حيثما وجدتا، احتاجتا إلى مجموعات فكرية ومؤسسات علمية لصياغتهما، وحيث لم تكن خدمة التكنولوجيا الحديثة، وسرعة تبادل المعلومات والأرشيف المنظمّ، في خدمته، كان المعلّم بطرس، رجلاً في دولة، وفرداً في مؤسسة، ومرجعية علمية في شعب. وحيث كانت الطائفية، المحرّكة كالعادة من الخارج، في تأجيج وغليان، لم يتوان عن محاولة إخمادها وتذكير مواطنيه بأنّ الله ليس بحاجة إلى من يدافع عنه، بل الوطن بأمسّ الحاجة لذلك. وحين كانت النظرة للمرأة امتداداً لعصر الجاهلية، كانت لديه الجرأة والريادة في المطالبة بضرورة تعليمها وتثقيفها، لتحريرها، متخطياً التقاليد العاصية والحواجز الدينية. وفي زمن كانت مدارس القرى بدائية، افتتح في قلب بيروت، عاصمة الولاية، المدرسة الوطنية، غاية في المستوى العلمي والرقيّ التربوي في ذاك الزمن. وفي عصر البطش السياسي وكمّ الأفواه، أنشأ الصحيفة تلو الأخرى، لإيصال أفكاره وأفكار المتنورين أمثاله، لأكبر عدد من مواطنيه، مساهماً في تنشئة أجيال جديدة تعي معنى الحرية وتطالب بها. خارطة طريق وطنية، سوّية، تنمّ عنه بعد النظر، قادها بطرس البستاني مع أقران له، كاليازجيين، ووليّ الدين يكن، وأقربائه البساتنة في الداخل، ولبنانيي مصر الذين كان لهم الفضل الأكبر في ريادة صحفها، وجبران ونعيمه ومجموعة الرابطة القلمية في عالم الانتشار، أدت إلى خلق جوّ مؤاتٍ وعصر جديد سميّ «عصر النهضة». وللصدفة، جلّهم من لبنان. ومن الطبيعي ألا يقبل آباء النهضة حصرها في لبنان، بل أصرّوا على نشرها في المشرق العربي، مساهمين في إيقاظ الأمة من سباتها العميق وغيبوبتها طوال قرون، فكان ما سميّ «عصر النهضة العربية» وما تلاه من ولوج فجر الاستقلالات.

لبنان الرسالة؟ بالتأكيد! ورائدها محتفانا المعلم بطرس البستاني، الذي، للأسف، طوينا مآثره، ونسينا فضله، وغيبنا ذكراه، إلى أن أتى قريبنا وممثلنا في الندوة البرلمانية البروفسور فريد البستاني، لينفض الغبار عن ذاكرتنا ويثير فينا شعور الذنب عن تقصيرنا، فكان تنظيم هذا الاحتفال في الذكرى المئوية الثانية لولادته. فباسمه وبإسم آل البستاني، أتقدم بالشكر لكلّ الذين قبلوا أو طلبوا المشاركة في تنظيم تلك الاحتفالية، وللجهود المخلصة التي سيبذلوها لنجاحها. لكن، بالواقع، جميعنا سواسية تجاه هذا العظيم، لأنّ المعلم بطرس البستاني لم يعد ابن عائلة فقط، بل أصبح ملك وطن اسمه لبنان. وإن كان أبناؤه اليوم، من حيث يدرون أو لا يدرون، يساهمون في خرابه، فإنّ استذكار هؤلاء العمالقة في تضحياتهم الوطنية، وإنتاجاتهم الفكرية، ودهائهم السياسي، وثقافتهم الأخلاقية، ربما تثير فينا بعضاً من الوعي، كي لا أقول الحياء، لتصحيح مسارنا والمحافظة على الكنز الذي تركه لنا الأسلاف قبل فوات الأوان.

نقاشات واقتراحات

بعد اختتام الكلمات، عقدت جلسة نقاش بين الحاضرين الذين قدموا جملة من الاقتراحات، فقد لخّص النّقيب عصام كرم إرث المعلّم بطرس البستاني بأربع نقاط:

1 – الرّجل المنفتح

2 – الرّجل المثقّف في العلم والمعرفة

3 – رجل العيش المشترك

4 – الرّجل الذي يساهم في تعريب الكتاب المقدّس وطبع ما تبقّى من دائرة المعارف.

أما الدكتورة زهيدة درويش فاقترحت إعلان الفترة التي تمتد من 18 تشرين الثاني 2019 وحتى 18 تشرين الثاني 2020 سنة المعلّم بطرس البستاني مع كلّ ما يتبع ذلك من نشاطات تثقيفية في المدارس.

فيما وضع مدير عام المكتبة الوطنية الدكتور حسان عكرة إمكانيات المكتبة الوطنية وأرشيفها بتصرّف جمعية المعلّم بطرس البستاني ووضع نفسه شخصياً في تصرف اللجنة.

وأكدت عميدة كلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتورة تيريز الهاشم أنّ اللغة هي نصف الوطن وشدّدت على ضرورة إضافة تعميم تعليم تاريخ المعلّم بطرس البستاني وإنجازاته في المناهج.

وحيّا النائب إدغار طرابلسي عمل وإرث المعلّم بطرس البستاني الذي لولاه لما وُجدت التسخة العربية من الكتاب المقدس، وأعلن أنه مستعدّ لأي مساعدة في أي مركز كان. وثمّن الباحث جان دايه أهمية العمل على إعادة تأهيل المبنى التاريخي الذي كان مركزاً لتعليم ثقافة المعلّم بطرس البستاني.

واقترح الكاتب سليمان بختي نشر مؤلفات المعلّم بطرس البستاني ليتمكن الجيل الصاعد من قراءتها والاستفادة منها. كما اقترح تنظيم مؤتمر أكاديمي لبحث نتاجه وتسمية المدارس الرسمية بالمدارس الوطنية. وأكّد الدكتور ربيع الدبس أنّ التراث لا يعني الماضي فقط بل يعني أنّ التراث هو المستقبل.

فيما أطلق الفيلسوف ناصيف نصار على المعلّم بطرس البستاني لقب «المثقّف النهضوي» وهي صفة علمية وليست سياسية ودعا إلى عدم زجّ اسم المعلّم بطرس البستاني بأي فكرة سياسية.

واقترح الأب عبدو أبو كسم إقامة مسابقة لاختيار أفضل فيلم وثائقي عن المعلّم بطرس البستاني.

حمادة

وأشار وزير التربية السابق النائب مروان حمادة، في تصريح لـ»البناء»، إلى أننا «مع المعلم بطرس البستاني ندخل إلى أهم ما يكتنز لبنان من خدمة للغة العربية إلى الدوحة البستانية والمعلم بطرس أجاد في ترجمة الكتاب المقدس وكتب المراجع الحديثة في نهاية القرن الماضي ونهاية القرن الحالي وفتح المجال أمام كُثر من البساتنة الذين لمعوا أيضاً، لكنّ بطرس البستاني هو من وضع الحجر الأساس لهذا التمثال الهائل، وأن يكون أبرز الأدباء المسيحيين العرب اللبنانيين الذي حمل اللغة العربية وكان أسلافه في الأديرة أنشأوا المطبعة العربية الأولى وهذا إنجاز كبير يشدنا إلى الوحدة الوطنية».

وأسف حماده «كيف أننا، كلبنانيين، تربطنا لغة وتقاليد وتاريخ موحد ولم نستطع بعد كتابة تاريخ موحد». وقال: «اصطدمت بما اصطدم به أسلافي من الوزراء وقد يصطدم به من خلفني في الوزارة أي الاتفاق على قراءة تاريخ موحد وهذا أساس في توحيد العنصر الوطني لفئات الشعب اللبناني كافة». وتمنى حماده لوزير التربية الجديد «أن يخطو خطوات في موضوع المناهج، خصوصاً التربية والتاريخ».

الحلبي

واعتبر القاضي عباس الحلبي في حديث لـ»البناء» أنّ «إحياء ذكرى المعلم بطرس البستاني هو نوع من تكفير الذنوب عن التغييب الذي لحق بكثير من الشخصيات الفكرية والأدبية اللبنانية»، مشيراً إلى أنّ «المعلم بطرس كان سباقاً لعصره ويملك أفكاراً تقدمية كثيرة والمؤسف أنّ العناوين التي نادى بها في القرن التاسع عشر لا تزال حاضرة في الوقت الراهن في كثير من القضايا، إن كان ما يتصل بالدولة المدنية أو بفصل الدين عن الدولة أو المساواة بين الرجل والمرأة».

واعتبر الحلبي أنّ «استحضار هذه القامات تشكل معركة أمام جمعية المعلم بطرس البستاني على إحياء هذا التراث الكبير ونُحيي مبادرة النائب فريد البستاني في هذه الخطوة». كما أشار الحلبي إلى أنّ «حدود المعلم البستاني كانت بلاد الشام ولكنه ابن الجبل لما لذلك من رمزية كبيرة، فهو المسيحي الماروني الذي لم تحركه الطائفية في وقت كانت الأحداث الطائفية في جبل لبنان على أشدّها، بل بالعكس كان فكره وطنياً وقومياً وهو من الشخصيات الطليعية وركن أساسي من أركان عصر النهضة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى