رفيق نصرالله: لتكوين خبراء وتقنيين قادرين على إعادة تصنيع الرأي العام وتحسين استخدام تكنولوجيا المعلومات

لورا محمود

شهد العالم ثورة تقنية هائلة في مجال الاتصال والتواصل ولا شك في أن وسائل

التواصل الاجتماعي جسّدت بشكل واضح هذه الثورة التكنولوجية التي فرضت نفسها وبقوة على المجتمعات والشعوب، وأصبح لها تأثير في تشكيل وتوجيه الرأي العام فسهّلت التواصل وتناقل الأخبار والمعلومات، وهذا ما اعتبر إحدى إيجابياتها، لكن لسلبياتها الأثر الأكبر. فمن خلالها أسقطت أنظمة وشوّهت حقائق وتحولّت وسائل التواصل الاجتماعي منصات للتضليل الإعلامي والإساءة لمفهوم الديمقراطية والدين في العالم. لذا نظّم اتحاد الصحافيين منتدى حوارياً بعنوان «وسائل التواصل الاجتماعي منصات الكترونية عناصرها وأدواتها والتعامل معها» في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق وركّز المحاضرون على أهمية انعدام الحوار العقلاني في الميديا الناعمة، وكيف استخدمت «إسرائيل» الميديا لخدمة مصالحها، وكيفية استخدامها منصات التواصل الاجتماعي في الحرب على سورية.

وقد أكد رئيس اتحاد الصحافيين موسى عبد النور على خطورة الإعلام الرقمي في الحروب المعاصرة وأهمية تنظيم عمل هذا الإعلام ضمن خطّة التصدّي للحرب الشرسة المعلنة ضدّ سورية بكل الوسائل.

نصرالله

وبدوره تحدّث مدير المركز الدولي للإعلان والدراسات رفيق نصرالله قائلاً: لقد بدأت موجات من الإعلاميين الليبراليين تغزو القنوات العربية الفضائية بعد عام 1998، حيث برزت ملامح لما سُمّي إنشاء إعلام عربي جديد متمرّد على السائد وتحت حجة استخدام عناوين ومصطلحات براقة مثل الرأي والرأي العام والرأي الآخر وحرية التعبير ومشاركة كل القوى والتيارات في التعبير عن نفسها، فيما بدأت تظهر حالة هيستيرية من إنشاء المحطات سواء التي تملكها الأنظمة النفطية بشكل غير مباشر او محطات رجال الأعمال أو القوى والتيارات من دينية واقتصادية مشبوهة، كما بدأت تظهر قنوات متمردة على الإعلام النمطي السائد وراحت تقدم نماذج من برامج سياسية ونشرات أخبار متفلّتة موجهة لرأي عام لا يزال أربعون بالمئة منه من أشباه الأميين ولا يملك ممارسة ثقافة الحرية أو الديمقراطية أو التعبير واجتاحت تلك المحطات هذا الرأي العام التائه المكبوت الذي يعاني من مكبوتات سياسية وجنسية ودينية واجتماعية وسرعان ما وجد هذا الرأي العام نفسه ضحية أمام هذه الاجتياحات التي طاولت يومياته فصار ضحية

لها على قاعدة ما قاله جورج أوديب إن الرأي العام مثل الأسماك التائهة في المحيطات المظلمة نحن نعطيها الضوء فتأتي إلينا فنأخذها حيث نشاء».

وأضاف نصرالله: كما للحرب عسكرها وجنرالاتها وخبراؤها وغطاؤها السياسي، فإن في الحرب الناعمة واستخدامات الميديا لا بد من وجود الخبراء والصناع والتقنيين القادرين على إعادة تصنيع الرأي العام. ولا بد هنا من حسن استخدام تكنولوجيا المعلومات.

وفي حديث لـ»البناء» قال نصرالله: تعتمد الحرب الناعمة والميديا الناعمة على أساليب الخداع المعتمد في الحروب النفسية والمدروسة والتي تستخدم كل ما تملك من أدوات تأثير تنطلق من ضرب قدرات الآخر ثم العمل عليه وتحويله الى ما يشبه قطعة أرض صغيرة سيزرع فيها نبات جديد، وهنا سيفقد المتلقي وبسرعة لغته وثقافته ومصطلحاته وعاداته وحيويته الاجتماعية وستفقد المدينة مساحاتها وملامحها لتصير مجرد شوارع وتقاطعات وستتحوّل مداخل المباني الى مطاعم ومقاهٍ وسيفقد هذا المتلقي علاقاته الأسرية ورموزه وسيتحوّل الى كائن قادر على ان يمارس عبر جهاز يحمله بيده كل ما يشتهي، وسيجد هذا المواطن انه لم يعد معنياً بالوطن، ولا حتى بالأمة وأن الخرائط تضيق عليه ولا بد من خريطة خاصة بمعنى وجود خصوصية خريطية وستغيب من أمامه كل الصور والشعارات

والأغاني المشتركة التي تتحدّث عن الوطن وعن القومية وعن فلسطين وعن العروبة وحتى عن الحب.

وأشار نصرالله إلى أن هذا المتلقي سينسى «الإسرائيلي» وسيرى عدوه الجديد من نافذة بيته حيث نافذة جاره، وسيتذكر هذا المتلقي بسبب هذه الأدوات مذهبه وطائفته ومنطقته وسيسارع عندما تقع المواجهة الى استخدام السكين كما يرى على

الشاشات وسينعدم الحوار العقلاني في الميديا الناعمة التي ستحمل بشغف لقب الميديا المتوحشة بكل ما تتضمّن من دلالات وسيفقد المتلقي العربي أدبيات النقاش.

الحلبي

ومن جانبه تحدّث الكاتب السياسي والمختص بالشؤون «الإسرائيلية» تحسين الحلبي عن مقال نشر في عام 1998 لبرفسور في جامعة برينستون الأميركية بعنوان «مستقبل القوة الأميركية» وحدّد ثلاث قوى أساسية للولايات المتحدة الأميركية وهي: القوة العسكرية التقليدية والقوة النووية والقوة الناعمة. ولم تكن في ذاك الوقت مسألة القوة الناعمة واسعة الانتشار. وهي أوسع من اسمها من حيث المعنى وطبعاً عندها كان هناك غياب لوجود الاتحاد السوفياتي أي كان هناك قطب واحد وهو أميركي. وتحدث المقال عن هذه القوى. فبالقوة النووية نحن وروسيا متساوون، وبالقوة التقليدية نحن والعالم تقريباً متساوون، لكن بالقوة الناعمة سنكون نحن أسياد هذا العالم. وهي القوة التي تجعل الإيراني المعادي لأميركا والمناهض لسياستها في طهران يفضل أن يلبس الجينز الأميركي فأميركا هي القوة الناعمة ولا أحد قادر على التغلّب عليها.

وتابع الحلبي: أما «إسرائيل» فاعتقد انه مثلما صنعت أميركا القوة «الإسرائيلية» العسكرية واعتبرتها حاملة الطائرات التي لا يمكن إغراقها لأنها حاملة طائرات موجودة على الأرض في فلسطين، وبالتالي من الطبيعي أن تكون «إسرائيل» كقوة إقليمية من عام 1998 الى الآن لها دور هائل جداً في هذا المضمار أي مضمار الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي.

ونوّه الحلبي إلى أنه في عام 2005 استخدمت «إسرائيل» كل الوسائل لشيطنة القيادة السورية بمسألة اغتيال الحريري وظلّت الحرب مستمرة على سورية وطويت هذه المرحلة نسبياً بانتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز ولم تنفع مسألة اغتيال الحريري ولم تنفع كل قدرات الميديا «الإسرائيلية» على شيطنة هذه القيادة والتخلص منها ولم تستطع التشكيك ونزع ثقة الجمهور بها، لذا انتقلوا لمرحلة تشبه مرحلة اجتياح عام 1982، ولكن انتصرت سورية وحلفاؤها وبقيت «إسرائيل» تنتظر الفرصة للعودة مرة أخرى، فجاء عام 2011 فبدأت «إسرائيل» بالعمل على تغذية كل القنوات العربية التي اعتبرت اولويتها الآن هي سورية كقناة الجزيرة والعربية وغيرها.

وتحدّث الحلبي لـ»البناء» عن «إسرائيل» ودورها في الحرب على سورية قائلاً: منذ اللحظات الأولى للأحداث السورية كان واضح أن هناك أهدافاً «إسرائيلية» وضعت من أجل أخذ الفرصة الذهبية لتفتيت كل قدرات سورية العسكرية والسياسية والمعنوية. وبالتالي أي شعارات تغذّي ذلك بدأت «إسرائيل» بها. الهدف كان شيطنة القيادة ونزع الثقة بينها وبين الشعب والجيش بالإضافة للتحريض المذهبي فمنذ بداية الأحداث في سورية ظهرت الشعارات المذهبية.

وأضاف: لقد عملت «إسرائيل» أيضاً على حرمان سورية من حلفائها الاستراتيجيين. فبعد تفتيت الجبهة الداخلية من خلال الشق المذهبي وإضعاف قوة سورية المستمدة من حلفائها الإقليميين إيران وحزب الله بدأت بالحملة الإعلامية الشرسة على سورية والتي تعتبر لا سابقة لها إذا عددنا عدد القنوات التي كانت تستهدف سورية كل ساعة وكل يوم.

مرتضى

أما مدير مكتب قناة «العالم» في دمشق الإعلامي حسين مرتضى، فقال: إن الصورة بالنسبة لي ليست سوداوية، فبالرغم من كل ما يضخه «الإسرائيلي» بالنسبة لسورية ولمحور المقاومة وهذا الكمّ الكبير من وسائل الإعلام والأموال والفضاء المجازي ما زلنا نحن موجودين واستطعنا أن ننتصر وحققنا الانتصارات العسكرية والإعلامية. وهذا بحد ذاته انتصار وانتصار كبير ليس فقط على الصعيد العسكري ولا على الصعيد الاقتصادي ولا على الصعيد الأمني، إنما أيضاً على الصعيد الاعلامي وانا لا اتحدث بالشعارات وانما أتحدث عن وقائع وحقائق.

وتابع: ما نريد أن نبحثه في هذا الملتقى هو كيف يمكننا أن ننتقل الى هذه المرحلة الجديدة التي انتقل بها العدو لتكتيك آخر بمعنى عندما نتحدّث عن الإعلام التقليدي، وهنا اقصد وسائل الاعلام التلفزيونية والتي سواء قبلنا أم لا ذهب جزء كبير من رونقها او من مشاهديها وأصبحنا الآن نستخدم الإعلام الجديد أو الفضاء المجازي الذي يضم كل هذه الوسائل الإعلامية التي يمكن ان نستخدمها من خلال الهاتف الموجود بيدنا ونتحكّم به ومن هذا المنطلق نعرف أنه في الحروب والمحطات السابقة كانت دائماً السياسة هي التي تصنع الإعلام. وهذا مصطلح علينا أن نركّز عليه لندرك أهمية ما نقوم به في هذه المرحلة.

ففي السابق كان هناك حدث سياسي معين يتم الترويج له ومن ثم تقوم وسائل الإعلام او الإعلامي بالتعاطي مع هذا الحدث، لكن في سورية اختلفت هذه المعادلة كلياً أصبح الإعلام هو الذي يصنع الحدث وأصبح الفضاء المجازي هو الذي يصنع الحدث، وهو الذي يأخذ الجمهور وحتى وسائل الاعلام وفي الكثير من المحطات التي مررنا بها في هذه الفترة كانت وسائل التواصل الاجتماعي تفرض على الإعلام التقليدي وعلى المحطات سواء السورية أو المحطات التابعة لمحور المقاومة حدثاً ما وتفرض عليها أن تجيب على معركة ما وتفرض عليها أن تجيب على حادثة وقعت هنا أو هناك.. هذه حقائق ووقائع.

وأضاف مرتضى: أول تجربة كان فيها استخدام لمواقع التواصل الاجتماعي في عام 2009 كانت في الاضطرابات التي حصلت في إيران. ومنذ ذلك التاريخ بدأ استخدم مواقع التواصل الاجتماعي كبديل لقنوات التلفاز ومن ثم انتقلت الى مصر وتونس والكثير من الدول العربية.

ولفت مرتضى إلى أن هناك منصات إلكترونية تخاطب العدو وباللغة العبرية، ولو لم يكن لدينا. وهذه المنصات ما كنا كشفنا الكثير من المخططات التي أوصلتنا لهذه الإنجازات.

وعن سورية وكيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي أثناء الحرب قال مرتضى: لقد قمنا باستطلاع ووجدنا أن أكثر وسيلة يستخدمها السوريون هي «الفيسبوك» لذا كان علينا ان نواجه الصورة بالصورة واستخدام الأسلوب نفسه، الذي تستخدمه المجموعات المسلحة أي أسلوب الدول الممولة لهم من الرسائل السريعة الى الصور الفوتوغرافية، إضافةً إلى ضخّ الأخبار الكاذبة ومحاولة إضعاف الروح المعنوية والقتالية للناس.

وختاماً أشار رئيس قسم الأدلة الرقمية بفرع مكافحة جرائم المعلوماتية المهندس دياب الحمد إلى تقنيات العمل والمتابعة لوسائل التواصل الاجتماعي عبر معرفة مكان إدارة الصفحات ومضمون ما تبثه لضمان عدم الوقوع في فخ الاختراق وانتحال الشخصيات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى