لا تستحق أن يُبكى عليها!!

أبشع الخيانات، خيانة القناعات، قناعات تربيّت عليها، تعايشت معها كما تتعايش مع أفراد أسرتك. لتجيء لحظات رماديّة وتحاول أن تغيرك أنت وقناعاتك.

أكثر من ثماني سنوات والسوريون متناقضو الانتماءات والقناعات، الانتماءات السياسية والهويات المذهبية، ربما بسبب التقية التي سادت المجتمع السوري قبل الثورة. وربما بسبب الخوف المتأصل داخلنا والذي يمنعنا من التعبير عمّا يجول في خاطرنا ضدّ الآخرين، لهذا كان مباغتاً وصادقاً للجميع، ذلك الاصطفاف الذي حصل لحظة الثورة السورية كما أسموها، الاصطفاف الطائفي الذي أخذ معه عدداً كبيراً من المثقفين والمبدعين السوريين، فتحوّل خطابهم إلى خطاب طائفي أو خطاب براغماتي طائفي مغلّف بقشرة وطنية، ربما يحتاج السوريون إلى سنوات طويلة لتحليل هذا الخطاب وما خلّفه من ظواهر غير محزون عليها. الانقلاب في هذا الخطاب من خطاب يومي ثقافي تعايشي وتشاركي عابر للطوائف إلى خطاب طائفي ومذهبي رافض للآخر، والحديث في معظمه عن المثقفين لا عن عامة الشعب، للعامة شأن آخر يستدعي التفهّم بفعل الاستبداد الطويل.

بعد هذه الخطابات، بدأت المزايدات علينا، فجأة بدأوا يستخدمون خطابات من موزمبيق لم يسمع بها أحدنا وبدأت ثورتهم اللعينة. نعم لعينة وبامتياز لأنها حولت من الأخ عدوّاً لأخيه عندما اشتراه صاحب الخطابات ببعض الدولارات، وأيّ حال مزرٍ وصلنا إليه بعدها؟ تداعيات الذاكرة التي تحدث كل عام في مثل هذا الأيام من السنة، ذكرى أبشع وأفظع ثورة حدثت في تاريخ البشرية.

ستخون قناعاتك، وتشاء غيوم القدر أن تلتقط أكثرنا لتحملنا إلى بيئة أخرى لنستأنف فيها دروسها وما أقساها دروس الحياة زمن الحرب والثورات. هذه الحسابات والرقابة الشرسة اللتين جعلتا حبل الحياة يلتف حول عنقنا ويكون التحدّي مفتاح الطريق إلى الحرية.

كيف سننسى هذه الذكريات المرّة كالحنظل؟

غولدا مائير رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي سابقاً، سألها صحافي مرة: ما أتعس يوم مرّ عليك في دولة «إسرائيل»، وما أسعد يوم؟

فقالت له: أتعس يوم مرّ عليّ في دولة «إسرائيل» كان يوم أحرقنا المسجد الأقصى! قلتُ في نفسي سيهجم علينا العرب ويذبحوننا! أمّا أسعد يوم فكان في صبيحة اليوم التالي عندما لم يفعلوا شيئاً!

قاتلها الله كانت تُحسن بنا الظن، وما أتعسنا، يكفي المرء تعاسة أن يخيّب ظنّ عدوّه به!

رغم كلّ ما حصل لن نبكي على هذه الأيام السوداء التي سرقت أحلامنا وراح ضحيتها خيرة شبابنا. في المدرسة يعلمونك الدرس ثمّ يختبرونك، أمّا الحياة فتخبرك ثمّ تعلمك الدرس ومن أهم الدروس التي يتوجب علينا تعلمها إذا مات رأس الأفعى مات معها كلّ من يتبعها وإذا نهضت فستقتل الجميع. اللعنة على كلّ من أشعل الفتنة وتركنا نغرق ببحر من الدماء…

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى