«سوتشي»… مسارات الحلول بتوقيت دمشق

أمجد إسماعيل الآغا

كثيرة هي الملفات التي ستُناقش على طاولة سوتشي في اللقاء الذي سيجمع الثلاثي الضامن روسيا تركيا إيران، فالسعي الحثيث لحلحة الخلافات المتعلقة بـ المنطقة الآمنة، التي تُصرّ تركيا على إقامتها في شمال شرقي سورية، مروراً بمصير مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، وصولاً إلى وضع محافظة إدلب التي باتت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام » جبهة النصرة سابقاً المصنّفة إرهابية، كلها ملفات تحتاج إلى تقريب وجهات النظر بُغية توحيد الجهود حيال رؤى الحلّ السياسي في سورية، حيث أنّ تكثيف المحادثات سيكون له وقع يرتبط بشكل مباشر في تأسيس منظومة متشابكة من التفاهمات، لا سيما بعد المراوغة المتعمدة والمماطلة من قبل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي المُبرم بين موسكو وأنقرة في 17 أيلول/ سبتمبر 2018، بيد أنّ الدولة السورية لا تزال تنظر للوقائع بعين السياسة، بُغية استثمار جملة الانتصارات الميدانية التي تحققت خلال الفترة الماضية، في مقابل استثمار أردوغاني لعامل الوقت والذي يُريد من خلاله جذب الأميركي للتفاوض على ملف شرق الفرات والكرد، وبين الاستثمارين يبدو من الواضح أنّ هدف الدولة السورية على المستويين السياسي والعسكري، هو استعادة السيطرة الكاملة على ما تبقى من مناطق خاضعة لأهواء ترامب وأردوغان، مع تحجيم الأهداف الخبيثة لـ ترامب حيال انسحاب قواته من سورية، بالإضافة إلى توجيه ضربة تكون كفيلة بإيقاظ أردوغان من أحلامه الإنتهازية.

في سياق التجاذبات السياسية التي تُعدّ السمة الأبرز في مناخ التفاوض، يبدو أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل على احتواء الهواجس التركية حيال الملفات الأمنية المتعلقة بـ الشرق السوري، لكن في مقابل تفهّم بوتين للقلق التركي، لا يمكن أن يُقدّم لأردوغان امتيازات سياسية بإطار عسكري، فهذا يُجافي سياق الاستراتيجية الروسية في سورية، بيد أنّ الطرح الروسي المتعلق باتفاقية أضنة هو رفض واضح لأيّ توجه أردوغاني في شرق سورية، مع تعويل روسي على جذب سورية وتركيا إلى طاولة مستديرة من أجل فتح باب التفاهمات، لكنها تفاهمات لن تكون إلا امتداداً للانتصار السوري الذي ثبت أركانه في الجغرافيا السورية، فقد بات أيّ باب تفاوضي سيُفتح انطلاقاً من أبجديات دمشق وانتصارها، وبهذا تبدو قمة سوتشي في زمان أقرب الى وضوح الرؤى وتفعيلها واقعاً سياسيا، عما سبقها من اجتماعات احتضنها منتجع سوتشي.

أدبيات سوتشي عنونت سابقاً حيال تسوية ملف إدلب لجهة المنطقة المنزوعة السلاح، لكن أردوغان وبتواطؤ أميركي، تمّ استثمار جُملة ما تمّ التوصل إليه بين بوتين وأردوغان عبر سيناريوات تُمهّد لعزل إدلب سياساً، ليُصار لاحقاً إلى اقتطاعها وضمّها إلى تركيا، وذلك وفق الرؤية الترامبية والأردوغانية، لكن اليوم، ومع سيطرة جبهة النصرة على غالبية إدلب، وهو أمر ما كان ليتمّ دون موافقة تركيا وضوء أخضر أميركي، حيث أنّ تركيا وأميركا تسعيان إلى إطالة أمد الحرب في سورية، وتشظي المسارات السياسية والميدانية، بعد فشل غير معلن للاستراتيجية الأميركية في سورية، ودور أردوغاني باحث عن امتيازات سياسية دافئة هنا أو هناك، تَقيه برد الهزيمة الأميركية وتداعياتها على مستقبل أردوغان السياسي، وبالتالي ضمن هذا المعطى الذي بات سورياً في زمانه ومكانه، لم يعد بمقدور سوتشي وأروقتها التغاضي عن ملفات إدلب ومنبج وشرق الفرات، فالمماطلة التركية والالتفاف على قرارت سوتشي، والسعي الأميركي لعرقلة أيّ حلول سياسية، عليه ستكون هذه القمة بمثابة رفع اليد التركية عن إدلب وكفها، تمهيداً لعمل عسكري سوري في إطار زمني تحدّده القيادة العسكرية السورية لتحديد الساعة الصفر، خاصة أنّ الحشود العسكرية السورية مع زخم هجومي كبير، باتت في مرماها كلّ المعطيات التي تؤكد أنّ العمل العسكري سيكون قريباً جداً، يُضاف إلى ذلك العمل على تقويض السياسة الأميركية الرامية إلى استثمار ما أمكن من بقايا إرهابها في سورية، لذلك ستكون قمة سوتشي وبالاستناد إلى ما سبق من معطيات، بوابة لجُملة واسعة من التفاهمات مع بقاء هامش مدروس ومخطط له، لجهة مناورات واشنطن وأنقرة في سورية.

الجهود السورية بشقيها السياسي والعسكري تتركز على إلغاء الدور التركي التخريبي في الجغرافية السورية، فضلاً عن إذابة الدور الأميركي في التراب السوري، مع هدف استراتيجي واضح يتمثل في استعادة السيطرة الكاملة على الجغرافية السورية، وبهذا تعمل دمشق على إنجاح قمة سوتشي من خلال تحقيق أمرين أساسيين، وبشكل متواز، وهما دحر الإرهاب وتحقيق الحلّ السياسي، وتستند بذلك على حليفين قويين يشاطران الدولة السورية رؤيتها واستراتيجيتها في ضرورة استعادة إدلب وشرق الفرات، فمرحلة الانتصارات بدأت، ولا يمكن بأيّ حال من الاحوال أن تكون مسارات الحلول وفق توقيت مغاير لتوقيت دمشق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى