الدراما العربية لرمضان عام 2019: إرباكات في ذاكرة مثقوبة والهروب إلى مجهول! 3 الدراما المصرية تحتاج إلى عناية سريعاً والسوق الخليجي لا جديد أو تميّز بالعروض

جهاد أيوب

أكثر من 25 عملاً درامياً خليجياً عرض هذا العام، وهذه حالة لم تحدث في تاريخ الفنّ الخليجي، منها ما جاء كرسائل سياسية كالانتاج السعودي، والباقي بغالبيته كان إنتاجاً كويتياً منوعاً بين البيئة القديمة والمعاصر مع تواضع الكمّ وتميز القليل منه، وعملين من قطر، ومن أجل إثبات الوجود بعض الأعمال غير المؤثرة من الإمارات وسلطنة عمان!

لا يزال نجوم الصف الأول ومن جايلهم يقدمون أفضل إنتاجهم، وحضورهم يساهم بالتنافس رغم تفاوت الأعمال، ومنهم حياة الفهد، وسعد الفرج، وسعاد عبدالله، وجاسم النبهان، واسمهان توفيق، وعبد الرحمن العقل، وداوود حسين، وإبراهيم الصلال، ومحمد جابر، وهدى حسين، وسليمان الياسين وعودة موفقة بعد غياب للفنانة هيفاء عادل.

لا خلاف على أن هذا العام يحسب بالكمّ والانتشار لصالح الدراما الخليجية وليس بالنوعية، ورغم الملاحظات الكثيرة على النصّ والإخراج إلا أننا أمام أداء تمثيلي بمجمله لافتاً ومؤثراً ومتقناً نوعاً ما، ويوجد كمّ من الوجوه الشبابية الواعدة، والتي تتعامل مع الدور بجدّية على عكس ما كنا نشاهده سابقاً مع بعض التحفّظ. مشكلة الدراما الخليجية بأنها تسوق وبإصرار البكاء والكأبة لا بل يتنافسون على ذلك، وأن من يكتبها خاصة البيئية التراثية منها والتاريخية لا يقومون بجهود معلوماتية زمنية، ولا يفقهون بلهجتهم القديمة، ويقحمون الماضي بالمعاصر بطريقة مضحكة ويستخفون بعقول المشاهد، ومنها «دفعة القاهرة» بشكل خاص، ومن ثم «إفراج مشروط»، و«وما أدراك ما أمي»، و«لا موسيقى بالاحمدي»، «وغرس الود»، ونهمس لمن قام بإخراج هذه الأعمال أن هذا النمط من الأعمال والتي تتشابه وتتكرّر تتطلب إضاءة خاصة ومدروسة وليس إضاءة مسرح تعتمد على التسطيح الضوئي.

كما لا بد من عين جديدة تكون شريكة في الحدث لا أن تكون مجرد صورة فوتوغرافية، لذلك جاءت غالبية الأعمال الخليجية إخراجياً نسخة مكررة بصرياً في الصناعة والتنفيذ، وبعيدة عن رؤية الإخراج.

بعض الأفكار مشتركة ومتشابهة، ولا تخوض في النقد الاجتماعي ولا السياسي، لا بل هي متصالحة مع النظام ولا تسعى إلى المشاكل، صحيح أن بعضها أخذ هذا العام على عاتقه الدخول إلى الواقعية ولكن بخجل، والتراثي ليس واقعياً بل هو من الماضي المحبّب دون هدف.

ويوجد كم من النجوم الشباب موزعاً على غالبية الإنتاج الخليجي وتحديداً الكويتي، أما وجود الممثل الواحد في أكثر من عمل فأضرّ وجوده والعمل معاً، وقد يصنع له الانتشار ولكن لا يصنع التميّز. والقاسم المشترك عند هؤلاء الشباب خاصة الصبايا التحدث بسرعة مما سبب مخارج حروف غير سليمة في حوارات أصبحت مشربكة، وعدم إيصال الكلمة بوضوح، باختصار من كثرة سرعة النطق أصيبت أدوار الصبايا بالثرثرة، وطرحت إشكالية ما يدرس في معاهد التمثيل، وما علاقة المخرج بأصول السمع؟!

كما أن الشخصية المصرية، واللبنانية ومن ثم العراقية كانت موجودة في أكثر من عمل، وهذا تصالح البعد الدرامي مع الحياة الخليجية وحضور المواطن الوافد، وتأثيره.

الأعمال

من الأعمال اللافتة لهذا العام «حدود الشرّ» بطولة حياة الفهد، والتي قدّمت دوراً مركباً نفسياً ببساطة الخبيرة، وأحمد الجسمي أعطى الثقة والإتقان في تجسيد دوره، وهبة الدري متميزة.. وكما تصالح مع النص المخرج أحمد دعيبس لينجح وبتفوق بالتقاط تعابير الممثل والمشهد كما لو كان إبن البيئة، عمل فيه النضوج الفني من أكثر من زاوية.

«الديرفة» أثبت حضوراً لافتاً، والمفاجأة كانت المخرج مناف حسن عبدال نتمنى أن لا تكون صدفة بل استمرارية تتطوّر لتقطف التميز والنجاح، هنا نحن أمام مخرج على ما يبدو يفقه بالأعمال البيئية حتى التميز عن غيره. هذا العمل يحسب له وعليه أن يفتخر به. و«موضي قطعة من ذهب» قدّم شخصية تراجيدية معقّدة للممثل المجتهد داوود حسين خارج الكوميديا وبتميز يُحسب له، العمل مدروس رغم بعض السقطات الإخراجية التي كان بالاستطاع تلافيها.

و»دفعة القاهرة» قدّمت وجبة مشرقة من وجوه تمثيلية شبابية استطاعت أن تتفوّق على مشاكل النص، وكلاسيكية الإخراج الذي ترك الممثل على راحته، ربما لثقته بهذه الجهود ومع ذلك هذا خطأ. وعليه أن يهتم أكثر بإعادة ترميم الحوار والسيناريو خارج ما وصلنا فأحياناً حوارات ساذجة لا تؤثر، وأحياناً فيها عمق للشخصية والدور والعمل. عاب هذا العمل الكمّ الكبير من مغالطات التاريخ واللهجة، وإشكالية تقديم المرأة الكويتية!

«أجندة» رغم الشربكة بالقصص وبالمشاهد غير المترابطة، وتواضع الإخراج في التقاط الكادر الصح لكنه قدّم لنا أكثر من ممثل خاصة فؤاد علي الذي يبشّر بممثل رائع، ستكون له مساحة كبيرة ويستحقها، وأيضاً الشاب عبدالله الطليحي قدم دوره بذكاء وإتقان، والأجمل شخصية «عمر» للممثل سليمان الياسين، وهو هنا في أجمل أداء.

«حضن الشوك»، و«عذراء»، و«وما أدراك ما امي»، و«مني وفيني»، و«غرس الود»، و«لا موسيقى في الاحمدي»، و«العاصفة» تحتاج إلى قراءة جديدة نصاً حواراً وإخراجاً، نفذت خارج الرؤية الإخراجية رغم اختلاف الزمان والمكان والعصر.

المصري

بسبب التغيّرات التي شهدها سوق الإنتاج العربي، وبالتحديد المصري، وفشل الجهات المنتجة في تسويق أعمال نجوم الصف الأول خاصة أعمال عادل إمام ويسرا، وتعثر الجهات المنتجة، والتدخل السياسي في تسيير الدفة غاب العديد من نجوم الدراما المصرية أمثال يحيى الفخراني، وعادل إمام ويسرا، ونيللي كريم وأكرم حسني وشيكو وهشام ماجد، والرقابة المسيطرة والتحكم بحرية الفن أصيب الموسم بالضعف، وكنا قد ذكرنا في السنوات الماضية أن عدم تطور العقلية الإنتاجية المصرية، وذهنية الفنان المصري وعقدة النجم الأوحد والتسييس قد توصلهم إلى تراجع حركة التسويق والبيع والانتشار، ناهيك الضرر الكبير بسبب سياستهم المتبعة مع الفضائيات وهذا سبب ركوداً في تحصيل المال، وانخفاضاً بالقدرة الشرائية فالفضائيات لم تتمكن من سداد الأموال المستحقة عليها للمنتج عن سنوات مضت، والمنتج الذي قدم أجر البطل النجم كاملاً ولم يقدم للمشاركين حقهم المالي فأضرّ بفكرة المشاركة، والأخطر العمل المربك في ظل عدم تنازل النجم الأول عن سعره وأجره وبعضهم يقبض سلفاً دون الالتفات إلى الأزمة التي شكلت بسببه أيضاً نكسة.

ولا يزال النجم المصري يعتقد أن الخلافات والشجارات التي تحصل مع فريق العمل، والتي تسوّق أحياناً كذباً إلى الإعلام هي التي تخدم عمله، وهذه الأمور لم تعد تفيد لا العمل ولا الفنان والبديل هو جاهز، وكثرة الأعمال في الفضائيات العربية، والجودة التي يجدها المشاهد المصري في أعمال غير مصرية جعلته يحدّد الأفضل ويتابع ما يريد، خاصة أن غالبية المعالجات والطروحات الفكرية وطريقة الإخراج والتنفيذ أصبحت تقليداً مملاً للمسلسلات التركية، وتغوص بالجريمة والمافيا، والمشاهد الجنسية الرخيصة.

كما أن غالبية الوجوه النسائية الشابة لا تعمل على عمق الأداء بقدر الشكل والصورة، ولا تعرف النطق السليم، وتعيش سرعة لفظية مخيفة لا نفهم ماذا تقول، يا جماعة النطق في التمثيل لا يقل قيمة وأهمية عن حركة الجسد، والدراما ليست نسخة بترداد الكلام عن الشارع بقدر ما هي مفردات واضحة تدل على فهم لأصول المهنة والعمل، والأهم أن نفهم الحوار كي نفهم الحدث.. يعني لا أن نتحدث والسلام كما هو حاصل!

هذا الحال أصاب الدراما المصرية بما كنا قد حذرنا منه سابقاً، لقد أصيبت بصدمة ونكسة شلّت من انتشارها عربياً، وحدّت من حركتها محلياً، وجعلتها تنسحب من المنافسة رغم إصرار إنتاجها على الكمّ.

للأسف ما قدّم هذا العام وفي الأعوام العشرة الماضية بغالبيته لا يشبه تاريخ مصر وحضارتها وحالتها وأناسها، لا بل لا يشبه تاريخ الدراما المصرية وقيمتها وتميزها، هي اليوم تدّعي اللهجة ولكن بتصنع وصراخ، وخارج روح المحروسة، وتصوّر الحارة ولا تبرز قيمتها لتصبح الحارة مجرد ديكور جماليّ، وتقدم المرأة المصرية بنمطية مخيفة، متسلطة، حاكمة ومستبدّة وتصارخ باستمرار، لا بل مسترجلة تضرب زوجها، وفاسدة وتساهم بخربان البيوت، ومجرمة بالمافيا!

أين المرأة المصرية المناضلة، والمثقفة، والمتفانية، والمربّية، والمتفوّقة في كل المجالات؟!

اليوم حرم النظام التطرق لقضايا الجنس والدين والسياسة في فنونها خاصة الدراما، وهذا سجن الحرية الفكرية فهرب الكاتب إلى التفاهات، والله يعينه، والمخرج أخذ يعمل بما هو متاح، والنجوم تقيّدوا بما يفرض عليهم، والإعلام البديل والدراما البديلة غير موجودة، وجهاز المخابرات المصرية اعتمد في سياسته التحكم بالفن وبالتحديد الدراما من أجل مخاطبة الشارع المصري فكانت هذه النتيجة النكسة… والله يعين الكتاب والفنّ وأهله.

على صعيد الكوميديا ما قُدّم كان تهريجاً وتصنعاً، وغير مقنع، ومنها «سوبر ميرو» افتعال مزعج، و«الزوجة 14» عباطة بكل ما للكلمة من معنى، و«شقة فيصل» مبالغات، وخزعبلات ساذجة مع أن العمل قدّم وجهاً فنياً موهوباً يدعى كريم محمود عبد العزيز، والمستقبل له بسبب هضامته وحضوره الجميل هذا إذا حافظ على ما لديه، ولم يضيع بكذبة النجومية، و«فكرة بمليون جنيه» بطل العمل علي ربيع لم يعد قادراً على البطولة المطلقة ويحتاج إلى شركاء، وهو أفلس فنياً لتكرار الأسلوب والأداء.

في التراجيديا نجد «أبو جبل» الأفضل مصرياً، ولكنه يتميز بكم من الأخطاء الإخراجية، والكثير من الصراخ والانفعالات غير مبرّرة، وبالطبع بطله مصطفى شعبان أفضل مَن يمثل ويتقن ادواره، أما «حدوتة مرة» رغم هذا الكم من الوجوه الشابة المشاركة والملفات إلا أن عقدة النجم الواحد مسيطرة، وغادة عبد الرزاق لم تعُد تصلح للبطولة المطلقة، وكثرة الانفعالات والافتعالات الدرامية هي محرقة للعمل والممثل وهذا ما كان.

«كلبش 3» إفلاس، و«زلزال» تائه والبطل الجبّار لم يعدْ مقنعاً لا شكلاً ولا موضوعاً، و«ولد الغلابة» رغم الفكرة الجميلة إلا أن المعالجة مشغولة بطريقة غبية أضاعت جماليات الحداثة وربما نفّذت بسرعة فائقة، أما أحمد السقا فلم يكن مقنعاً رغم عصبيته وانفعالاته المتصنعة!

لا نريد أن نتوسّع بنقد مسلسلات هذا العام وغالبيتها نسخة مزعجة ومتشابهة بفكرتها وبانفعالاتها وبافتعالاتها وبالشكل والمضمون البصريّ، ولا تصلح للعرض وللنقد، واحتراماً لتاريخ تربّينا عليه وللفن المصري نشير إلى أنه على الدراما المصرية التروي في التنفيذ لا سرعة استهلاكية توصل إلى التكرار والفشل، والاعتراف أن الزمن تغيّر، والظروف الاجتماعيّة والإنتاجيّة تغيّرت كلياً، ومعرفة أن السوق الخليجي مكتفٍ ولديه ما يسدّ فراغات بثه، ويبحث عن الأفضل لا عن الكمّ ليشتريه.

وعلى المنتج المصري أن يوسّع فكرة إنتاجه وتسويقه محلياً وعربياً لا أن يعمل من أجل السوق الخليجي فقط، وأن يُبعد عنه التسييس الداخلي وفوراً!

على النجم المصري أن يبتعد عن عقدة أنا في العمل ولا أحد، ويُكتب النص له، وغالبية المشاهد له، والصراخ والبكاء والبطولات السوبرمانيّة له، والباقي حاشية!

على الممثل النجم التواضع في أجره، وأن يساهم في حلّ النكسة، والتواضع مع زملاء مسلسله، والتخفيف من تسويق المشاكل المفتعلة، وصناعة كذبة الشجار مع الزملاء وتوزيعها إلى الإعلام من أجل الدعاية.

الابتعاد عن التهريج المفتعل، والصراخ الدائم، وتقليد الأتراك، وأعمال المافيا والجريمة والجنس العبيط، والعودة إلى الأصول في فهم الواقع المصري بكل تناقضاته ومشاكله.. مصر غنيّة في كل شيء حتى في المشاكل الاجتماعية التي تصنع روايات، لا بل صنع منها أهم الأفلام والمسرحيّات والمسلسلات والكتب.

على العاملين في الدراما المصريّة الاستفادة من تاريخ مصر الجميل والسلبي معاً، ومن تاريخ الدراما بجماليات لا تزال تؤثر فينا، وأن يتصالحوا مع مصر وشارعها لا أن يعلنوا حبها قولاً لا فعلاً والنتيجة أعمال تشوّه ما يتغنّون به عنصرياً دون قيمة!

الإيمان بأبنائها، وبالمنافسة وبتعدّد الأسواق والفنون، والأهم أن يكون للدراما المصرية مخرجون أصحاب رؤية وتجديد لا تقليديين ينقلون الصورة كما الماضي وهم يعيشون الحاضر دون أن يعلموا به!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى