مسرحية «درس قاسي»… تجارب لصراعات بين الخير والشرّ ومبادئ العنف والسلام لدى الإنسان

لورا محمود

عن النفس البشرية وأغوارها وما يجري داخلها من صراعات بين الخير والشرّ وبين الطاعة العمياء والانقياد وراء القائد، عن القسوة والعنف الذي عشناه في سنوات الحرب السورية وما نزال. فالعنف آفة أصبحت تُمارس يومياً بين الأفراد والجماعات وحتى بين الدول، هو عمل مسرحيّ فيه خطّ درامي تشكّله علاقات حبّ ومثلثات غرامية تربط شخصيات المسرحية الأربعة، يبحث في الأصول السيكولوجية والاجتماعية ويبين الحدود الرفيعة بين الأفعال الأخلاقية والأفعال غير الأخلاقية التي يمارسها الفرد في المجتمع، عرض مسرحي لا يدعو لتغيير العالم بل يدعو كل إنسان لأن يتحمّل مسؤولية عمله الذي يجب أن يكون أكثر طيبة وأكثر إنسانية بدون أن يدين هذا الانسان بقدر ما يعطف عليه ويرثو بحاله، هو «درس قاسي» عنوان المسرحية التي عرضت على خشبة مسرح مدرسة «الفنّ المسرحي» في ريف دمشق ـ جرمانا، من تأليف فالنتين كراسنو غوروف وترجمة وإخراج الدكتور سمير عثمان الباش. ويستمرعرض المسرحية لغاية 27 الشهر الحالي ومدة العرض ساعة ونصف.

الباش

مخرج المسرحية الدكتور سمير عثمان الباش تحدث لـ»البناء» عن العرض قائلاً: أي مسرحية تلفت انتباهي كمخرج هي المسرحية التي تلامس أوجاعنا السورية ومن الممكن أن تكون روسية أو إسبانية المهم أن تحتوي المعنى القريب من أوجاعنا وبالعموم أوجاع العالم كلها قريبة من بعضها. ومسرحية اليوم «درس قاسي» تلامس مشكلة حقيقية تعرضنا لها كلنا وهي مسألة القسوة والعنف الذي عشناه في الثماني سنوات الماضية في سورية، لذا هذه المسرحية تحاول معرفة أعماق وجذور هذه القسوة وتثير تساؤلات يا ترى الإنسان بطبيعته قاسياً أو عنيفاً من الأساس أم أن هناك أسباباً جعلته هكذا. أتقاطع أنا وأحد أبطال المسرحية وهو دكتور في علم النفس يدرّس مسألة وجود هذه القسوة في مجتمعنا السوري من خلال التجربة التي يثبتها ويثبت عكسها.

وأضاف الباش: أحداث المسرحية تجري في عيادة دكتورعلم النفس إبراهيم حيث يقوم بإجراء تجربة نفسيّة يشترك فيها طالب وطالبة يعذبان خلالها امرأة حتى الموت وذلك لغايات علميّة الهدف المعلن من التجربة هو اكتشاف هل الخوف من العقاب الجسدي يساعد التحصيل العلمي أم يضرّ به؟ والمغريات للاشتراك في التجربة كثيرة منها الحصول على مبلغ من المال وعلى علامة عالية في الامتحان العملي للطالبين وعلى شرف المشاركة في التجربة والاكتشاف العلمي الهام بالنسبة للمجتمع والوطن والإنسانية وتحت الضغوط النفسية لهذه المغريات وتأثير شخصية الدكتور وهيمنته يتحوّل أحد الطالبين المشاركين في التجربة إلى جلاد حقيقي يعذّب المرأة التي تقام عليها التجربة، ويبالغ في إظهار قسوته حتى يؤدي ذلك إلى قتلها وهنا في ذروة العمل المسرحي يظهر سؤال عريض مَن المذنب الرئيسي في تعذيب وقتل الضحية؟ هل هو الطالب الغِر الذي اتبع إرشادات أستاذه؟ أم الدكتورالمحرّض الذي مارس سلطته واستخدم بوعي مختلف أساليب الضغط التي تمارس لقيادة الفرد؟ الأمر الذي حوّل الطالب الجامعي إلى مجرم قاتل ولكن قبل ايجاد جواب لهذا السؤال يتضح أن للتجربة أهدافاً أخرى تماماً ولا علاقة لها أصلاً بأثر العقاب الجسدي في التحصيل العلمي، وإنما ينحصر جوهر التجربة في قياس مدى استعداد الأفراد لإطاعة الشخصيات الهامة وتنفيذ ما يتنافض مع ضمائرهم وما يتعارض مع مبدأ «عدم إيذاء الآخرين».

ولفت الباش إلى أن هذه المسرحية موجّهة إلى الشباب، لأن مسألة القسوة هي مسألة يعاني منها الشباب السوري اليوم وقد تمّ عرض هذا النصّ المسرحيّ بأكثر من دولة حول العالم، وهي مسرحية معروفة ومشهورة تحفّز الشباب على التفكير ومن خلالها ندعو الشباب أن يفكر قبل الإقدام على أيّ عمل أو تصرّف، لأنه هو المسؤول الوحيد عن هذا التصرف وليس باستطاعته تحميل أحد عبء تصرفاته هو المسؤول الوحيد عن كل ما يقوم به.

وعن مدة التدريب على العرض والبروفات قال الباش: لقد أخذت هذه المسرحية وقتاً طويلاً من البروفات والتدريب تقريباً أربعة أشهر، لأننا بدأنا مع مجموعة ممثلين ثم اخترنا ممثلين آخرين حتى اكتملت هذه التجربة، فالمسرح يعاني من قضية التمويل الكافي للممثلين وللأسف ظروف الممثلين تجعلهم يتّجهون إلى التلفزيون ليحصلوا على فرص أكثر والحياة اليوم أصبحت مادية جداً، لكن ممثلي المسرحية اليوم أحبّوا النصّ جداً والتزموا وعملوا بشغف. وهناك أربعة ممثلين منهم خريجو مدرسة الفنّ المسرحي ومنهم خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية والأربعة كنت أستاذهم أثناء دراستهم وعملوا معي بمسرحيات سابقة لذا متفاهمين مع بعضنا والتجربة شيقة وجميلة. هي بداية الطريق لعروض أخرى ونشكر الجهة الداعمة لنا اليوم وهي مؤسسة اتجاهات وأسسها خريج من المعهد العالي للفنون المسرحية في بيروت ويحاول دائماً أن يدعم الحراك الثقافي والمسرحيّ في سورية ومعهد غوته.

وعن سبب عرض المسرحيّة في مدرسة الفنّ المسرحيّ قال الباش: لقد أردنا أن يكون هناك مساحة أخرى للعرض المسرحي فقرّرنا أن يكون العرض في مدرسة «الفنّ المسرحي» بمثابة مساحة جديدة وتعريف بهذه المدرسة المهمة التي تدرّب الطلاّب ليتخرّجوا ويكونوا ممثلين محترفين، ونتمنى أن نضيف للحركة المسرحية السورية.

والتقت «البناء» مع الممثلين الأربعة المشاركين في المسرحية:

أوس وفائي وهو الدكتور النفسي «إبراهيم» تحدّث قائلاً: هذه التجربة تلامس الإنسان وتتكلم عنه وهي تجربة في علم النفس وتثير تساؤلات، فإذا وضع الإنسان بظرف معين ما هي ردّة فعله، وإذا وضع مكان هذا الشخص الذي يقوم بالتعذيب ماذا سيفعل كل هذه التجارب نقوم بها من أجل العلم ولخدمة العلم والدراسات أثبتت وبالأرقام أن الانسان من الممكن أن يكون متوحشاً إذا وضع بظروف قاسية. فهذه المسرحيّة تلامس كل من يأتي ليحضرها.

وبدورها الممثلة توليب حمودة التي قامت بدور «لورا» الشخصية الإيجابية في المسرحية ويقع عليها ضغط نفسي كبير قالت: الدور يبين مدى طاعة الإنسان للآخر تلك الطاعة العمياء، فالإنسان إذا جردناه من مسؤولياته قادرعلى التعنيف وهناك تجربة مشابهة لما شاهدناه اليوم أجريت في الستينيات أثبتت أن ثمانين بالمئة من البشر عنيفون ومستعدون للقتل اذا أُخلي من المسؤولية، وهو في الوقت نفس ضحية لأن هناك سلطة عليا تحرّكه.

أما الممثل كرم حنون الذي قام بدور «يزن» فقال: شخصية «يزن» انساقت وراء التجربة لإرضاء الدكتور «إبراهيم» وليثبت أن المجرم هو إنسان مطيع، لكنه أيضاً قد يكون محباً وهادئاً وقد يكون غنياً أو فقيراً، و«يزن» وهو شخص مدلّل ومطيع بالأساس لأبيه الغني ويتّكل على الآخر دائماً حتى عندما أحبّ «لورا فقد أحبّها لأنها شخص واعٍ يعتمد عليه والمال له تأثيره في شخصيته، فهو متعال يهرب من مسؤولياته وهدفه اثبات وجوده».

والممثلة فرح الدبيات التي أدّت دور «اليسا» الشخصية الإنسانية جداً التي ضحّت بنفسها من أجل العلم لتوصل هي والدكتور صوتهما، أضافت: الدور مغرٍ بالنسبة لي كممثلة فكان يجب ان أقنع الممثلين المشاركين معي أنني بالفعل أتلقى الصدمات الكهربائية وأنني فارقت الحياة لوهلة، فهو دور إنساني لديه رسالة تقول إنه علينا الانتباه، لأننا أصبحنا عنيفين بدون أن ندرك ذلك.

ولفتت الدبيات إلى أنّ النصّ يلامس كل واحد فينا ويشبهنا فبعد ثماني سنوات حرب اكتشفنا أننا كسوريين أصبحنا عنيفين واعتدنا على منظر الدماء، والعنف كان هو المانشيت العريض للمسرحية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى