معرض للفنان التشكيلي الراحل عبدالله عبيد… تحية لذكراه وتكريماً لأعماله

لورا محمود

كان يقول: «لقد حوّلت طين قريتي ورماد سجائري إلى لون». هذا كان معياره بين الخطّ واللون وبناء اللوحة أما شخوصه الرماديّة فتشبه كل الناس الذين لا يمتلكون ملامح وليس لهم مسار إلا وسط يبين الرمادي والأسود والبنيّ القاسي وبعض الانفراجات والضوء.

هو الفنان التشكيلي الراحل عبد الله عبيد الذي عُرضت لوحاته في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق كتحية لروحه وتذكيراً بأعماله، بالرغم من أن الكثير من إبداعاته التشكيليّة نالت منها نيران الإرهاب في مدينته حمص وما عُرض ما كان إلا غيض من فيض.

عمّار

«البناء» التقت زوجة الراحل هدى عمار التي قالت: الفنان عبدالله عبيد كان إنساناً حرّاً وخلق ليكون فناناً، فقد كان يرى كل الجوانب الجميلة بالإنسان وهو محبّ للجمال ويعطي طاقة إيجابية للجميع، وكان يتميز بصراحته ويتعاطف مع كل الحالات الإنسانية في سورية وكل العالم.

وأضافت: كل المعروضات اليوم رسمها الفنان عبيد في فترة الحرب أما اللوحات القديمة فقد حرقت بسبب الإرهاب الذي طال مرسمه، ولكنه رغم ذلك بقى يرسم حتى آخر لحظات حياته. فكان متمسّكاً بسورية والبقاء فيها وكان أخلاقياً بموقفه تجاه الحرب. ويقول يجب أن نحترم دمعة كلّ أم سورية ورحل وهو حزين على ما يجري في سورية.

وعن اختيار لوحات المعرض أشارت عمار: اخترت مع الدكتور غياث الأخرس اللوحات المعروضة اليوم والمركز والدكتور الأخرس مشكوران على اهتمامهما وعطائهما.

وبسؤال عن رأي الراحل عبيد بالحركة التشكيليّة لفتت عمار إلى أنه لم يكن راضٍ كثيراً عن حال الفنّ التشكيلي، لكن بالمقابل كان لديه أمل ومعجب بجيل الفنانين التشكيليّين الشباب.

وأضافت: أتمنى أن توضع لوحات الفنان عبدالله عبيد في أماكن تليق بها لتكون مرجعاً لكلّ التشكيليّين الشباب وليبقى الفنان عبيد في ذاكرة كل سوري.

الأخرس

وبدوره قال رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس لـ»البناء»: المتأمل في أعمال الفنان عبدالله عبيد يرى مدى كثافة الأفكار المسجّلة بتقنية خاصة به يرمز إليها بالألوان أو مواد أخرى يجدها مناسبة في التعبير عن أفكاره وردود أفعاله اتجاه المحيط الذي يعيشه ومن ثم يضع كل ذلك ضمن ساحات تساهم في ترتيب اللوحة من الناحية الجماليّة.

وتابع الأخرس: إن الانطباع الذي تتركه لنا أعمال الفنان عبدالله عبيد عن المراحل التي مرّت بها من خلال تجربته الذاتية تدلّنا عن مدى غنى وعمق وجديّة تلك التجربة التي تبدو ذات استمرارية ووحدة متكاملة لا يمكن فصلها عن بعض، ولا بدّ من التنويه أن الفنان يقدّم لنا بصرياً أعمالاً تنمّ عن إحساس مرهف وثقافة واعية.

صنيج

وتحدّث عضو مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية بديع صنيج عن تجربة الفنان عبيد قائلاً: بين تراب الرستن وغبار أرصفة دمشق لم يشعر الفنان عبد الله عبيد بأي غربة فهو المجبول على محبة الماء وزرقته، قادر على تحويل كليهما إلى طين من طبيعة خاصة وسكبه في أعماله على هيئة كائنات ممتدة في الزمان والمكان بدرجات استثنائية من البني فهو ابن سومر وبابل وإبن المياه الدافئة في شرق المتوسط، كما كان يقول دائماً وما اغتراباته التي اشتغل عليها كثيراً سواء انزياحه المستمر عن السائد ومحاولة حثيثة للخوض أكثر في الفرادة وعدم الركون الى القيد.

وأضاف صنيج: منذ أن فرضت عليه فكرة أن «التصوير حرام» في طفولته جابهها بأن يعيش أزمنته وأمكنته التي يعيش فيها تفاصيل خلقها على لوحاته ومنها ينطلق للحفاظ على إرثه الخاص الذي لم يبتكره هو ذاته بقدر ما سعى لأن يطوّر عليه ويضع بصمته الحداثية على حيثياته منطلقاً من فكر جامح لا يستكين وحرية في التعاطي مع أعماله عاكساً حالة الغليان والهواجس التي يعيشها على صعيد المجتمع والسياسة والثقافة والفنّ بحدّ ذاته لدرجة أن تجاربه الورقية لم تتسع لرؤيته، لكنها كانت بداية استطاع بعدها أن يوازن فوضاه الداخلية، وكانت الأخبار تذكر بالأسى والاحتجاج كما ذكر في أحد حواراته لينطلق بعدها بمعرضه «اغتراب الأمكنة» إلى حيث تغيب ملامح البشر، لكنهم يبقون قيمة اجتماعية، بإصرار على الالتصاق بالأرض ووحولها كرعيان صوفيّين تجذبهم الخضرة والماء.

وهنا برز الاتقان بين الخطوط والألوان وتكوين اللوحة ليعيد استذكار الفنان عبيد لرستنه في معرض «أراتوزا» كتليينٍ لعجينته اللونية بماء العاصي ومناغاة لصفصافه ورقة مائه في محاولة جديدة لأن يعيد خلق طقوسه وألعابه كمنمنمات عشبية حول صخور الروابي وأعشاش الطيور حسب تصريحه ليستمر في أعماله ونقده لذاته، مؤكداً أن اللوحة تناقش كعمل يضيف الى المعرفة ويخرج عن دوائرها الموضوعية ويخرج من أشكال ضوابطها الوصفيّة.

ولفت صنيج إلى أن اللوحة بالنسبة لهذ الفنان هي ذات أكثر منها موضوعاً لذا لا يمكن فصلها بتاتاً عن مبدعها، فهي تجسيد لأفكاره عن الكون الذي يعيش فيه مهما امتدت حدوده بين جوانيّاته المتقدة بالنار وأحمره وبين اتساع الرؤيا تجاه الوجود على اختلاف تدرّجاته اللونية في النفس. فاللوجة دائماً مشغولة ليس بما تراه عين الفنان بل بما يفكر به أيضاً.

مهايني

أما الفنانة التشكيلية هالة مهايني فقالت لـ»البناء» أنا تفاجأت بأسلوب الفنان عبيد لأنني لم أحضر معارض له في حياته، ومن الصعب أن نختصر مسيرة فنان مثل عبيد بكلمتين، لكن أستطيع القول إنه يمتلك أساليب عدة. وهو متنوع بموضوعات لوحاته وألوانه أيضاً.

وأشارت مهايني إلى أنه من المحزن جداً أن تتحوّل أعمال فنان مهم مثل عبدالله عبيد الى رماد بعد الحريق الذي حصل في مرسمه بسبب الحرب التي لم تستثنِ لا البشر ولا الحجر.

سيرة

يذكر أن الفنان عبدالله عبيد من مواليد محافظة حمص عام 1951. درس في مركز «أدهم إسماعيل»، بالإضافة إلى دراسته الفنية الخاصة. وهو عضو جمعية «أصدقاء الفنّ» في دمشق. له معارض جماعية عدّة في لبنان والأردن والقاهرة. ومعارض فردية من أهمها: اغتراب الأمكنة، أرتوزا، أعمال ورقيّة، علبة ألوان فارغة». توفي عبيد عام 2017.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى