نبيه بري رجل الاستقرار في الدولة المضطربة!

محمد حميّة

مرة جديدة يظهر رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحيداً لإنتاج تسويات تُمسك بالاضطرابات المتفجرة في لبنان، فلا يختلف اثنان على أن الدولة مضطربة وعلى حافة الانهيار، لماذا؟

أثبتت الممارسة السياسية إبان التسوية الرئاسية «العونية الحريرية» حتى الآن، أنها لم تُحقق الاستقرار السياسي الذي يطمح إليه اللبنانيون ولم تعالج أسباب استيلاد الأزمات المتجددة الموجودة في بواطن النظام السياسي الطائفي العقيم، لا بل تجذرت الطائفية أكثر بقانون انتخاب هجين عمّق «المذهبيات» وممارسة سياسية تستمد ديمومتها و»مشروعيتها» من «فائض القوة الطائفية»، علماً أن المخارج المطروحة للحل موجودة في نص الطائف وروحه ولا تحتاج سوى لإرادة سياسيّة بعيدة عن المصالح والطموحات الشخصية والأطماع الخارجية، رغم أن «تسوية» العام 2016 وللإنصاف تمكّنت من توفير فرص التغيير وإدخال إصلاحات على النظام وحققت نوعاً من الاستقرار الأمني وإعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها لكن لم تُترجم بتطبيق الدستور والقوانين، فالاشتباك بين المكونات السياسية الكبيرة يتجدد عند كل استحقاق ومفترق وملف حتى بين أركان التسوية نفسها، التيار القوات المستقبل، وسرعان ما ينتقل الى الشارع الذي يتغذى بدوره من الخطاب الطائفي. وزاد الطين بلة انفجار الصراع بين العونيين والجنبلاطيين وداخل البيئة الدرزية نفسه، فحصر التسوية بالحريري والوزير جبران باسيل أبعد رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط وحزبي القوات والكتائب اللبنانية، والمردة الى حدّ أقلّ عن التحاصص في النظام، فاهتزت مرة جديدة العلاقات بين أركان الدولة وكاد البلد يسقط نهائياً في أتون قبرشمون…

لكن المفارقة أنّ الاشتباك السياسي «الملوث بالدماء»، يدور رحاه مع إدراك «المتحاربين» أنّ الوضع الاقتصادي والمالي بلغ حدّ الانهيار والجهود يجب أن تنصبّ لوضع خطة عاجلة للحؤول دون الوصول الى الكارثة التي لن تقتصر تداعياتها «المتفجّرة» على المواطنين، فحسب بل ستطال نيرانها السياسيين أولاً ومصالحهم…

من هذه المنطلقات يعود بري الى الدولة من باب تنظيم الموازنة على يد وزير المال علي حسن خليل. فالواضح بحسب المعلومات أنّ مشروع الموازنة شابته خلافات عميقة بين مكونات الحكومة ولكي يخرج من عنق زجاجة السراي رُميت كرة النار الى البرلمان لمعالجة البنود المتفجّرة، فكل بنود و»سواقي» الموازنة ستصبّ في عين التينة وساحة النجمة بنهاية المطاف والرهان على رئيس «حركة أمل» لحبك تخريجة نهائية توفيقية في الهيئة العامة بين الحكومة من جهة والمصارف والبنك المركزي من جهة ثانية والشرائح الشعبية الفقيرة وذوي المداخيل المحدودة من جهة ثالثة، ومن المعروف أنّ لبري علاقات وثيقة الصلة مع الأطراف الثلاثة.

أما الباب الثاني، فعبر التسويات السياسية مباشرة أو عن طريق اللواء عباس إبراهيم أو بعلاقاته المتينة والتاريخية مع كلّ من جنبلاط والنائب طلال أرسلان والرئيس الحريري، وقد تمكّن رئيس المجلس بخبرته السياسيّة الطويلة من فتح «أقنية سياسية عملية» مع «حليف الحليف» التيار الوطني الحر تحدّث بها المعاون السياسي لبري في حواره عبر قناة «أو تي في» منذ أيام قليلة، عندما أعلن بأنّ العلاقة بين قيادتي «أمل» و»التيار» بلغت مراحل إيجابية وتنسيقية في مختلف الملفات وتتطوّر تدريجياً بشكل سريع.

يجد «أبو مصطفى» نفسه وحيداً اليوم في بيئة مضطربة متناحرة محتربة تشتبك قواها السياسية مع بعضها البعض في السياسة والميدان مع خوفه من انهيار الدولة، لذلك يقوم بري عبر هامش كبير يستند إليه قوامه موازين قوى، إنْ عبر علاقته الاستراتيجية مع حزب الله ومع الأطراف الإقليميّة من دمشق الى طهران، في محاولة لتثبيت الدولة وإعادة إنعاشها وذلك بقوته الشعبية الوطنية التي تخترق الحدود المناطقية والطائفية ورصيد سياسي لم يتغيّر منذ عقود عبر شبكة علاقات داخلية واسعة وموقع دستوري برئاسة السلطة التشريعية، حيث مكان «تصفية الخلافات» و»مربض التسويات النهائية». الأمر الذي يمنحه قدرة على جمع الأفرقاء المتخاصمين وتموضعه كضمانة أخيرة للدولة، فهل ينجح بري في اعادة الاستقرار الى ربوع الوطن؟

يستطيع بري وهو يرتبط بعلاقة قوية مع جنبلاط والحريري وحزب الله والتيار الوطني الحر وعلاقة ثقة واحترام مع رئيس الجمهورية بمنع تدهور الدولة وانفجارها والدليل كيفية مقاربة الموازنة التي استطاعت المرور في الحكومة والهيئة العامة، رغم الاعتراضات الشعبية الداخلية والخارجية عليها، فقد استطاع وزير المال أن يلعب دوراً حيادياً ويحقق التوازن الدقيق في بنود الموازنة بميزان من «ذهب» ويوازن بين موقعه في الحركة ذات الأغلبية الشعبية الفقيرة والمتوسطة وبين دوره كوزير لمالية لبنان واستطاع أن يلتزم مصلحة لبنان فقط دونما مصالح المتنفذين والرأسماليين في الداخل فضلاً عن مواجهة الضغوط الخارجية.

ولا بدّ هنا من التذكير بأنّ عين التينة لا تزال ضابط إيقاع العلاقة بين الضاحية وبيت الوسط وحصناً منيعاً لوأد الفتنة المذهبية أو على حدود التماس بين الضاحية والحدث، إضافة الى دور جديد اطلعت به «العين» بفك الاشتباك المستجد بين الضاحية والمختارة، ودورٍ محوري في طي الخلافات بين كليمنصو وبيت الوسط. وهنا يمكن القول إن حركة أمل انتقلت من ضفة الصراع كطرف فيه في بعض المراحل الى خطوط الوسط للتوفيق بين اللاعبين.

لا يُختزل دور بري بترتيب العلاقات السياسية البينية، بل يتوسّع ليشمل الملفات الاستراتيجة الوطنية عبر تصدّيه التفاوضي الشرس باسم الدولة للمبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد الذي يحاول خداع لبنان والالتفاف التفاوضي على تسوية النزاع الحدودي فضلاً عن موقفه الاستباقي الرافض لصفقة القرن ومؤتمر البحرين.

أثبت رئيس المجلس أنه لاعب الخطوط المحترف ومرسّم الحدود السياسية والقابض على اللعبة الداخلية من وسطها لتأمين عناصر الحماية الوطنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى