تحرير إدلب بين الاستراتيجية والوطنية والاقتصاد

د. وفيق إبراهيم

معارك تحرير إدلب في شمال غرب سورية تتسم بجمعها بين الطابع الوطني في تحرير منطقة سورية، وبالاستراتيجية لأنها تربط بين أهم أربع مدن، وبأهمية اقتصادية لقدرتها على إعادة الازدهار لعشرات الملايين من المواطنين بينهم النازحون والمقيمون في سورية وخارجها.

هذه عناصر أساسية تتسم بها أمُّ المعارك في إدلب. ويكفي ان العدوان التركي على سورية يتخذ منها وسيلة لممارسة الضغط على حماة واللاذقية وشمالي دمشق وقسم من البادية، ويؤوي فيها 60 على 70 ألف إرهابي مع عائلاتهم، من هيئة تحرير الشام والحزب التركستاني وجيش العزة وآخرين، ويستعمل مليوني سوري ستاراً مدنياً يحمي إرهابه من هجمات الجيش السوري، مبتزّاً أموال مساعدات لهم من أوروبا والأمم المتحدة، سارقاً بالطبع معظمها، وممولاً ما يسمى في إدلب «الإمارة الصينية» التابعة للحزب التركستاني الذي تمركز في منطقة ممتدة من ريفي إدلب الجنوبي الغربي والقريب من اللاذقية في الشمال الشرقي.

وتركستان هذه، يقيم فيها «أيغور ملثمون» تجمعهم بالأتراك الأصول القومية الواحدة أتراك ، ويرتبطون بنظام أردوغان، بالمفهوم الإرهابي للإسلام. لقد جاء هؤلاء إلى سورية مع عائلاتهم بإشراف المخابرات التركية التي كانت تنفذ بهذه الرعاية مخططاً تركياً لتوطين نهائي لهم في نواحي إدلب في استعادتها للمخططات العثمانية القديمة في بلاد الشام.

لكن ما يعيد الأحلام إلى مخيلات أصحابها هو القرار السوري المبرم بتحرير إدلب بالاتفاق مع الروس الذين فهموا أخيراً ضرورة ضبط الطموح التركي المتغطرس.

لذلك تقدّم الجيش العربي السوري من أرياف حماة الشمالية وريفي إدلب الجنوبي والجنوب الشرقي في خطة استراتيجية تجاوزت عشرات القرى والبلدات بينها الهبيط الاستراتيجية في تقدم مستمر يريد تحرير خان شيخون التي تشكل استعادتها فصلاً بين الإرهاب في حماة وإدلب وشمالي اللاذقية.

يكفي أن هذا التحرك السوري الدولي أثار خلافات حادة بين فصائل الإرهاب في هيئة تحرير الشام والحزب التركستاني وجيش العزة وآخرين.. حتى انه أثار رعبهم فبدأوا بترحيل عائلاتهم نحو الحدود التركية. بما يعطي فكرة واضحة عن مواعيد قريبة لتنفيذ القسم الأول من تحرير إدلب، على الرغم من تدفق السلاح النوعي والمساعدات لهذه التنظيمات الإرهابية من الأميركيين والترك. هذا بالإضافة إلى التمويل السعودي المتدفق إليهم.

علماً ان السعودية تتنافس عادة مع السياسة التركية، لكنها تعود للتحالف معها، لأنها تعتبر الدولة السورية أكثر خطراً عليها والقادرة الفعلية على كشف تواطؤاتها مع الأميركيين والإسرائيليين.

يتبين ان هذا التقدم السوري أربك المخططات التركية والأميركية ووضعها في زاوية ضيقة. لأن مسارعتها إلى عقد اتفاقات تجعل الأكراد يفرون نحو الدولة السورية لحماية دورهم، اما فشلها في عقد تسويات أميركية تركية فلا يعني إلا اعترافها بقدرات الحلف السوري – الروسي – الإيراني على أداء دور كبير على مستوى الإقليم وليس في سورية فقط. وهذا ما يرعب الأميركيين والأتراك والإسرائيليين والسعوديين أيضاً.

هذه إذاً معركة شديدة الاستراتيجية وتندرج في الحلقات النهائية لأزمة سورية. لأنها تضع الدور الإرهابي التركي أمام حائط مسدود، وتقلص عثمانيته وإخوانيته وإرهابيته إلى الحدود الدنيا، وتتسبب بإحباط للبحث الأميركي المنهك عن آليات لتجديد الأزمة السورية. كما تشجع الأكراد على العودة إلى دولتهم الوطنية في إطار من الإدارة الذاتية السورية الحصرية.

وهذه الأوضاع تجعل من التفاهمات الأميركية التركية على بناء مشاريع لمناطق آمنة عند الحدود السورية وبعمق 40 كلم من دون فائدة تذكر في مواجهة دولة سورية بعربها وكردها هي صاحبة الأرض والسيادة والتموضع الاستراتيجي، بذلك تشكل معركة إدلب بعداً وطنياً يجمع بين كل أبناء سورية مقلصاً العلاقات السعودية مع بعض العشائر المرتهنة لها مالياً، والمندمجة حسب الأوامر الأميركية بقوات قسد الكردية.

أما ما يتبادر إلى الأذهان، فهو التساؤل عن أسباب هذا الإصرار من نحو 60 دولة وأكثر على تفتيت سورية وتفجير دولتها.. ألا يدل هذا الأمر على مدى اهيمتها وضرورتها في الشرق الأوسط، خصوصاً على مستوى صراعها مع النفوذ الاستعماري التاريخي؟

لجهة العامل الاقتصادي الذي ينتج من تحرير إدلب، فيبدأ من الربط بين حلب – اللاذقية، وحلب حماة، حلب دمشق، أي بين أربع مدن سورية بإمكانها إعادة فتح الطرق بينها بما يؤدي إلى الربط بين نحو 7 ملايين سوري في حركة إنسانية واجتماعية وسياسية وطنية.. واقتصادية تبدو مطلوبة بشكل إضافي في مرحلة الحصار الأميركي الأوروبي – الخليجي على سورية، والذي يتأثر به كل من الأردن ولبنان.. وسط محاولات عراقية للتخلص من المعوقات الأميركية التي لا تزال تحول دون تنسيق عراقي سوري عميق.

إن التبادل الاقتصادي بين هذه المدن الأربع عنصر هام في دعم الاقتصاد السوري والعلاقات الاجتماعية والمفهوم الوطني، بما يشجع المناطق التي لا تزال محتلة في شرقي الفرات للمسارعة إلى الاشتراك مع جيش بلادها لتحقيق عودتها إلى الوطن

هذه هي أبعاد أمّ المعارك في إدلب التي تهدف إلى القضاء على الدور العدواني التركي ومحاصرة الدور الأميركي في شرقي سورية لجعله عاجزاً على تفتيت بلد أعمق من الولايات المتحدة الأميركية في التاريخ ببضعة آلاف سنة ونيف، ولديه دولة لا تنسى أرضها ومواطنيها مهما تعددت المؤامرات وطال الزمن الرديء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى