ما بعد أفيفيم ليس كما قبله…

ليليان العنان

أسبوعٌ على انتظار الردّ والصهاينة واقفين على إجرٍ ونصف كما نصحهم سماحة السيد حسن نصر الله بعد العدوان الثنائي الذي قاموا به على المقاومة في سورية ولبنان منتظرين الكيفية التي سيرد بها حزب الله.

وقبل البدء بتحديد الأبعاد الاستراتيجية لعملية أفيفيم لا بدّ لنا من العودة والإشارة أولاً إلى ماهية الاعتداء الإسرائيلي على حزب الله من جهة، ولبنان من جهةٍ أخرى بشكل واضح ومفصّل، ولنكون على بيّنة تامة من تسلسل الأحداث وصولاً إلى النتيجة الحتمية التي قدّمها حزب الله بعد إتمام عملية الردّ الجزئية على أحد الاعتداءين.

صحيح أنه ومنذ مدّة والمنطقة تعيش حال البركان المشتعل بدءاً من التوتر الحاصل في مياه الخليج عند مضيق هرمز، إلى الحدود التركية – السورية وإقدام الجيش السوري على الدخول بعملية تطهير أرياف مدينة إدلب، حتى الحدود السورية العراقية، واستكمال قوات الحشد الشعبي أعماله في منع تنظيم داعش من التسلل إلى داخل الحدود العراقية، وصولاً إلى الحدث الأبرز من نوعه وهو الاعتداء الإسرائيلي الثلاثي على كلّ من لبنان – سورية – والعراق في الوقت عينه.

ولكن ما قبل 25 آب ليس كما بعده تماماً، فبالرغم من الاعتداءات المتكرّرة على سورية منذ بدء الأزمة إلا أنّ هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها طائرات العدّو الإسرائيلي مقراً تابعاً لحزب الله في دمشق بشكل علني، ومع أنه كان قد سبق للسيد حسن نصر الله أن هدّد مراراً وتكراراً إسرائيل بأنّ أيّ شاب من شباب المقاومة يُقتَل غيلة ستحمّل المسؤولية الكاملة لها وسيتبعها ردّ في الزمان والمكان المناسبين.

كيف لا وكان قد تبع هذا الاعتداء عدوان ثانٍ، ولكن هذه المرة على الضاحية الجنوبية لبيروت عبر طائرتين مسيّرتين أطلقتا من البحر سقطت الأولى فيما انفجرت الثانية. وبعد تحليل داتا معلومات الطائرة التي سقطت تبيّن أنها كانت تحمل عبوات تفجيرية تهدف ربما لاغتيال إحدى الشخصيات أو للتفجير في مكان معيّن يحدث بلبلة على غرار ما صار يتمّ في العراق بالتكتيك والأسلوب ذاتهما، بحيث بتنا نشاهد العديد من العمليات التفجيرية لمقار تابعة للحشد الشعبي العراقي عبر طائرات مسيّرة.

وبالعودة الى خطاب السيد حسن نصر الله في الخامس والعشرين من آب أثناء الاحتفال بالذكرى السنوية الثانية للتحرير للثاني، والذي كان خطاباً قويّ اللهجة، محدّد العناوين، وواضح الرؤية المستقبلية في الصراع مع العدو الإسرائيلي ، إذ أكد من خلاله على أنّ ما قامت به إسرائيل على حزب الله في سورية ولبنان لن يمرّ بسلام وسيتبعه ردّ في الزمان والمكان المناسبين.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى 1 أيلول ونحن نشاهد إسرائيل بمستوطنيها وحكومتها وجنرالات جيشها يعيشون مأزق انتظار ردّ حزب الله والكيفية التي سيعتمدها في التنفيذ من داخل ملاجئهم، بحسب ما أوضحته وسائل الإعلام من خلو كامل للمستوطنات المحاذية للشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة، ومن حركة ضئيلة لجيش الاحتلال على الحدود ما أنذر بالخوف المرتقب الذي أحاط جنود العدو من عملية الرّد. وما أظهر مزاعم نتنياهو وتهديداته المتكرّرة للبنان ولسورية وحتى لإيران بأن لا قدرة لدى إسرائيل من الدخول في حرب ستسبّب لها خسائر كبيرة على المستويين العسكري والسياسي. في حين على صعيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية والانتخابات المرتقبة في 15 أيلول والتي يحاول نتنياهو من خلالها فعل كلّ المستحيل من أجل الفوز لأن لم يعد هناك أيّ ثقة لدى المستوطنين بشخص نتنياهو بعد قضايا الفساد التي تحيط به.

هذا الذعر الذي أصاب الصهاينة طيلة أسبوع كامل وما رافقه من تهديدات للبنان من جهة، ومن قصف مواقع تابعة للجبهة الشعبية التحرير الفلسطينية ـ القيادة العامة على الحدود عند بلدة قوسايا من جهة أخرى، عدا عن تكثيف طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء لبنان، كله همد وتقلص بعد ظهر أول أيلول بعدما قام حزب الله بالردّ على العدوان السابق، عبر مجموعة الشهيدين حسين زبيب وياسر ضاهر اللذين استشهدا بالاعتداء الإسرائيلي على عقربا السورية، وذلك بتوجيه صاروخ موجه من لبنان تجاه أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 عند ثكنة أفيفيم وقتل وجرح من فيها.

عملية حققت الكثير من الأهداف على الصعيد الاستراتيجي وفي تثبيت معادلات الردع مع العدّو، ولكن لن يقف الحدّ عند هذا الردّ الذي يمكن ان نصفه بالجزئي إذ إنّ إطلاق اسم الشهيدين على العملية التي أنجزتها المقاومة يؤكد أنّ الردّ هو على استشهاد المقاومين في سورية وهذا ليس بالجديد أو المخفي. هذا ما أكده السيد حسن نصر الله في إطلالته عقب تنفيذ العملية في الليلة الثالثة من محرم، وهذا ما بيّنته ظروف ونوعية العملية التي تمّت، أما في ما يخصّ الطائرات المسيّرة التي دخلت الضاحية الجنوبية لبيروت والتي كادت تحقق أهدافها بالكميات المتفجرة التي كانت تحتويها كلّ منها، فإنّ لهذه سيكون عليها ردّ من نوع آخر يقلب الموازين عن جديد عبر صيغة ردع جديدة تتمثل بإسقاط الطائرات المسيّرة والتي باتت هدفاً لدى حزب الله تتمثل بالظروف والأوقات الملائمة.

وبالعودة إلى مستوطنة أفيفيم وقبل تحديد الأبعاد الإستراتيجية لتلك العملية لا بدّ من التذكير بأهمية هذه المستوطنة والتعريف عنها.

أفيفيم قبل احتلالها كانت تعرف ببلدة صلحا تقع جنوبي بلدة مارون الراس في القرى المحتلة سنة 1948 وليس في منطقة مزارع شبعا اللبنانية، أيّ أنّ السيد حسن نصر الله قد وفى بوعده عندما قال إنّ الردّ من لبنان وفي الأراضي الفلسطينية والمعترف بها دولياً بالكيان الإسرائيلي ، يعني أنّ حزب الله هنا قد تخطّى كامل الحدود الدولية المعترف بها لدى الأمم المتحدة، وبذلك يكون قد أثبت معادلة جديدة في ردع العدو مغايرة عن تلك المعترف بها بعد حرب تموز 2006 ولغاية اليوم، معادلة قائمة على مرحلة جديدة كما وصفها السيد حسن نصر الله تعني بتخطي الخطوط الحمراء المعترف بها دولياً وبالتالي إرساء قواعد اشتباك جديدة مع العدو في الدفاع عن لبنان بكافة الطرق والسبل المتاحة وبتأييد من رأس الهرم في الدولة اللبنانية وبالتعاون مع الجيش اللبناني والتزاماً بما يتضمّنه البيان الوزاري، بالرغم من اعتراض البعض مما هم يعملون وفق أجندات خارجية ولمصالح ذاتية فيها إهانة لكرامة وسيادة لبنان، إلا أنّ هذا الاعتداء ثبّت وكرّس أكثر معادلة الجيش – الشعب – المقاومة التي لطالما ينعم بها لبنان وأكد الوحدة الوطنية لحماية لبنان وتجنّبه كافة أشكال العدوان بشقيه الصهيوني والإرهابي.

قواعد جديدة باتت مطروحة على الساحة الإقليمية تتمحور حول معادلات ردع جديدة تتمثل في إسقاط المسيَّرات التجسّسية والعدوانية، وبالعمل على إسقاط المستعمرات الإسرائيلية فيما لو فكر الصهيوني بالاعتداء على لبنان مرة جديدة، وربما يكون هناك اتجاه حول بداية العمل على تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء المحتلّ من بلدة الغجر وصولاً إلى حدود الجولان السوري المحتلّ أو أكثر من ذلك، فالوقت كفيل بإظهار كافة المعادلات الجديدة في المنطقة بعد 1 ايلول 2019.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى