ندوة وتوقيع كتاب «الرجل الذي لم يوقّع» للدكتورة بثينة شعبان في مكتبة الأسد الوطنية

لورا محمود

«كنت دائماً أجد أهمية خاصة عند التفاوض مع الرئيس حافظ الأسد. وقد أثبتت الظروف أن لا أحد يستطيع انتزاع شيء من سورية دون مقابل أو ثمن». هذا ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية هنري كسنجر عن الرئيس الراحل حافظ الأسد فهو مفاوض صلب، ورجل حقّ، ومن أكثر المفاوضين خبرة في العالم، لم يتنازل ولم يوقّع على أي وثيقة لا تضمن الأرض والحقوق. هذا ما تناولته السلسلة الوثائقية التي عرضت منذ عام تقريباً على شاشة قناة «الميادين» بأجزائها الاثني عشر بعنوان «الرجل الذي لم يوقّع» تناولت فيه مفاوضات الرئيس الراحل حافظ الأسد مع «اسرائيل» وعملية السلام وهذا العمل المتلفز أصبح أيضاً مطبوعاً في كتاب تناول العنوان ذاته استضافت مكتبة الأسد الوطنية على هامش معرض الكتاب الدولي في دمشق حفل توقيع الكتاب.

شعبان

وتحدّثت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان في ندوة قبل توقيع الكتاب عن وثائقي الرجل الذي لم يوقّع قائلة: لقد تحدثنا في الوثائقي عن الجزء المتعلّق بعملية السلام وكتابي «حافة الحاوية» و»عشرة أعوام مع الرئيس حافظ الأسد» شكّلا الأساس لهذا الوثائقي وقد اعتمدت الصدق وقول الحقيقة. وكنت أعلم وانا أكتب أننا سنواجه مشاكل لأننا نقول الحقيقة.

وتابعت شعبان: عندما كتبتُ أول كتاب عن الرئيس حافظ الأسد أخذت وقتاً طويلاً لأحزم شجاعتي فكتبت «عشرة أعوام مع الرئيس حافظ الأسد» عام 2012 باللغة الانكليزية ثم باللغة العربية. ولم يكن هذا ممكناً لولا دعم وتفهّم الرئيس بشار الأسد وعندما قرّرت أن أكتب هذا الكتاب لم أكن أتوقّع أن ما تخفيه محاضر جلسات الرئيس حافظ الأسد تحمل كلّ هذه الكنوز من المصداقية والجرأة والكرامة. فقد فوجئت كم كان الرئيس حافظ الأسد ثابت الخطّى وكم كان سابقاً عصره.

وبيّنت شعبان أن الشعوب العربية لا تعرف إلا القليل عن الرئيس بشار الأسد صلابته وعزته فوق ما يتصّورون. فكل هذه الحرب على سورية هي لمصادرة قرارها المستقل وكل موقف للرئيس بشار الأسد يعبر عن تمسّكه بهذا القرار المستقل وسيادة سورية.

وأكدت شعبان أننا بحاجة اليوم لكتابة تاريخنا المليء بالعموميّات والذي تنقصه الدقّة والصدق لاعتبارات آنيّة أو إقليميّة لذا يجب أن نكتب تاريخنا بصدق ونوثق كل مرحلة منه. فالصدق يصل لعقول وقلوب الجميع. واعتبرت شعبان أن وثائقي الرجل الذي لم يوقّع بمثابة جائزة لقناة «الميادين».

بن جدو

وتحدّث رئيس مجلس إدارة «الميادين» الإعلامي غسان بن جدو عن ثلاثة محاور أولها كيفيّة إعداد وثائقي «الرجل الذي لم يوقّع» الذي عرض على قناة «الميادين». فالفكرة انطلقت مع الكتاب الذي أصدرته الدكتورة بثينة شعبان حول هذه التجربة فحدّثتها إذا كان باستطاعتنا أن نترجم هذا الكتاب في عمل وثائقي، وقد سمح لنا من قبل دمشق بتوثيق هذه المرحلة على أن تكون الدكتورة شعبان هي راوية هذه المرحلة، ليس فقط لأنها هي مَنْ ألفت هذا الكتاب، بل لأنها واكبت جزءاً من مرحلة مهمة عاشتها سورية وقد تعاطى الجميع معنا بكل ثقة واحترام.

أما المحور الثاني فقد تحدّث بن جدو عن العاملين في هذا الوثائقي قائلاً: إن أربعة اشخاص فقط هم من عملوا في هذا الوثائقي: المخرجة هالة أبو صعب، زاهر العريضي، مهاب بن جدو وأنا تشرّفت أن أكون معهم وفي خدمتهم منذ البداية إلى النهاية.

وفي المحور الثالث بيّن بن جدو أن «الميادين» كانت حريصة على وجود شهود ليوثقوا تلك الأحداث. فالحديث عن سورية وشخصية الرئيس الراحل حافظ الأسد وتلك المرحلة في هذا الزمن العربي الرسمي الجبان ليس سهلاً، بالتالي عندما أردنا أن يكون هناك شهود في هذا العمل للتوثيق لم نجد لا دعماً ولا تعاوناً بالشكل المطلوب في العالم العربي.

وقال بن جدو: تناولنا مرحلة مهمة من تاريخنا العربي منذ النكبة إلى وفاة الرئيس حافظ الأسد، وتحدثنا عن نقطة أساسية، وهي الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» من البوابة السورية ولامسنا من خلالها كل ما حصل في مصر والأردن ولبنان والعنوان الذي اخترناه أخذته من مقال قرأته من إحدى الصحف الأميركيّة عندما توفي الرئيس حافظ الأسد جاء فيه «أن الرئيس حافظ الأسد توفي ولم يوقّع وثيقة سلام مع «إسرائيل»، وعندما قرّرنا أن نتحدث عن الرئيس حافظ الأسد وسورية كان هدفنا الحقيقي ليس الجمهور السوري فقط بل الجمهور العربي وأحرار العالم، فنحن ساندنا سورية لأننا ندرك أنه لو سقطت دمشق لسقط العالم العربي برمّته.

وتحدّث بن جدو عن النخب العربية التي كان معظمها منحازاً إلى خيارات وطرق خاصة في عام 2012 و2013 مع انطلاقة قناة «الميادين»، وقال: كنّا نمثّل قلة قليلة من الرأي العام العربي.

وتابع بن جدو في ختام الوثائقي: قلت جملة وهي «الرجل الذي لم يوقّع هو ليس شخصاً فقط هو في الجوهر خَيار». وهذه كانت رسالتنا الجوهرية من كلّ هذا الوثائقي الذي أنجزناه في عام واحد.

زهران

وفي سؤال لـ»البناء» عن الأسس التي بناها الرئيس حافظ الأسد لتكون سورية ورغم ما جرى فيها خلال السنوات التسع الماضية قادرة أن تكون طرفاً حاضراً وقوياً في محور المقاومة وأيضاً في التفاهمات السياسية، قال مدير مركز الارتكاز الإعلامي سالم زهران: في زمن التخاذل العربي والهرولة نحو التطبيع يصبح الرجل الذي لم يوقّع عملة نادرة وبحاجة أن نحافظ عليها ونحيّيها. للأسف اليوم هناك محاولات لتزوير الأحداث التي نعيشها أمام أعيننا، فكيف بأحداث مضى عليها أربعة عقود من الزمن؟ لذلك هذا الكتاب يعتبر عملاً عظيماً لأنه يؤرشف ويؤرّخ للحقيقة كما هي، عن رجل عاش ورحل دون أن يوقّع اتفاقاً مع العدو «الإسرائيلي». الرئيس حافظ الأسد كان رجل مؤسسات بامتياز، والذي زرعه في المؤسسات سواء في مؤسسة الجيش أو غيرها الآن تحصده سورية في هذه الإنجازات النوعيّة التي تحقّقها على الأرض. وباختصار الرجل الذي لم يوقّع هو عملة نادرة في هذا العالم العربي المتخاذل الذي يبدو أنه يحترف التطبيع مع العدو «الإسرائيلي».

مرشد

وبدوره مدير مكتبة الأسد إياد مرشد تحدّث لـ»البناء» قائلاً: أهمية هذا الكتاب تأتي باعتباره مرجعاً هاماً لكلّ مهتم ولكلّ سوري، فهو يوثّق لمرحلة هامة في تاريخ سورية الحديث والمعاصر، بالتالي حينما يكون هذا الكتاب كمرجع بين أيدي الباحثين والدارسين، فهو حقيقة يغني المكتبة العربية بشكل عام من جهة، وأيضاً يسلّط الضوء على مرحلة هامة في الصراع العربي «الإسرائيلي» من جهة أخرى، لأن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان قائداً محنّكاً وحكيماً أدار دفّة الحرب كما أدار دفّة المفاوضات مع العدو الصهيوني بكل جدارة. هو لم يوقّع على أي ورقة يمكن أن تمسّ ليس فقط واقع الأمة اليوم بل وحتى مستقبلها. فله منّا كلّ الدعوات بالرحمة لروحه لأن ما تركه من إرث نضالي يستحق الوقوف عنده وحقيقة يستحق التقدير على مرّ الزمن.

ميداني

وعن الغرب وكيف كانوا يرون الرئيس حافظ الأسد تحدثت رئيسة مجلس إدارة مؤسسة «أحفاد عشتار» أيسر ميداني لـ»البناء» قائلة: يقال إن الرئيس الراحل حافظ الأسد رجل ذو قبضة حديدية وديكتاتور، فالرؤساء الفرنسيون الذين عاصرتهم والإعلام الفرنسي كان يُشيطن الرئيس حافظ الأسد، خصوصاً مع دخول الجيش السوري إلى لبنان في عام 1976، فهم اعتبروه غزواً وأن الجيش السوري أيضاً يحاصر المخيّمات الفلسطينية ويقتل الفلسطينيين فهم كانوا يستخدمون الكذب الممنهج. وهذا ليس جديداً على الإعلام الغربي لكن نحن كنّا ساذجين تجاه ما يفكر به الغرب الذي يسوّق لنفسه بأنه بلد الحضارة والصدق والأخلاق. وهذه أفكار وضعها الغرب للأسف في النخب المثقفة العربية التي مشى جزء منها بمشروع «الربيع العربي».

وأضافت ميداني: اليسار الفرنسي كان يلهم الحركات الثورية العربية والحزب الشيوعي الفرنسي نادى بالتدخّل العسكري في سورية ونقابات العمّال كذلك، لكن المزري أن بعض نخبنا المثقّفة كانت تظن أنها تقوم بثورة فعلاً بينما هي كانت تابعة للغرب وليست لديها استقلالية بفكرها، فكيف يمكن نصدق بأن دولاً إمبريالية واستعمارية مهتمة بديمقراطية شعوبنا؟

المطرود

الباحث والدكتور خالد المطرود أشار لـ»البناء» أن الرئيس الراحل حافظ الأسد تربّى على حبّ سورية وحافظ على وحدة سورية الجغرافية والسياسية والوطنية، وهي اليوم الورقة التي انتصرنا بها. فالرئيس حافظ الأسد حوّل سورية من بلد عادي على الخريطة إلى بلد له وزنه الدولي في السياسة، ومن رقم صغير في الجغرافيا إلى رقم كبير في المعادلات الدولية.

وأضاف: نقل الرئيس حافظ الأسد سورية إلى مصافي الدول الأكثر تأثيراً على المستوى الإقليمي والدولي واستطاع أن يحافظ على هوية كلّ العرب من خلال تمسّكه بالحقوق العربية، خصوصاً بما يخصّ القضية الفلسطينية، لم يوقّع لأنه يعلم أن في التوقيع تفريطاً واستسلاماً. اتفاقية «كامب ديفيد» و»أوسلو» و»وادي عربة» كلّها كانت كرمى لـ»إسرائيل» وليس للمصلحة العربية، والذي حافظ على المصلحة العربية والحقوق العربية هو الرئيس حافظ الأسد. وحين رحل رحل وهو واقف لأنه لم يوقّع ولم يستسلم وبقي صامداً وأسّس لمدرسة المقاومة ودعمها لذا هي اليوم تحقّق الانتصارات مع الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله والحلفاء الإيرانيين والروس.

وفي الختام قدّم مدير مكتبة الأسد إياد مرشد درعين تقديريتين لكل من الدكتورة بثينة شعبان والإعلامي غسان بن جدو.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى