مؤتمر الاستثمار الإماراتي اللبناني.. جرعة أمل بدعم مالي

سمحت الامارات العربية المتحدة بقرار مفاجئ لرعاياها بالسفر إلى لبنان بدءاً من اليوم، وقد اتخذ القرار بناء على توجيهات من القيادة الاماراتية تلبية لرغبة رئيس الحكومة سعد الحريري.

وكان المعنيون في الحكومة قد أملوا أن يشكل مؤتمر الاستثمار الإماراتي اللبناني المنعقد برعاية وزارة الاقتصاد الإماراتية وغرفة تجارة أبو ظبي في فندق «سانت ريجيس» في أبو ظبي، ومشاركة الرئيس سعد الحريري على رأس وفد من ستة وزراء، اضافة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و50 شخصية اقتصادية، بوابة لتجاوز الأزمة الاقتصادية اللبنانية الخانقة، عبر حشد دعم دولي ومالي واستثماري، عشية انعقاد اجتماع لجنة المتابعة الاستراتيجية لمؤتمر سيدر في 15 تشرين الثاني المقبل.

وفيما لم يتم الحديث عن أية تفاصيل حيال الدعم المالي الإماراتي للبنان، اكد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بعد استقباله الحريري مساء امس دعم بلاده للبنان على المستويات المختلفة، في حين اكتفى الحريري بالقول إن الجو كان جيداً، وانشالله يكون في إعلان منيح اليوم» .

وبينما أعرب الحريري عن «أمل لبنان في تدبير يضخ سيولة من الإمارات ويرغب في جذب استثمارات إماراتية من خلال شراكات أجنبية». ارتفعت سندات لبنان السيادية المقومة بالدولار امس، بفضل آمال في أن الحكومة ربما تدبر ضخ سيولة من الإمارات. وبحسب بيانات تريدويب، كانت الإصدارات الأطول أجلا هي الأكثر زيادة، إذ صعد إصدار استحقاق 2037 بمقدار 0.6 سنت إلى 65.96 سنتا للدولار، بينما ارتفع إصدار استحقاق 2032 بمقدار 0.5 سنت إلى 65.57 سنتا للدولار.

وكان أبدى وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري في افتتاح مؤتمر الاستثمار الاماراتي اللبناني في أبو ظبي تطلعه لزيادة الانشطة الاستثمارية والتجارية بين لبنان والإمارات، مؤكداً أن لتحقيق ذلك هم بحاجة الى مواصلة الحوار والتعاون. وأشار إلى أن القطاعات الإقتصادية في لبنان أثبتت قدرتها على توليد فرص مهمة في الشراكة والتعاون، قائلاً: «شركاتنا بما لديها من خبرات ونجاح تبدي اهتماماً في بناء شراكات مستدامة مع القطاع الخاص اللبناني والعمل لإزالة العوائق. فعالم اليوم مليء بالتغيرات والتحديات الاقتصادية، ونحن نؤمن بأن لبنان لديه القدرة لأن يصبح قوة اقتصادية في المنطقة».

ولفت الى أن البحث سيركز على كيفية تطوير بيئة الإستثمار بالشراكة بين القطاعين الخاص والعام وعلى القطاع الزراعي وعلى آفاق التعاون في البيئة والبنية التحتية والنفط والغاز بالإضافة الى القطاع المصرفي.

وأعلن الرئيس الحريري من جهته في افتتاح المؤتمر أن الامارات لعبت على الدوام دوراً مهماً في الاقتصاد اللبناني وساهمت في تثبيت الاستقرار المالي والاجتماعي وكانت الداعم الأساسي للبنان في المحافل الدولية ووقفت إلى جانبه في الأيام الصعبة. وقال «نحن هنا اليوم لتعزيز التعاون مع الإمارات من خلال خلق شراكات أساسية بين القطاع الخاص اللبناني والقطاع الخاص الإماراتي»، موضحاً أن مؤتمر سيدر واكب خطة ماكينزي وفرص الاستثمار الموجودة في لبنان مهمة جداً وفي كل المجالات. وشدّد الحريري الذي عقد لقاء ثنائياً مع وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري قبيل افتتاح المؤتمر على القيام بكل الإصلاحات المطلوبة في مؤتمر سيدر. ورأى أن لبنان في موقع صعب لكن الفرصة متاحة اليوم من خلال المشاركة في إعادة إعمار سورية والعراق ولبنان عليه أن يستفيد من هذا الأمر.

وبعد الافتتاح، انطلقت الجلسة الأولى للمؤتمر تحًت عنوان: فرص الاستثمار بين الإمارات والجمهورية اللبنانية، تحدث فيها وزير الاتصالات الذي أكد أن القطاع الخاص اللبناني لديه كامل الجهوزية للانخراط في أي مشاريع مشتركة، إن كان في لبنان أو في الامارات، مشدداً على أن «الاستثمار مناسب في العقار على اختلاف أنواعه بسبب انخفاض أسعار العقارات. كذلك في القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة وسياحة، مع توجه الدولة لتوفير الدعم والتحفيزات لها، انطلاقاً من توصيات خطة ماكنزي، وفي البنية التحتية أيضاً مع توفير مؤتمر سيدر تمويلاً يتجاوز الـ11,5 مليار دولار لهذه المشاريع، وتخصيص نحو 3,7 مليارات دولار منها لتنفيذها بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك في النفط والغاز مع بدء الاستكشاف في البحر مطلع كانون الأول المقبل. وأوضح أن «وزارة الاتصالات تعد حالياً دراسات عن مد كابل بحري للانترنت بين اوروبا ولبنان لاعتماد بلدنا مركزاً لتوزيع هذه الخدمة على الدول المجاورة. كذلك فإننا قطعنا شوطاً كبيراً في التحضير لاطلاق مناقصة لانشاء مركز المعلومات الوطني national data center ، وهو من ضمن مشاريع سيدر معلناً عن حصول درس جدي لإمكان استثمار شركتي الخليوي في لبنان عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كذلك كانت كلمة في الجلسة نفسها لوزير تكنولوجيا المعلومات عادل افيوني الذي امل في تمهيد الطريق لتعاون استراتيجي حقيقي بين لبنان والامارات يساهم في تحقيق التحول الرقمي في الإدارة اللبنانية. ولفت الى ان إمكانات التعاون والتكامل بين الشركات الناشئة الواعدة في لبنان والشركات أو رجال الأعمال او الصناديق الاستثمارية في الإمارات كبيرة، ومثلاً ممكن أن نشكل صندوقاً للاستثمار في الشركات الناشئة اللبنانية التي لديها إمكانية التوسع نحو الإمارات او التكامل مع شركات إماراتية، وبذلك نكون قد حفزنا نمو الحركة الاقتصادية في البلدين وشجعنا التكامل والشراكة بين الشعبين. ولفت الى أن الاستثمار لا يمكن أن يتم اذا لم يُبنَ على بيئة أعمال محفزة وتنافسية وجذابة تستقطب المستثمرين ورجال الأعمال. وهذا ما نسعى اليه وقد وضعناه في رأس أولوياتنا كحكومة وكوزارة.

ثم عقدت الجلسة الثانية بعنوان: التبادل التجاري وفرص الاستثمار في الأمن الغذائي، حيث كانت كلمة لوزير الاقتصاد منصور بطيش أنّ التعاون بين لبنان والإمارات العربيّة المتّحدة يمكن أن يسهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلدين. فلبنان يوفّر أرضيّة كفؤة للاستثمار، خصوصاً للإماراتييّن والعرب، لا سيّما في قطاعي التغذية والزراعة اللذين قد يكونان منطلقا لتنمية العلاقات في باقي القطاعات الاقتصاديّة. وقال نحن نسعى إلى تقديم كلّ التسهيلات لرجال الأعمال الإماراتيين للاستثمار في لبنان، في العديد من القطاعات الواعدة، وفي طليعتها القطاع الزراعي، خصوصا أنّ الحكومة اللبنانيّة تولي أهميّة خاصّة اليوم للزراعة، وهو ما ركّزت عليه كذلك دراسة أعدّها الاستشاري ماكينزي.

وفي الجلسة نفسها، تحدث وزير الصناعة وائل أبو فاعور الذي اقترح عقد لقاء مشتركاً يكون مخصصاً لمسألة التبادل في القطاعات الصناعية الغذائية والزراعية، ولدينا الكثير من البرامج التي نسعى عبرها إلى رفع مستوى هذه الصناعات. وننفذ هذه البرامج مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ومع الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية التي تسعى إلى تحسين جودة الإنتاج الزراعي في لبنان. وهناك أيضاً مشروع المناطق الصناعية الجديدة الذي تحدث عنه الرئيس الحريري، وقد بدأنا بسبع مناطق صناعية تمتد عبر الأراضي اللبنانية وبعضها قريب من مناطق زراعية غنية للاستفادة منها في التصنيع الغذائي».

ثم عُقدت الجلسة الثالثة للمؤتمر بعنوان: فرص الاستثمار في قطاعات البنية التحتية – قوانين الشركات بين القطاع العام والقطاع الخاص في البلدين، تحدث فيها كل من رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، الرئيس المفوض للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس حسن ضناوي، أمين عام المجلس الأعلى للشراكات بين القطاعين العام والخاص فرحات فرحات، المدير التنفيذي لموانئ دبي محمد يوسف المعلم ورئيس مجلس إدارة شركة «روتانا» لإدارة الفنادق ناصر النويس.

بعد ذلك، عُقدت الجلسة الرابعة حول فرص الاستثمار في قطاع النفط والغاز والطاقة المتجدّدة، تحدّث فيها كل من مستشار وزيرة الطاقة والمياه ريمون غجر، رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري، رئيس هيئة إدارة قطاع البترول وليد نصر، وكيل وزارة الطاقة والصناعة الإماراتية مطر حامد النيادي، رئيس دائرة المكتب التنفيذي في «أدنوك – الإمارات» عمر صوينع السويدي والمدير التنفيذي للطاقة النظيفة في الإمارات يوسف العلي.

كما عُقدت الجلسة الخامسة حول دور القطاع المصرفي والمالي وصيغ التمويل المتاحة، حيث كانت كلمة لرئيس جمعية المصارف اللبنانية سليم صفير الذي تحدث عن مطبات اقتصادية سيتم تجاوزها كما في السابق، لأن ركائز الاقتصاد لا تزال متينة. ونحن في القطاع المصرفي متفائلون بتوجه الحكومة الجديد المبني على سياسة مالية تتناسب مع حجم إيرادات الدولة. هناك فرصة ثمينة للبنان وللمستثمرين العرب للاستفادة من قوة الدفع التي سيطلقها «سيدر»، والتي نعتقد أنها ستساهم في خلق مناخ استثماري جاذب». ودعا الشركات والمصارف العربية إلى «النظر بجدية إلى السوق اللبنانية كوجهة استثمارية جدية، وهم سيجدون في المصارف اللبنانية حليفاً وشريكاً استراتيجياً ومجدياً. التحدي الحقيقي بالنسبة الينا هو إنعاش الاقتصاد واستعادة النمو. وهذا أمر يتطلب ضخ رؤوس أموال وتأمين قروض مدعومة. إن السيولة متوافرة في مصارف لبنان، ولكن القروض مكلفة بسبب ارتفاع الفوائد نتيجة التصنيف الائتماني المنخفض». وأكد أن «تأمين قروض زراعية وصناعية وسياحية مدعومة بفوائد تحفيزية سيساهم في تعزيز النمو وزيادة الإنتاجية وخفض العجز. كما ان القطاع المصرفي مستعد وجاهز للمساهمة في تأمين المستلزمات المالية لقطاعي النفط والغاز حين يدخل لبنان في مرحلة التنقيب والتصدير».

وأكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مداخلة في الجلسة الخامسة، «أن مصرف لبنان يؤمن باستمرار الدولارات للأسواق اللبنانية بالأسعار الثابتة حالياً، لافتاً الى أن البلاد لديها العديد من الخيارات في مساعيها للحصول على مساعدة لكبح تراجع حاد في ثقة المستثمرين. وقال سلامة نحن نتطلع إلى مشاريع لتطوير الشمول المالي بإدخال التقنيات إلى القطاع المصرفي، وستصدر تعاميم بهذا الصدد. وهذا يشكل بدوره مجالاً للاستثمار في لبنان. كما أننا سنطلق في نهاية الفصل الأول من العام 2020 المنصة الإلكترونية للتداول بالأوراق المالية، والتي ستكون داعمة لعمليات الشركات الخاصة في لبنان وإمكانية تمويلها». وبسؤاله عما إذا كانت الإمارات ربما تقدم للبنان مساعدة مالية من خلال الاكتتاب في إصدار سندات، قال «هناك احتمالات عديدة ومناقشات.. إنما هذا الأمر متروك لرؤساء الدول، هم يقرّرون».

كذلك كانت كلمات في الجلسة نفسها لرئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه، ومحافظ مصرف الإمارات المركزي مبارك راشد المنصوري.

على هامش مشاركته في مؤتمر الاستثمار الإماراتي – اللبناني المنعقد في أبو ظبي، اجتمع الحريري مع وفد من ممثلي الشركات البريطانية المقيمين في الإمارات، التي تهتم بالاستثمار في لبنان، وخلال الاجتماع، اطلع ممثلو الشركات من الرئيس الحريري على أجواء الاستثمار في لبنان وطبيعته وبرنامج الحكومة للسنوات المقبلة. كما قدم الرئيس الحريري عرضاً شاملاً عن الواقع الاقتصادي اللبناني.

وعقد رئيس الحكومة مع صفير اجتماعاً على هامش مؤتمر الاستثمار الإماراتي – اللبناني، بحضور مستشار الرئيس الحريري نديم المنلا. وبحث الجانبان خلال اللقاء، في الشؤون المصرفية والاقتصادية وتطوراتها على الساحة اللبنانية، حيث كرر صفير طمأنة الحريري إلى أن لا أزمة دولار في المصارف اللبنانية كما يشاع، بل هناك تنظيم لعمليات التحويل من الليرة إلى الدولار في إطار ضبط السوق. وتطرق البحث إلى كيفية الإفادة من فاعليات المؤتمر لدعم لبنان على الصعيدين المالي والاقتصادي. وتم الاتفاق على متابعة هذه المواضيع عند عودة الجانبين إلى لبنان.

كذلك جمع غداء وزير الدفاع الياس بو صعب ووزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات انور قرقاش استكمالاً لنقاشات دارت بينهما سابقًا حول موضوع منع سفر الاماراتيين الى لبنان. وحمل بو صعب معه بعض الايضاحات بشأن هذا الملف، كما ناقش الطرفان مواضيع مختلفة.

في حين بددت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن لنظيرها الإماراتي الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، المخاوف في ما يتعلق بما اعتبره الاماراتيون ثغرات أمنية في مطار بيروت، وهذا سيؤثر حتما ايجاباً في تطبيق رفع الحظر على سفر الرعايا الإماراتيين الى لبنان، كما قالت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى