حرب سعودية صهيونية أم ثورة اجتماعية؟

شوقي عواضة

لا يمكن إلغاء إمكانية استخدام العراق قاعدةً عسكريةً لإطلاق الصواريخ نحو «إسرائيل»، ويجب علينا أن نكون مستعدّين لمعركة متعدّدة الجبهات، بتلك العبارة حدّد وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي جلعاد إردان أهداف حرب كيانه على العراق ليؤيده رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية الميجر جنرال تامير هايمان بأنّ العراق «خاضع لنفوذ متزايد لقوة القدس الإيرانية، فالإيرانيون يمكن أن يروا العراق مسرحاً ملائماً للتمركز، مثل ما فعلوه في سورية وأن يستخدموه منصةً لحشد عسكري يمكن أن يهدّد أيضاً دولة إسرائيل جاءت تلك التهديدات في ذروة مواجهة المدّ الداعشي الصهيوني في ظلّ تنامي قوة وقدرات الحشد الشعبي العراقي الذي أعلنت عدة فصائل أنها ستكون جزءاً لا يتجزأ من المواجهة القادمة مع الكيان الصهيوني في ظلّ انتصارات أقلقت الكيان الصهيوني وقياداته السياسية والعسكرية، وأرعبت أمراء مملكة الإرهاب التي شكل انهزام مشروعها في العراق وسورية ولبنان واليمن صفعةً مدويةً لتتلاقى مصالح الكيانين السعودي والصهيوني تحت عنوان الحدّ من المدّ الإيراني وهو في الواقع مواجهة محور المقاومة الممتدّ من إيران مروراً بالعراق وسورية ولبنان ووصولاً إلى اليمن الذي حطم عنجهية بني سعود.

وبالتوازي مع التهديد العسكري وفشله في تدمير قدرات العراق لا سيما الجيش والحشد الشعبي بعد تنفيذ غارات استهدفت مواقع للحشد دأب الصهاينة على استخدام القوة الناعمة باعتبارها مقدمةً لأيّ عمل ميداني مستقبلي قد يقدمون عليه ضدّ العراق ليبدأ السيناريو الجديد من بغداد وهو تكرار لما حصل في درعا.

فمنذ اللحظة الأولى لاندلاع عدوى الربيع العبري في سورية أيقن الكثيرون من المتابعين مدى خطورة وحجم المؤامرة على سورية، حصن المقاومة، وتجلى المشهد بوضوح أكثر عندما قام المتظاهرون بإحراق أعلام إيران وروسيا وحزب الله، ذلك المشهد الذي وضع عنواناً بالخط العريض للمواجهة وهو إسقاط وضرب محور المقاومة بدءاً من سورية.

لا يختلف اثنان على أنّ المنطقة العربية لا سيما دول محور المقاومة تعيش أزمةً اقتصاديةً حادةً لأسباب عدة منها: الحصار الأميركي إضافةً إلى الفساد المستشري في الإدارات والمؤسّسات، وغياب أيّ برنامج إصلاحي جدي لمعالجة الأمور، وإسهام المصارف والبنوك في الحصار المفروض لنيل الرضا الأميركي، حيث أصبحت تعمل وفقاً للقوانين الأميركية وتلتزم بأوامرها، وما يتعرّض له العراق هو ما تتعرّض له إيران وسورية ولبنان وفلسطين واليمن، ولكنه يتخذ وجهاً آخر من وجوه الحرب الجديدة مع أحقية المطالب للشعب العراقي وتأييدها، بل ومع ضرورة إجراء إصلاحات عملية تعطي لهذا الشعب الذي واجه الحصار الأميركي وتصدّى لكلّ المؤامرات التي أرادت تفتيت العراق. بالرغم من أحقية تلك المطالب التي دفعت بالناس إلى الخروج نحو الشارع للتعبير عن أوجاعها تسابقت غرف العمليات السوداء التي تديرها سفارات أميركا والسعودية وأجهزة صهيونية تدير العمليات من أربيل وخلفها جيش من الذباب الالكتروني والإعلام الأصفر إلى التمترس خلف تلك المظاهرات ليتكرّر المشهد الدرعاوي في بغداد بحرق علم إيران وإطلاق الهتافات ضدّها ليبدو المشهد أكثر وضوحاً.

ما جرى في بغداد لم يكن وليد لحظته بل كان ثمار جهود بدأت منذ زيارة وفد برلماني عراقي إلى الكيان الصهيوني عام 2018، تلتها زيارة إعلاميين شاركوا ضمن وفد عربي في زيارة للكيان في شهر تموز من هذا العام، إضافةً إلى زيارات مسؤولين عراقيين للسعودية عدا عن الزيارات المفتوحة للكثير من السياسيين العراقيين وبعض الضباط للسفارة الأميركية في بغداد التي تفتح بابها ليلاً نهاراً في وجه كلّ زائر متعاون. ما جرى في المشهد العراقي هو ثورة اجتماعية حقيقية تعبّر عن آلام الناس، سرعان ما ألبست بزة عسكرية تنبئ بحرب طاحنة لها أهدافها. فمن حيث التوقيت أتت هذه الأحداث بعد ضربتين موجعتين للسعودية على يد الجيش اليمني واللجان الشعبية من خلال هجوم «أرامكو» وعملية «نصر من الله» مما هشم صورة السعودية وجيشها وحلفائها بمنظموتها العسكرية الأميركية، إضافة إلى الانجاز الكبير الذي شكل ضربةً لحلفاء صفقة القرن من خلال سيطرة الجيش السوري على معبر البو كمال، وهذا يعني فتح خط طهران بغداد دمشق بيروت الذي يقلق الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى.

أما بالنسبة إلى الأهداف فقد أرادت السعودية إعادة هيبتها أمام العالم وبدعم أميركي إسرائيلي من خلال إيجاد قاعدة جديدة تقول بغداد مقابل صنعاء في محاولة لتعويض هزائمها المتتالية على مدى خمس سنوات من العدوان على اليمن، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إسقاط الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي المتمرّد على الأميركي وصاحب الكفّ النظيف وضرب عناصر القوة العراقية من خلال ضرب الجيش والقوى الأمنية العراقية من خلال المجموعات المندسّة بين المتظاهرين والتي قامت بإحراق العديد من المؤسسات الحكومية والآليات وقتل عناصر أمنية إضافة إلى حلّ الحشد الشعبي وفصل العراق وسورية عن إيران التي دعمت العراق في تصدّيه للمدّ الداعشي ومنعت تقسيم العراق وإقامة دولة كردية…

كلّ ذلك ترافق مع حملة إعلامية واضحة تماماً لوسائل إعلام النفط السعودي والخليجي والصهيوني من خلال ضخ السمّ في العسل وبكمّ كبير من الأخبار الملفقة في محاولة لتأجيج الوضع وتفجيره للوصول إلى مرحلة الانقلاب، وبدا ذلك أكثر وضوحاً من خلال مشاركة بعض عبيد المال وتجار الدماء على شاشات الإعلام السعودي والصهيوني دون أن ننسى دور بعض الأكراد إعلامياً في تأجيج الوضع مطالبين بإقالة الحكومة العراقية التي سارعت إلى معالجة الأوضاع بحكمة وعقلانية لتحبط مرةً جديدةً مؤامرة تستهدف العراق الذي اتخذ خياره بأن يكون عربياً لا عبرياً ومقاوماً لا مساوماً في قضية فلسطين وقضايا الأمة.

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى