القيم المضافة… في الاقتصاد السوري

د. لمياء عاصي

ترتكز مسيرة النهوض الاقتصادي وتقدّم الأمم، على النمو الاقتصادي التراكمي لسنوات طويلة، لتحقق الدولة خلالها الرفاه الاقتصادي للمواطنين، من خلال زيادة الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعبّر عن مجموع القيم المضافة على السلع والخدمات المنتجة في اقتصاد دولة ما، ومن المعروف، أنّ ارتفاع متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، يعبّر في شكل كبير عن مستوى المعيشة ومتوسط الثروة، ويعكس القدرة الشرائية للأفراد، بشرط أن يكون المؤشر الجيني، الذي يقيس نسبة التفاوت وعدم المساواة في توزيع الثروة ضمن حدود مقبولة.

لإحداث النمو الاقتصادي، لا بدّ من خلق زيادات مضطردة في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يطرح أسئلة مهمة، عن كيفية زيادة قيم السلع والخدمات المنتجة؟ وهل الزيادة يجب أن تكون زيادة في كميات هذه السلع والخدمات، ورفع مستوى كفاءة إنتاجها، وجعلها منافسة في الأسواق؟ وهل ممكن أن نزيد الناتج المحلي الإجمالي من طريق رفع قيم السلع المنتجة، بزيادة القيم المضافة فيها؟

تعتبر القيم المضافة العالية هي السمة الأساسية للاقتصاديات المتقدمة اليوم، وتعرف بأنها التحسين الذي يجري على السلعة، فيرفع مزاياها الوظيفية أو الجمالية أو مرونة وسهولة استخدامها من قبل المستهلكين، ما يؤدّي إلى زيادة قيمتها وقدرتها التنافسية، ليكون لها مكان في الأسواق المحلية والخارجية، خصوصاً في ظلّ الانفتاح الذي تشهده التجارة الخارجية العالمية اليوم، حيث تنضمّ لمنظمة التجارة العالمية الـWTO حوالى 160 دولة، و25 دولة بحكم مراقب، مما يجعل المنافسة أكثر ضراوة بين السلع المتشابهة، سواء لناحية السعر الأرخص أو الجودة الأعلى، كما يلعب الابتكار والإبداع، والمكوّن التكنولوجي في السلع دوراً مهماً في كسب حصة أكبر من السوق، كما في أجهزة الاتصالات المحمولة مثلاً، أو ألعاب الأطفال… والأجهزة الالكترونية، والأزياء، والسيارات وغيرها…

تساهم القيم المضافة على السلع إيجابياً في لعبة المنافسة، وفرض السعر المناسب في الأسواق، لذلك يجب أن تعتبر عاملاً حاسماً، في تشجيع المنتجين والمصدرين على تحقيق حضور أفضل في الأسواق الخارجية، وهذا يرتبط إلى حدّ كبير بثلاث نقاط أساسية:

ـ الأولى: مستوى قدرات وخبرات القوة البشرية العاملة إضافة إلى تأهيلهم وتدريبهم المستمر.

ـ الثانية: وجود بنية مؤسساتية داعمة لعملية الابتكار والإبداع، لأنها عملية تراكمية تحتاج إلى مؤسسات لاستغلال الأفكار التي يقدمها الباحثون، وتحويلها إلى تطبيقات عملية.

ـ الثالثة: ربط البحث العلمي والجامعات بقطاعات الإنتاج الحقيقي الصناعة والزراعة ، في شكل يضمن أنّ البحوث التي يتمّ إجراؤها، ستكون في خدمة تطوير السلع المنتجة أو إنتاج سلع أخرى جديدة أو تطوير عمليات الإنتاج.

ـ الرابعة: هي التشريعات التحفيزية للصادرات ذات القيم المضافة العالية للسلع، وغير مشجعة لتصدير المواد الأولية والسلع النصف مصنعة في محاولة لتشجيع المصنعين لرفع القيم المضافة على السلع قبل تصديرها.

عالمياً، فإنّ الكثير من الدول التي يتمتع الفرد فيها بمستوى دخل عالٍ، إنما تحصل على معظم عائداتها وإيراداتها من القيم المضافة التي تحققها على سلع تستوردها، وتضيف عليها المعرفة وجهود القوة البشرية فيها وتعيد تصديرها بقيم أعلى، وفي هذا السياق تعتبر مصافي البترول في سنغافورة خير مثال على القيم المضافة على المنتج، حيث يأتي النفط الخام إلى سنغافوة لتتم تصفيته واستخراج مشتقات منه، وفي عام 2008، كانت تتم تصفية 1.3 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 1.42 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي، على رغم أنها لا تنتج ولا برميل منها، تعتمد فقط على خلق القيمة المضافة على الكميات المستوردة من النفط الخام من خلال تصفيتها وتعبئتها وإعادة تصديرها، وتساهم هذه العملية لوحدها بما نسبته 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة، وتعتبر أحد المراكز الثلاثة الأهمّ في العالم لتصدير النفط المكرر وتسويقه، نتيجة لوجود المصافي لديها أولاً، ووجود المؤسسات المالية من مصارف وشركات تأمين لتقوم بالتحويلات المالية اللازمة لإتمام عمليات الشراء، إضافة الى شركات التخزين والنقل البحري.

يظهر هيكل الصادرات السورية، نسبة كبيرة للمواد الأولية أو النصف مصنعة، وهي ذات قيم مضافة منخفضة، مقارنة بالمستوردات التي تتكوّن في معظمها من السلع المصنّعة وذات المكوّن التكنولوجي العالي، وهذا يسبّب تفاقم عجز الميزان التجاري السوري، وكمثال على القيم المضافة في الاقتصاد السوري، يمكن ذكر ثلاثة قطاعات إنتاجية أساسية:

ـ أولها: الصناعات النسيجية السورية، ومن المعروف أنّ لسورية ميزة نسبية تاريخياً، حيث أنّ الصناعيين السوريين هم من نقلوا هذه الصناعة إلى الكثير من الدول العربية، أما اليوم، فإنّ الألبسة المصنّعة في سورية وعلى رغم بعض الاستثناءات فإنها في معظمها تفتقد إلى عنصر التصميم والابتكار من جهة، ومن جهة أخرى تفتقد إلى دقة التصنيع وعمليات الإنهاء والتغليف أو التعليب، لم يظهر المنتجون اهتماماً بالتصاميم سواء للأزياء أو للأقمشة، ولا توجد كليات جامعية لتصميم الأزياء تستوعب العدد الكافي من الشباب، ولم يحصل تشبيك وربط مع دور أزياء شهيرة خارج سورية، لتنفيذ الملابس حسب اتجاهات الموضة العالمية، فبقيت قيم الملابس رخيصة، والملابس المنتجة من قبل مؤسسات القطاع العام عصية على التسويق في الأسواق المحلية أو الخارجية، بل بقيت على شكل مخازين متراكمة، وهذا سبّب الكثير من الخسائر.

ثانيها: زيت الزيتون السوري، حيث تحتلّ سورية المرتبة الخامسة عالمياً بإنتاج الزيتون، وتجري له عمليات عصر وتنقية أولية ثم يصدّر بكميات وعبوات كبيرة دوكمة إلى إيطاليا، لتحصل له عمليات تنقية إضافية، وتعبئة بعبوات متنوّعة وذات تصاميم جميلة ويُعاد تصديره بأسعار عالية، حيث يتمكن الإيطاليون من تحقيق أرباح جراء القيمة المضافة على زيت الزيتون السوري، تفوق القيمة الأصلية للمنتج.

ثالثها: القطن السوري، والذي يصدر قسم منه كقطن خام من دون أي قيمة مضافة، أما القسم الآخر فتزوّد به المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، بعد أن تجري عليه عمليات الحلج والغزل، لينتهي كأكياس لتعبئة الطحين والمواد الغذائية الأخرى، ويتحوّل بعد ذلك إلى مماسح للأرضيات، هذه الطريقة في التعامل مع منتجات مثل القطن وزيت الزيتون والصناعات النسيجية وغيرها، تجعلها موارد ضائعة في الاقتصاد السوري.

أخيراً… لا بدّ من القول، إنه على رغم الحرب القذرة… والأزمة التي تعيشها سورية للعام الرابع على التوالي، والتي أثرت في شكل سلبي على سلاسل الإنتاج الصناعي والزراعي، لا تزال هناك فرص وإمكانات لإدخال قيم مضافة على الكثير من المنتجات والخدمات، واستخدام ذلك، لزيادة فرص التعافي الاقتصادي، إذ إنه من المعروف أنّ النمو الاقتصادي يعتمد على ثلاث دعامات رئيسية، هي مجموع القيم المضافة على السلع المنتجة، معدلات الإنتاجية، المؤشرات المتعلقة بكفاءة بيئة الاعمال في شكل عام، ومستوى التنافسية للمنتجات السورية، وغني عن القول إنّ رفع هذه المؤشرات سيكون له انعكاس إيجابي على عموم الناس، كفرص عمل ومستوى معيشة أفضل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى