دونمة المجازر… دونمة التقسيم ٢

د.نسيب أبو ضرغم

لقد أشرنا في المقالة السابقة إلى أن تركيا كانت الدولة الإسلامية الأولى التي اعترفت بوجود «إسرائيل» وأقامت معها علاقات دبلوماسية. كما أنها الدولة الإسلامية الأولى التي انخرطت عضواً كامل العضوية في حلف شمال الأطلسي.

في الحقيقة، نهدف من خلال ما أشرنا إليه في المقالة السابقة، حول دور يهود الدونمة في تأسيس الدولة التركية الطورانية، إلى أن هذه الدولة في عقيدتها الطورانية المنتجة من الفكر اليهودي وعلى أيدي اليهود، كما سبق وأشرنا. إن هذه الدولة، تشكل حاجة استراتيجية كبيرة للتحالف الصهيو-أميركي، وبالتالي، فإنها من خلال هذه الحاجة، يجرى إعطاؤها الأدوار، كما يتم إمدادها بشروط القوة كافة، لا لشيء، إلا لأنها تخدم مصالح هذا التحالف، وإن كان على حساب حقوقنا القومية.

يقول الرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت: «إن الدفاع عن تركيا، هو في الوقت عينه دفاع عن الولايات المتحدة الأميركية» 1 .

ويقول الجنرال أيزنهاور: «ما من بقعة في الأرض، أكثر أهمية من الشرق الأوسط، إذ إن أهمية تركيا تنبع من كونها جغرافياً، موقعاً استراتيجياً يحقق للسياسة الأميركية هدفها المزدوج: أ- مواجهة الاتحاد السوفياتي، وإقامة حصن أمام انتشاره. ب- قيام قاعدة ارتكازية قوية للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، «أغنى كنوز العالم»» 2 .

وأيضاً ما صدر عن الكونغرس الأميركي: «بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي تركيا مع وجود مضيقي البوسفور والدردنيل فيها، حيث يتم الإشراف على العبور من البحر الأسود وإليه. تشغل تركيا موقعاً فريداً في تقييد حركة المرور على السفن الحربية المعادية في طريقها إلى المتوسط أثناء الحرب وبفضل موقعها الجغرافي المهم، فإنها تسيطر على معظم الطرق الجوية والبرية المباشرة بين الاتحاد السوفياتي والشرق الأوسط وأفريقيا. وهناك التسهيلات التي تضمنها تركيا في خدمة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، من أجل دعم المهمات الأطلسية» 3 .

من خلال النصوص الثلاثة المشار إليها، يتبين بوضوح أن تركيا الطورانية التي تأ سست على أراض أجنبية، هي تركيا الدولة الوظيفة، التي تؤدي الخدمات الاستراتيجية للتحالف الصهيو أميركي. ولعل كلام الجنرال أيزنهاور حول قيام تركيا كقاعدة ارتكازية للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط أغنى كنوز العالم ، فمعنى ذلك، أن صيغة الدونمة التي أسست الدولة التركية، هي ذاتها لا تزال تفعل في خلق شروط استمرار تلك الدولة، وفي جعلها عاملاً عدوانياً تجاه الشعب السوري في مدى سورية الطبيعية قاطبةً.

إذا كانت الحكومات التركية على نحو ما ذكرنا، فمعنى ذلك أيضاً، أنها منخرطة في لعبة تأمين شروط السيطرة على أغنى كنوز العالم لمصلحة المعلم الأكبر للطورانية وهو التحالف الصهيو أميركي، هذه الشروط التي يقع في مقدمها تقسيم الدول السورية، والعمل على تدمير اقتصادها، وكل ذلك ناتج من طبيعة الدولة التركية من حيث الإيديولوجية الطورانية المتحكمة بها، إضافةً إلى حجم الرشاوى التي تتلقاها هذه الدولة، من القوى الإمبريالية، سواء أكانت فرنسية أم أميركية. سابقاً كانت الرشوة لواء الإسكندرون وكيليكيا وأجزاء مهمة من الشمال السوري، واليوم تطمح هذه الدولة أن تكون رشوتها اقتطاع مساحة من أراضي الجمهورية العربية السورية تبدأ من آخر نقطة للواء الإسكندرون جنوباً، وبخط مواز وصولاً إلى الموصل. يعني ذلك ضم حلب وإدلب وكامل الشمال السوري إلى تركيا.

ليست تركيا دولة حليفة للتحالف الصهيو-أميركي فقط، فثمة بعد أعمق من التحالف هو النزعة الواحدة للطورانية واليهودية، وهو الأساس الذي قامت عليه العلاقات التركية ـ «الإسرائيلية» وعلى قاعدة استراتيجية. لقد أكد إسحاق رابين، وزير الدفاع «الإسرائيلي» في حينه، للصحافي جنكيز جارندار 4 : «أن العلاقات وثيقة بين الدولتين، وأن دور تركيا في الاستراتيجية الإمبريالية هو المدافعة عن المصالح الغربية في الشرق الأوسط».

ثمة محطات كثيرة تُظهر مدى عمق التحالف بين اليهود والأتراك وهذا قد ظهر بشكل عملي في العدوان على سورية، حيث كان توزيع الأدوار واضحاً. لم يكن الدور «الإسرائيلي» في سورية أكثر أذى ولؤماً وفاعليةً من الدور التركي. الاثنان تجمعهما الأهداف ذاتها والمطامع ذاتها والإيديولوجيا ذاتها.

كلا الدولتين، يطمح إلى السطو على ثروات الدول السورية أغنى كنوز العالم ، وبالتالي، فإن سياستهما منذ قيام الكيان الصهيوني تعملان على وقع واحد، تتعاونان وتنسقان ويدعم بعضهما بعضاً. فهذه تركيا، كان لها الدور الفعال في تسهيل إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية بين الكيان الصهيوني والجمهوريات الإسلامية، التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي غداة تفككه، باستثناء تركمانستان.

وكذلك فهي على رغم مشاركتها في أول مؤتمر إسلامي في الرباط، رفضت إدانة «إسرائيل» على حرقها المسجد الأقصى. ومنذ 20 – 25 شباط 1952، هي عضو في الحلف الأطلسي. وعام 1950 اعترفت تركيا قانونياً وبشكل كامل بـ«إسرائيل»، وتم تبادل البعثات الدبلوماسية، وهي لم تضع أية عراقيل، أمام هجرة اليهود إلى «إسرائيل»، في وقت لم تعترف بمنظمة التحرير إلا في عام 1979، أي بعد ثلاثين سنة من اعترافها بـ«إسرائيل»، وكان ذلك على مستوى متدنٍ.

لقد عرضنا بعضاً من المواد التاريخية التي تثبت أصالة العلاقة بين اليهودية والطورانية، والتي تتأكد لدينا اليوم، سواء أكان الحاكم في أنقرة علمانياً أم يدعي الانتماء الإسلامي. والملاحظ أن الفترات التي حكم بها العلمانيون تركيا لم تشهد مثل هذه النزعة العدوانية التي ظهر بها أردوغان، والتي لا تختلف عن السلوك اليهودي في الأرض المحتلة، من حيث المطامع وسرقة الثروات. لقد اعتبر التحالف الصهيو أميركي، أن اللحظة التاريخية المنتظرة قد أزفت مع مجيء الربيع العربي، وأن ساعة سورية قد دقت، فأخذ التحالف الدولي الصهيو-أميركي الأوروبي التركي الخليجي، يستل خنجره ليقتطع ما استطاع من جسد سوري، تماماً كما فعل عام 1939 وعام 1948 في فلسطين.

ثلاثة أخطار تهدد العالم العربي: الصهيونية والطورانية والوهابية، وفي المقالة المقبلة سنتكلم عن الوهابية كقطب ثالث من مثلث العداء لوجودنا القومي.

1 – د. جرجس حسن تركيا في الاستراتيجية الأميركية بعد سقوط الشام ص 33.

2 – جهاد صالح الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية بيروت 1987 ص 177- ورد في كتاب د. صالح زهر الدين «مخاطر الدور التركي في المنطقة العربية».

3 – «تركيا صعوبات وآفاق دراسات استراتيجية- رقم 12- مؤسسة الأبحاث العربية بيروت- ص 22.

4 – جريدة «حرييت» بتاريخ 14/05/1989 وورد كذلك في كتاب «تركيا في الاستراتيجية الأميركية بعد سقوط الشاه»- ص 57.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى