الأردن: إقالة الأمنيين وسياسة «النوم مع الشيطان»

حميدي العبدالله

اعتراف رسمي أردني بأنّ إطاحة القادة الأمنيين وعلى رأسهم وزير الداخلية ومدير الأمن العام كانت له خلفية سياسية أمنية متصلة بسيطرة الجماعات الإرهابية المتطرفة على مدينة معان الواقعة جنوب المملكة الأردنية الهاشمية.

ومعروف أنّ مدينة معان شهدت في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي تحرّكاً شعبياً واسعاً، وحدثت صدامات مع أجهزة الدولة جرى تطويقها بموافقة الملك الأردني الراحل حسين، بالعودة إلى المسار البرلماني وإجراء انتخابات نيابية علّقت منذ احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية عام 1967.

تكرّرت انتفاضات معان أكثر من مرة على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وبعد عام 2011 خرجت المدينة بعد مواجهات عن سيطرة الدولة الأردنية والسيطرة الأمنية، إذ تتواجد أجهزة الدولة الإدارية داخل المدينة، ولكن الأجهزة الأمنية تنتشر في محيطها، وباتت المدينة بمثابة «مدينة محرّرة» ويجاهر تنظيم «داعش» بالتواجد داخلها حيث سيّر التظاهرات، ورفع المتظاهرون أعلام ورايات «داعش».

لا يمكن فصل ما جرى من تغييرات أمنية، بذريعة الفشل والتقصير، عن السياسة الرسمية العليا المعتمدة من قبل أعلى السلطات، أيّ الملك الذي له وحده الحق في رسم السياسات العامة للأردن. إذ تحت تأثير تحالفه مع الولايات المتحدة والدول الخليجية ساهم بقوة، ولا سيما في السنتين الماضيتين، في فتح أراضيه وحدوده أمام الإرهابيين للقتال في سورية، ومعروف أنّ قادة التنظيمات الإرهابية، وتحديداً المرتبطة بتنظيم «القاعدة» التي تنشط في محافظة درعا غالبيتهم من الأردنيين والسعوديين. وبرهنت تجارب عديدة، وتحديداً تجارب باكستان منذ الثمانينات أنّ أيّ دولة تفتح أراضيها وحدودها أمام الإرهابيين، فإنها سوف تدفع عاجلاً أم آجلاً ثمن ذلك. بمعنى آخر باكستان التي شكّلت قاعدة لتدريب وتسلل الإرهابيين إلى أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، عجزت لاحقاً عن إخراج كلّ الإرهابيين من أراضيها، بل إنّ جزءاً من مواطنيها تأثر بطروحات الجماعات الإرهابية والتحق بها، وعمل على نشر مفاهيمها، وأنشأ مرتكزات شعبية لها في مناطق معينة في باكستان، وأدّى هذا لاحقاً إلى تشكيل تنظيمات إرهابية باكستانية تحارب الدولة والجيش الباكستاني، ولا تزال هذه التنظيمات من أمثال «طالبان باكستان» تنشط وتشنّ الهجمات يومياً على الجيش ومؤسسات الدولة، وحوّلت مناطق في باكستان، إلى ملاذات آمنة لها. اليوم تتكرّر التجربة ذاتها مع الأردن، وبالتالي فإنّ إقالة المسؤولين الأمنيين لا تقدّم ولا تؤخر، وجاءت متأخرة جداً، ومن يجب أن يسأل على هذا الصعيد هو الجهات التي سمحت للإرهابيين بالتواجد على الساحة الأردنية، حتى لو كان الهدف استهداف دولة مجاورة مثل سورية، لأنّ ارتدادات هذا التواجد إلى داخل الأردن كان متوقعاً ولم يكن حدثاً مفاجئاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى