من البرادعي إلى الإبراهيمي… استراتيجية القضاء على الدولة الوطنية

خالد العبّود

أمين سرّ مجلس الشعب السوري

في ظلّ الإعداد للعدوان على العراق، سطع نجم الدبلوماسي المصري محمد البرادعي كواجهة دبلوماسية لإدارة ملف السلاح الذي قيل إنّ العراق كان يملكه، إذ عشنا شهوراً طويلة بين مدّ وجزر، وبين زيارات خاطفة وغير خاطفة، ومؤتمرات صحافية عديدة. وناتج هذه الحركة أنّه تمّ الإعداد لمناخ الأزمة، ومناخ التهمة، وأخذَنا الإعلام والدبلوماسية، وتلك الحركة البرادعية في اتجاه أنّ صدام متهم بحيازة سلاح مجهول بالنسبة إلينا، وأنّ هذه الحيازة تحتاج إلى مواجهة وعقاب…

الصورة لم تكن إلاّ كذلك، والمشهد كان مشدوداً جداً لجهة هذا العدوان، بعيداً عن عناوين الحصار والفقر والحاجة التي ألحقت بشعب العراق، ولم يكن يخلو يوم من خبر أو عنوان يتحدث عن «سلاح الدمار الشامل»، وعن تجاوز العراق لجملة القوانين والقرارات الدولية والميثاقية، وكان البرادعي زعيماً حقيقياً لمشروع هذا التركيز وهذا التثقيل!

أنشأ البرادعي صيغة متقدمة لتبرير العدوان، وأوجد منصة لذريعة الهجوم على العراق، وأحدث صيغة أمر واقع تقول إن الأزمة في رئيسياتها أزمة «سلاح دمار شامل»، وأنّه كان ينفّذ ويرسخ ويدافع عن مفاهيم إنسانية واسعة، تشمل العالم كلّه، فشدّ الوجدان الجمعي لدى الرأي العام العالمي في اتجاه عنوان محدّد هو: أنّ العراق يملك «سلاحاً لا إنسانياً»!

نجح البرادعي في شدّ العصب الجمعي لدى الرأي العام في اتجاه هذا العنوان، لكنّه لم يقدم إلينا في الآن ذاته صيغة حقيقية، تتحدث عن أبعاد هذا الفعل الذي يقوم به، وكان يدافع دائماً عن أنّه ابن مؤسسة ملتزم بقراراتها، وكان ينزع العمل الذي يقوم به ويخرجه من سياق الصراع الكلي للعالم، لكنّه لم يقل لنا كيف استطاع أن يفصل بين الإنساني الذي يلاحق العراق لأجله، وغير الإنساني الذي كان يمهّد به للعدوان على العراق!

كان الأخضر الإبراهيمي نسخة مطابقة لمحمد البرادعي، لأجل إنهاء الدولة السورية، من خلال إنشاء «ملف جديد» لحصيلة الحاصل في سورية، والقفز فوق العنوان الرئيسي للعدوان، إذ عمل على تكريس مفهوم النزاع السوري السوري وترسيخه، لأخذ المشهد كاملاً في اتجاه عنوان وحيد. يصبح هذا العنوان هو الرئيسي الأساسي في المشهد السوري، ما يرسّخ مفهوم «حلّ الصراع»، وحلّ الصراع لا يمكن أن يكون إلاّ من خلال ترسيخ دور «الوسيط»، الوسيط الذي سوف يمهّد لدور الأمم المتحدة، ثم دور مجلس الأمن، وكلها خطوات كانت حاضرة في ذهن الإيراهيمي الذي لم يكن وحيداً في الإعداد لمثل هذا السيناريو!

إنّ تسلّل الإيراهيمي إلى المشهد السوري وزجّه في تفاصيل افتراضية وناشئة على نحو غير دقيق أو حقيقي، يفضح الدور الذي كان يلعبه ويُعدُّ لأجله، كما يشير بدقة هائلة إلى مناخ العدوان الذي كان يشرعنه من خلال «شيطنة» الدولة السورية واعتبار الفريق الذي يقود هذه المؤسسة غير شرعيّ، وفي أدنى حالاته هو فريق سارق للسلطة وللدولة معاً!

أنشأ الإبراهيمي معادلة افتراضية وهمية، غير دقيقة وحقيقية على جسد عدوان كبير على سورية، وإرهاب أحرق كثيراً منها، وساهم في تكريس معادلات سياسية مفترضة وترسيخها، من خلال إعطاء الشرعية لطرف سياسي بعينه على أنه الفريق البديل الشرعي لمؤسسة الدولة، إذ اختصر المعارضة السورية بهذا الفريق وبدأ محاولته المفضوحة لإعداده بالمستويات كافة، كي يملأ فراغاً وهمياً به كان هيّأ له نظرياً ولا أخلاقيّا!

كان مطلوباً من الإبراهيمي الإعداد جيّداً لمنصة عدوان وتدخّل في سورية، وكان مطلوباً منه نقل ملف «الأزمة السورية» إلى مجلس الأمن، لتذرير الدولة السورية وإلحاقها بملفات المقايضات الدولية ووضعها فوق طاولة الدول الكبرى، بعيداً عن دورها الوطني ودورها الإقليمي!

غير أنّ الإبراهيمي كان مكشوفاً ومفضوحاً من قبل مؤسسة الدولة، لذلك كان الردّ عليه محكماً وزاجراً في كثير من الأحيان، كما أنّ الفريق الذي واجهه في تفاصيل المعركة لم يعطه كامل أوراق اللعبة الداخلية والخارجية. بلى، لقد تعامل معه، لكنّه تعامل بنصف أوراق، ونصف استجابة، ونصف احترام أيضا!

استطاع البرادعي أن يمهّد للعدوان على العراق، وأن يسقط الدولة الوطنية هناك، وأن يتمّ تدمير العراق، لكن الأخضر الإبراهيمي لم يستطع أن يفعل الشيء نفسه في سورية، ولم يستطع أن يبني منصة التدخل للقضاء على الدولة الوطنية فيها.

غير أنّ البرادعي والابراهيمي قدّما نموذجاً سيذكره التاريخ جيداً، وسوف يتوقف عنده طويلاً، لجهة أنهما كانا جزءاً مهماً من استراتيجية العدوان على مفهوم الدولة الوطنية في العالم العربي، خاصة تلك الدولة التي كانت هدفاً استعماريّاً أساسيّاً ورئيسيّاً، وشكّلت رافعة صمود في وجه مشروع احتلال كبير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى