جنبلاط يورّط لبنان ويربطه بمشروع التفتيت

روزانا رمال

يعرف النائب وليد جنبلاط أنّ المسعى الذي يقوده في محافظة السويداء السورية ليس محاولة إنسانية لحقن الدماء وتجنيب أبناء طائفته هناك مصيراً أسود ينتظرهم إذا استتبّ الأمر لـ«جبهة النصرة» باقتحام المنطقة والتصرف وفقاً للمنهج الذي بشر به قولاً أميرها أبو محمد الجولاني عبر قناة «الجزيرة» بدعوته الموحدين الدروز إلى تجنّب الأذى بمغادرة ما وصفه خيار الشرك والمجيء إلى دار الإيمان، والذي ترجمته عملياً السلوكيات واللباس والطقوس التي فرضت على دروز إدلب والمجازر التي ارتكبت بحقهم وآخرها كان ما جرى في بلدة قلب لوزة في ريف إدلب.

يعرف جنبلاط حقيقتين، الأولى أنّ «جبهة النصرة» حازت براءة ذمة سياسية ميّزتها عن «داعش» وساعدتها في التعاظم والنمو، وكان لجنبلاط الفضل الأول في صناعة هذه الصورة عنها كفصيل معتدل والسعي إلى تسويق هذا الفصيل إقليمياً ودولياً أمر لا يستطيع جنبلاط إنكار انه أقوى الأصوات التي ارتفعت علناً بهذا الخطاب، بينما حلفاؤه السعوديون والأتراك والقطريون والفرنسيون وحتى حليف الحلفاء «الإسرائيلي»، لم يفعلوا لـ«النصرة» ما فعله جنبلاط، ولذلك فهو آخر من يحق له التصرف ببراءة المندهش مما يجري والملهوف على إغاثة بني معروف.

يعرف جنبلاط أنّ جبل العرب وابناءه وقفوا مع الدولة والجيش كخيار حتى أنه اضطر إلى توجيه كلمات قاسية بحقهم واتهامهم بخذلانه كزعيم للطائفة ناصب الدولة والجيش في سورية العداء المطلق، كما يعرف انّ الخيار الذي يدعو إليه بتحييد السويداء عن المواجهة الدائرة بين الجيش السوري و«جبهة النصرة» وأخواتها، لا تعني خسارة لـ«النصرة» التي لانفوذ لها في الجبل، بل تعني خسارة للجيش بسلخ الجبل عن جغرافيا انتشاره وعملياً ضرب هذا الانتشار في جنوب سورية كله، وهو ربح مجاني لـ«النصرة» يتحقق بقوة المجازر والترويع من جهة والمسعى الجنبلاطي من جهة أخرى، وبالتلي يصير المسعى الجنبلاطي انتقاماً من الدروز الذين لم يجاروه في موقفه من الجيش السوري، لكنه انتقام بأيدي «جبهة النصرة»، وتحقيقاً لمشروع «النصرة» وجنبلاط معاً بإضعاف الدولة والجيش في سورية، وهذا يعني انّ مسعى جنبلاط هو خطة سياسية لتحقيق تقدّم المشروع الذي يقف على ضفته منذ أربع سنوات.

طالما يعرف جنبلاط ذلك فلا يحق له لبس ثوب الحمل الوديع والتصرف ببراءة أو مطالبة الغير بالنظر إلى سلوكه ومسعاه بسذاجة، وهو يعرف أنّ التحييد هو المصطلح الناعم لمعنى سلخ السويداء عن جغرافيا الدولة السورية وإنْ تمّ فسيتمّ بالاستثمار المخادع على التعب والخوف لنقل منطقة استرايجية في جغرافيا سورية من ضفة إلى ضفة في الحرب الدائرة، ولا يمكن أن يتمّ دون شراكة «إسرائيلية» أردنية وأميركية عبّر عنها كلّ من هذه الأطراف مباشرة، وتواصل جنبلاط معها لهذا الغرض مباشرة او غير مباشرة، وحفلت لقاءات الجنرال مارتن ديمبسي مع الرئيس «الإسرائيلي» بالإشارات إلى مكانة المنطقة في حساباتهم ونية تسليح منفصل لسكانها على غرار ما يطرح بالنسبة إلى عشائر الأنبار في العراق.

على جنبلاط أن يعترف انه يريد أن يكرّر في جبل العرب ما سبق وفعله في منطقتي الشوف وعالية أثناء الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان عندما كانت حواجزه تقوم بتجريد المقاومين من سلاحهم وتأمين عبورهم الجبل بلا سلاح قبل سقوط بيروت وتمنعهم من المرور أو تسلّمهم للدوريات «الإسرائيلية» في بعض الأحيان التي تلت سقوط بيروت، تحت شعار انّ الجبل لا يتحمّل أعباء الانتقام «الإسرائيلي» بمثل ما يريد أن يفعل اليوم بذريعة انّ جبل العرب لا يتحمّل أعباء انتقام «النصرة»، ومثل ما كانت الحواجز الجنبلاطية التي تحيط الجبل مشتركة مع «الإسرائيلي» يومها، ستكون حواجز مشتركة لـ«النصرة» ومناصري مشروع جنبلاط على أطراف السويداء إذا نجح جنبلاط في مشروعه.

خصوصاً أنّ نجاح جنبلاط في مشروعه سيعني فتح الطريق لتكرار نماذج من الحياد الشبيه بطوائف أخرى كالمسيحيين المتعبين والمهدّدين كما الدروز من سكاكين «النصرة» و«داعش» وسيخرج «جنبلاط مسيحي» يتولى المهمة، وترك سبحة تفكيك سورية ووحدة نسيجها الاجتماعي وجغرافيتها السياسية والعسكرية، وهذا سيعني منح مشروع الدويلات الطائفية في لبنان جرعة إضافية ليتقدّم إلى الأمام.

يعرف جنبلاط انّ مشروع التفتيت الذي يريد له أن يأخذ قوة الدفع من فكفكة الجغرافيا السورية بدعم دولي إقليمي، سيمتدّ إلى لبنان، وأنّ أولى المناطق التي ستكون تحت تأثيره هي المدى الجغرافي من البقاع الغربي وراشيا وحاصبيا نحو الشوف وصولاً إلى عاليه، والمنطقي أنّ الراعي الدولي والشركاء الإقليميين لجنبلاط في المشروع لم يمنحوا موافقتهم وغطاءهم للحلقة السورية دون أن يكون في حسابهم جواب على السؤال عن تداعيات المشروع لبنانياً، وبالتالي منح الموافقة وتوفير الدعم والتنسيق.

عندما دعا جنبلاط إلى منح «النصرة» ميزات أمنية في عرسال قبل سنة تشبه ميزات المنظمات الفلسطينية، معتبراً أنه مثلما تحمّلنا «فتح لاند» في العرقوب ـ جنوب لبنان، فلنتحمل أعباء «النصرة لاند» في البقاع الشمالي الشرقي، ويعلم أنّ التتمة هي البقاع الجنوبي الغربي.

السؤال لجنللاط كيف يمكن له مهاجمة مشاركة حزب الله للقتال في سورية، والمقاومة كما يعلم جنبلاط تقاتل إرهاباً يستهدف لبنان ويستهدفها، ولا تفتح حرباً فئوية على حسابها، ومن حسابها، بينما هو يدفع بلبنان إلى التفتيت والتفكك ويريدنا أن نصفق لـ«البطولة الإنسانية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى