هل دَنَتْ ساعة الحرب الشاملة؟

د.نسيب أبوضرغم

منذ أن بدأت الأحداث في الشام في ربيع الـ2011، لم تكن قراءتها ممكنة، خارج البعد «الإسرائيلي» المنطوي في كامل تفاصيلها، والمحتكم بحركة ما يسمى «بالثورة السورية»، كما لم يكن البعد غائباً عن كامل الحراك الذي اجتاح المنطقة العربية. فـ»إسرائيل» اليهودية العالمية وامتداداتها في الإدارة الأميركية وأوروبا، استطاعت أن تكون المايسترو الذي يدير حركة الإرهابيين سواء عبر غرفة عمليات مود في الأردن، أم عبر تدخلها المنفرد في بقية الجبهات كجبهة الجولان.

ومن الضروري تأكيد أن ما يجري في سورية ليس بالنسبة إلى اليهودي شأناً قائماً بذاته، وإنما مرحلة، ولكنها أساسية ومفصلية في مشروعه. مرحلة كان ما قبلها، وسيكون ما بعدها، بمعنى أن أهدافه منها، في أهداف تذهب بعيداً في تغيير طبيعة الكينونة السورية على مدى سورية الطبيعية وتحويلها إلى مكونات لديها من الوحشية ما يكفي لافتراس بعضها بعضاً، خلاف ما هي عليه من مجتمع ذي روح واحدة وغاية واحدة ودولة واحدة.

ليس ما أقدمت عليه «إسرائيل» من تخطيط وإدارة وتسليح وغير ذلك من أنواع الدعم، ليس كل ذلك في سياق معركة فحسب، بل في سياق حرب، يتوقف عليها مصير الكيان الصهيوني برمته. فإذا كانت حرب 1948 بالنسبة إلى اليهود هي حرب خلق «دولة إسرائيل»، فإن حربهم اليوم، هي حرب منع موت «دولة إسرائيل».

إن «إسرائيل» تدرك تماماً، أن متغيرات استراتيجية عميقة حصلت في الإقليم، وهذه المتغيرات سوف تفضي إلى نتيجة واحدة هي زوال هذا الكيان، وإن الوقت لم يَعُدْ لمصلحة هذا الكيان.

المتغيرات الاستراتيجية سواء على مستوى المقاومة كقوة فرضت توازن الرعب، وجعلت من نفسها رقماً آخذاً بالنمو، ليس كماً فحسب بل نوعاً، والأكثر من ذلك، والأخطر أيضاً، صار هذا الوجود المقاوم ثقافة.

وأيضاً، كان حضور الدولة السورية، وأخذها باستراتيجية الممانعة ودعم حركات المقاومة، وتحويل دمشق إلى عمق وقلب العمل المقاوم، دمشق الآخذة بأسباب القوة، والتي يعمل الوقت على مراكمتها أكثر.

أيضاً، هناك العامل الاستراتيجي الثالث وهو خيارات الجمهورية الإسلامية في إيران ودعمها لمحور المقاومة، إضافة إلى تقدمها العلمي وامتلاكها لأسباب القوة التي بلغت عتبة تهدد الكيان وتفرض عليه أخطاراً وجودية.

أمام هذه التحولات الاستراتيجية، كان لا بد، في نظر المخططين اليهود، من وضع حدّ لهذا الخطر الاستراتيجي الآخذ بالنمو فعمد التحالف الصهيو أميركي إلى استغلال فترة الضياع الروسي إبان حكم يلتسين، وأقدموا على احتلال أفغانستان والعراق، بعد أن مثلوا بنجاح عملية تدمير الأبراج وضرب البنتاغون. وأكملوا ذلك بالحرب على لبنان، بعد أن استصدروا القرار 1559 مستهدفين ضرب المقاومة والجيش السوري معاً.

نعرض كل هذه المحطات، لنؤكد أن التحالف الصهيو-أميركي لن يوقف حربه، فحربه هي حرب حياة أو موت بالنسبة للكيان الصهيوني.

لذلك، لا أمل لهذا الكيان بعد أن ولدت المعطيات الاستراتيجية الثلاثة المشار إليها، بأن يستمر، إلا بإغراق المنطقة من طنجة حتى الباكستنان بدماء أبنائها، وتحويلها إلى حرائق تشعلها أنهار الدماء المتدفقة.

نخطئ إذا توهمنا أن التحالف الصهيو-أميركي، سيوقف حربه قبل أن يصل إلى نقطة العجز عن استكمالها. فطالما لديه القوة، سوف يوظفها حتى آخر جزء منها، لأن المعركة معركة حياة أو موت.

وبالتطبيق، نقول بأن العدو اليهودي لن يوقف حربه في الجولان المحرر، وسوف يستمر في حصار القرى المحررة الفاصلة بين الجولان المحتل والداخل الشامي واللبناني.

وإن ساعة تقسيم المنطقة قد دقت بنظر اليهودي، وأنه، سوف لن يأتي ظرف يلائم جريمة التقسيم، كالظرف القائم. ولأن ساعة تقسيم المنطقة بنظر اليهودي قد دقت، فإن ساعة الحرب الشاملة معه قد دقت أيضاً.

إن تقدم اليهودي من مزارع شبعا المحتلة إلى شبعا وحاصبيا وجنوب البقاع البقاع الغربي وإنْ عبر القتلة التكفيريين، سوف يضع قوى المقاومة في وضع القتال الذي لن يتوقف من قبل أن تهوي جثة أحد المتصارعين على الأرض. ماذا يعني احتلال هؤلاء التكفيريين للبقاع الغربي، ألا يعني قطع الإمداد من البقاع إلى الجنوب؟ ألا يعني قطع طريق الشام-بيروت؟ أليست حادثة الطائرة من دون طيار التي أسقطت فوق صغبين تنبئ بما أقول؟

«إسرائيل» تدرك، أنها أمام واقع جديد، لم تعرفه قبل عام 2000، «إسرائيل» تدرك معنى طرد عملائها الإرهابيين من سلسلة جبال لبنان الشرقية، وتدرك معنى أن ينتصر محور المقاومة في حربه.

«إسرائيل» التي باتت بعد عدوان 2006 تطرح على نفسها أسئلة وجودية هي عينها «إسرائيل» التي لن توقف حرب تقسيمنا وتدميرنا، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها.

وبناءً عليه، لننتظر تصعيداً باتجاه الجبلين، جبل العرب وجبل لبنان، وأما البقاع الغربي ففيه ستكون أم المعارك. فإما أن يبقى شريان الحياة المقاومة، وإما أن يصبح خط الموت.

لم تعد المرحلة، مرحلة مقاومة تقاوم، لقد أصبحت المرحلة مرحلة شعب يقاوم، ماذا ننتظر لنتحول إلى مجتمع حرب مقاوم.

كانوا في روما يقولون: هنيبعل على الأبواب…

أما نحن فينبغي أن نقول ونذكر، أن السكين بات يلامس الأعناق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى