تقرير دبلوماسي: لا تنقيب قبل حلّ الأزمة السورية

يوسف المصري ـ خاص

فيما يحتدم السجال السياسي في لبنان حول الطريقة الأفضل لبدء التنقيب عن الغاز فيه، ضمن البلوكات العشرة جميعها أو بعض منها، فإنّ تقريراً دبلوماسياً منسوباً إلى دولة كبرى معنية بملف الغاز اللبناني، يحسم مجمل هذه الضوضاء اللبنانية بالتأكيد على أنه «لا تنقيب عن الغاز في لبنان في الوقت الراهن، وأن تسوية هذا الملف مؤجلة إلى ما بعد حلّ الأزمة السورية».

ويضيف التقرير أنه على رغم زيارات السفير الأميركي فريدريك هوف المتعددة خلال العام الماضي إلى بيروت، والتي سعى خلالها إلى تذليل العقبات بين لبنان و«إسرائيل»، لا سيما لجهة ترسيم الحدود البحرية في حقل لفيتان المتنازع عليه، إلا أنّ واقع المعادلات الدولية والإقليمية المتصلة بملف الغاز اللبناني يؤكد أنّ التنقيب عنه مؤجل في هذه المرحلة.

وينقل التقرير عن مصادر مسؤولة في الدولة المعنية، أنّ هناك غير سبب رئيس يقف وراء تأجيل التنقيب عن الغاز اللبناني، أولها «أنّ إسرائيل غير جدية في التوصل إلى اتفاق مع لبنان في شأن ملف الغاز حالياً، لأنها تريد أن تسبقه في استخراج الغاز».

ويكشف التقرير في إطار استعراضه لهذه النقطة، أنّ الإسرائيليين ضدّ النهوض الاقتصادي للبنان، وأنهم خلال عشية عدوان عام 2006 نظروا بحسد إلى الفنادق اللبنانية وهي تمتلئ عن آخرها بالسياح الأجانب والعرب. ويشكل هذا السبب أحد خلفيات «إسرائيل» لشنّ عدوان تموز.

ويلفت التقرير إلى أنه في عمق التفكير الإسرائيلي الاستراتيجي غير المعلن ولكن الثابت في توجههم منذ ستينات القرن الماضي حتى الآن. يوجد هدف منع التطور الاقتصادي اللبناني. ويلفت إلى أن تل أبيب كانت «تحسد لبنان قبل عام 1975، وخططت دائماً لضرب اقتصاده وإعاقة تطوّره».

ثانياً – يؤكد التقرير أنه «لا تزال هناك خلافات بين لبنان وقبرص وسورية حول ملف تقاسم الغاز وترسيم الحدود البحرية ذات الصلة به. كما أن ظروف الصراع القائم في المنطقة وفي سورية خاصة تستدعي تأجيل البت في موضوع الاتفاق الإقليمي حول استخراج الغاز والنفط في المتوسط» .

ويكشف التقرير «أنّ الشركات الأجنبية التي يفترض أن تسخر استثمارات كبيرة في مجال استخراج الغاز في جنوب المتوسط تستعجل الحصول على ضمانات دولية مسبقة لحماية تلك الاستثمارات التي ستصرفها على تركيب عبارات للتنقيب. وتتشدّد هذه الشركات في الحصول على ضمانات الحماية لاستثماراتها قبل بدء أعمالها الفعلية بالتنقيب». ويكشف التقرير أن «تقديم هذه الضمانات لتلك الشركات متعذر في الوقت الحالي … ، نتيجة الصراع في سورية إضافة إلى تداعياته الجارية على دول جواره ومنها لبنان».

ويخلص إلى التأكيد على أنّ هذا الأمر يعدّ سبباً إضافياً يقود إلى جعل موضوع التنقيب عن الغاز في لبنان مؤجلاً إلى ما بعد التوصل لحلّ للأزمة السورية.

روسيا لا تريد التوسّط

وتعليقاً على جهود بُذلت مؤخراً لإقناع موسكو، بلعب دور الوساطة بين لبنان و«إسرائيل» لحلّ مسألة خلافهما على حدود الغاز البحرية يجزم التقرير بأنّ روسيا ترفض في العمق القيام بدور الوساطة هذه، أو حتى التوصل الآن إلى حلّ إقليمي لهذا الملف. ويعود السبب في ذلك إلى أنّ موسكو تعتبر انّ أولويتها الآن ليس الغاز اللبناني، بل الصراع في سورية، وتوفير كلّ مقومات الدعم للدولة السورية ولجيشها وقيادتها، لأنّ دون ذلك وصول الإسلاميين المتشددين إلى السلطة في دمشق، وهو أمر لن تقبله موسكو أبداً.

وينقل التقرير بخصوص هذه الجزئية عن مصادر روسية مسؤولة أنّ موسكو متيقنة أنه في حال أسقط الأصوليون الأسد فإنه سيستتبع ذلك قيامهم بنقل حربهم إلى لبنان للسيطرة عليه تحت شعار قتال حزب الله.

وتؤكد موسكو بحسب التقرير أنّ الحرب في سورية لن تنتهي بسقوط النظام كما يظن البعض، بل إنّ المحور الذي يدعم الجهاديين المتطرفين سينقل المعركة إلى دول جوار سورية. ومجمل هذه الأسباب الآنفة تقود روسيا إلى الانكفاء عن دور الوسيط في هذا الملف، وتوجيه سياستها الفعلية نحو تأجيل حلّ ملف الغاز اللبناني الإسرائيلي إلى ما بعد حلّ الأزمة السورية.

ويلاحظ التقرير أنّ مستوى تمثيل الشركات الأجنبية في المؤتمر الذي عقد مؤخراً في بيروت حول الغاز في المتوسط، كان منخفضاً حيث اقتصر في أغلب الأحيان على موظفيهم العرب برتبة مدراء في المنطقة. ويسجل هذا غياب أصحاب القرار في الشركات الأجنبية مثل رؤساء مجلس إدارتها ونوابهم. ووحده رئيس الاتحاد الدولي للغاز، وهو أيضاً نائب رئيس مجلس إدارة شركة توتال العالمية جيروم فوريه كان حاضراً في المؤتمر.

ويلفت أيضاً إلى أنّ الحضور الأغلب في المؤتمر كان للشركات اللبنانية ومكاتب المحاماة اللبنانية التي تتحضّر للعب دور ما في قطاع النفط، إلا أن الواقع يشي بأنّ ما تسعى وراءه هذه الشركات لا يزال بعيد المنال، نظراً إلى تخلف لبنان عن الركب في مجال الاستخراج.

وقال التقرير إنّ المؤتمر ناقش كيف نجعل لبنان ينافس قبرص وتل أبيب في مجال تقديم الخدمات للمنصات والشركات التي سيعمل في المنطقة الخالصة اللبنانية؟

وهناك وجهة نظر سائدة بين المهتمين بهذه القضية، ترى أنه من الضروري مواءمة حاجات الشركات عبر سلسلة من التدابير أولها تأمين بنية تحتية قانونية واقتصادية تعتمد نظام خاص يجنّبها الالتزام بالقوانين اللبنانية، لا سيما في مجالات التوظيف والضرائب والجمارك وغيرها. وأيضا إنشاء بنية قانونية واقتصادية خاصة تطبّق على هذه المنطقة غير تلك التي يعتمدها النظام اللبناني وتشتمل على إغراء تناقص الضرائب على الشركات العاملة في الغاز اللبناني.

ويقول التقرير إنّ الفكرة الأساسية التي أراد ممثلو الشركات الدولية الكبيرة إيصالها إلى اللبنانيين هي أن استخراج الغاز والنفط في لبنان يمر من خلال أمرين اثنين: أولاً السلام ولو بصيغته الباردة مع اسرائيل الذي وحده يسمح بدخول لبنان النادي العالمي والفعلي لمنتجي الغاز والأمر الثاني أنه لا بديل للغاز اللبناني في حال إنتاجه للوصول إلى الأسواق العالمية إلا من خلال محطة تسييل فزيليكوس قرب نيقوسيا والتي تملك إسرائيل نسبة كبيرة فيها.

وحتى خيار التصدير عبر الأنابيب إلى إوروبا يمر إما عبر قبرص ومشروع الأنابيب الواصلة إلى البر اليوناني أو عبر تركيا عبر مشروع أنابيب نابوكو المزمع إنشاؤه بين اسطنبول وفيينا. وفي كلتي الحالتين فان لبنان لن يكون بائعاً لغازه بشكل مباشر للأوروبيين عبر الأنابيب ولا إلى أسواق جنوب شرقي آسيا بل إلى الأتراك أو القبارصة – الإسرائيليين الذين سيتولون بيعه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى