بوتين مصرّ على دعم الأسد… وأوباما غارق في غضبه!

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

كتبت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية:

لا شكّ أن روسيا تصعّد وجودها العسكري في سورية لدعم الرئيس بشار الأسد. وكان تقرير لوكالة «رويترز» في 9 أيلول قد وثّق المشاركة الروسية في عمليات عسكرية في سورية. وتقدّم الصور التي نُشرت في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية دليلاً على أن القوات الروسية تتواجد على الأرض في سورية على الأقل منذ نيسان.

تقارير أخرى حول زيادة الحشد العسكري الروسي ذكرت أن هناك شحنات إضافية من الأسلحة المتطورة سُلّمت إلى نظام الأسد، إضافة إلى فريق عسكري متقدّم ووحدات سكنية مصنّعة، أرسِلت إلى مطار قرب اللاذقية. صورة الأقمار الاصطناعية الجديدة التي حصلت عليها «فورين بوليسي» تؤكد حجم عمليات البناء لاستيعاب القوات الروسية الإضافية والطائرات. إذا كان هناك أي شك حول من أجّج هذه الحرب، فإن موسكو الآن تخطّط لتزويد الأسد بـ200 ألف طنّ سنوياً من الغاز المسال من خلال «كيرتش»، وهو ميناء في شبه جزيرة القرم، والذي ضمّته روسيا من أوكرانيا في آذار 2014.

كما هو متوقّع، فإن الكرملين لم يعلّق على ما إذا كانت هناك قوات روسية تقاتل في سورية. ولكن موسكو لا تخفي ذلك. في 9 أيلول، قالت المتحدثة بِاسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: «لقد زوّدنا سورية بالأسلحة والمعدّات العسكرية لفترة طويلة. ولا نستطيع أن نتفهّم سبب الهيستريا المعادية لروسيا بسبب هذا الأمر».

في الواقع، كانت موسكو الداعم الأقوى للأسد منذ بداية الأزمة في سورية في آذار 2013. حيث كانت تدعم نظام دمشق بالأسلحة والمستشارين، والقروض، والغطاء السياسي في مجلس الأمن الدولي. لكن من الواضح أن هناك تغييراً يجري في شكل المشاركة الروسية في الحرب السورية. والسؤال هو: لماذا؟ وتتراوح الإجابات من كونها استراتيجية دبلوماسية جديدة لمقاربة السياسة الدولية إلى كونها ترجع لأسباب أخرى تتعلق بالشؤون الداخلية الروسية.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطته في شأن تشكيل ائتلاف موسّع لمحاربة «داعش»، وهي الفكرة التي جعلتها الصفقة مع إيران أمراً ممكناً وفقاً لكبار المسؤولين الروس. «الصفقة تزيل الحواجز، المصطنعة بشكل كبير، في طريق تحالف موسّع لقتال داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى»، وفقاً لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تموز الماضي. حِفظ الأسد في السلطة أمر أساسيّ لخطة بوتين. خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر من المرجح أن يتركز حول هذا الأمر.

إذاً، نجح بوتين في إقناع العالم بأن روسيا لا غنى عنها في الحرب ضدّ «داعش»، فإن هذا يمكن أن يساعده في إنهاء عزلته الدولية التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم وأن يكسب بوتين الشرعية من خلال إعادة توجيه انتباه العالم نحو ما وصفه الرئيس الروسي «القتال ضدّ العدو الأكبر أهمّ من الخلاف مع الغرب حول أوكرانيا».

هذا هو الآتي، محاربة «داعش» هي الأولوية. ويبدو أن الخطة تعمل بنجاح، إذ أعرب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في وقت سابق عن أمله برفع العقوبات عن روسيا، وتزامن بيان هولاند مع إعلانه عن الاستعدادات الفرنسية لتوجيه ضربات جوّية ضدّ تنظيم «داعش» في سورية. في وقتٍ يبدو البعض في الغرب متعبين من العبء الاقتصادي الذي نتج عن العقوبات ضدّ روسيا، فإن بوتين يبدو مستعداً للإفادة من الأمر وتقديم شراكة مريحة تمهيداً لاستئناف الاتصالات مع جمهور قرّر تجاوز الأحداث التي أجريت في شبه جزيرة القرم قبل سنة.

يفقد الأسد المزيد من الأراضي في سورية خلال الأشهر الأخيرة، ويحتاج إلى دعم عاجل. وبوتين يعرف جيداً، من تجربة أوكرانيا على وجه الخصوص، أنه إذا تعمق تورطه في الحرب، فإن الولايات المتحدة من المحتمل ألا تفعل شيئاً على الإطلاق. لروسيا مصالح كثيرة في سورية: استراتيجية وثقافية واقتصادية. وكان نظام الأسد أقرب حليف لموسكو في العالم العربي لأكثر من 40 سنة لأن سورية كانت أساسية لنفوذ الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط.

خلال الحرب الباردة، فإن عشرات الآلاف من الروس انتقلوا إلى سورية في حين درست النخب السورية في المدارس الروسية العليا. في وقت الأزمة السورية، ما يقدر بنحو 100.000 من المواطنين الروس كانوا يعيشون في سورية. وكانت موسكو قد برزت أيضاً باعتبارها مورّد السلاح الأساسي لسورية في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب في سورية في آذار 2011. وبحسب البيانات، فقد استثمرت الشركات الروسية ما يقارب 20 مليار دولار في سورية. التخلي عن الأسد يترتب عليه أيضاً التخلي عن هذه الاستثمارات. من الصعب أن نتصوّر أن أي حكومة جديدة قد تأتي في سورية ستصبح صديقة لروسيا بهذا الشكل.

ثمّة أسباب استراتيجية مقنعة لموسكو لدعم الأسد الآن. أيضاً، تعدّ سورية أهم موطئ قدم لروسيا في المنطقة، وتطلّ على البحر الأبيض المتوسط، وكل من «إسرائيل»، لبنان، تركيا، الأردن، والعراق. جعل بوتين التوسّع في قدرات القوة البحرية الروسية دعامة فترة رئاسية ثالثة له، وسيعني سقوط الأسد فقدان القاعدة العسكرية الوحيدة لروسيا خارج الفضاء السوفياتي، وهي مركز إعادة تموين البحرية في ميناء طرطوس السوري. في أيلول 2014، أعلن بوتين عن خطط للتوسع الهائل للأسطول الروسي في البحر الأسود. والحفاظ على قاعدة طرطوس سيبرز أيضاً مدى قوة بلاده في البحر المتوسط.

الأكثر الأهمية من ذلك، أنّ دعم الأسد يناسب خطط بوتين لاستعادة روسيا كقوّة عظمى معارضة للغرب.. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن الدبلوماسية تدور حول سيناريوات الفوز للجميع في حين أنها بالنسبة إلى روسيا محصلة صراعات صفرية. دعم الأسد يعني وضع إصبع الإبهام في عين البيت الأبيض. قد تزعم موسكو أنها تخوض حرباً ضد الإرهاب عبر دعم الأسد، ولكن بوتين يسعى أيضاً لتعزيز دعمه المحلي عبر جمع شعبه حول راية في مواجهة العدو الخارجي المتصور. في الواقع، اتبع بوتين نهجاً مماثلاً في أوكرانيا وأجزاء أخرى من الاتحاد السوفياتي السابق عندما ادّعى الحاجة إلى حماية الأقليات الروسية. وقد أثبت هذا النهج فعالية على الأقل على المدى القصير بعد ضم شبه جزيرة القرم في آذار 2014، إذ أظهرت التقييمات ارتفاع معدلات الرضا عن بوتين إلى ما يفوق 80 في المئة.

ليست المرة الأولى التي يستفيد خلالها بوتين من قرار الذهاب إلى الحرب. دفعت مطالبات مكافحة الإرهاب بوتين إلى السلطة عام 2000 بعد سلسلة من التفجيرات في أيلول 1999 في موسكو، وعدّة مدن روسية أخرى، وألقى بوتين اللوم بسرعة على الإرهابيين الإسلاميين من جمهورية الشيشان في شمال القوقاز.

ولكن على المدى الطويل، قد تنقلب سياسات بوتين بهزيمة ذاتية. موسكو قد ترغب في مشاركة محدودة، ولكنها يمكن أن تنجر إلى حرب حقيقية، بينما لا يمكنها أن تقاتل في سورية وأوكرانيا معاً، مع الحفاظ أيضاً على قوات في جميع أنحاء فضاء الاتحاد السوفياتي كما هو حاصل حالياً. في الواقع، أشار بعض المحللين الروس بالفعل إلى أن بوتين يخشى أن تكرّر روسيا في سورية أخطاء الاتحاد السوفياتي نفسها في أفغانستان في الثمانينات، وهي الحرب التي ساهمت بشكل كبير في سقوطه. الأوضاع الاقتصادية الصعبة في روسيا، تناقص عدد السكان، الإنفاق الدفاعي غير المستدام، وغيرها من المشاكل طويلة الأمد. ولكن هذه الاتجاهات يبدو أنها تغذي فقط عدوانية بوتين. والواقع أنه كلما صارت روسيا أضعف كلما صارت أكثر خطراً.

واشنطن وموسكو والملفّ السوري

كتبت مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية:

ينظر عدد من المراقبين الخارجين إلى الحشد العسكري الذي تقوم به روسيا في سورية، أنه وسيلة من الرئيس بوتين لشقّ طريقه إلى طاولة المفاوضات مع الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. هناك بعض الحقيقة في ذلك. كي تكون أيّ دبلوماسية فعّالة، فإن عليها أن تكتسب بعض الحقائق على أرض الواقع. وتبدو موسكو مشغولة في خلق هذه الحقائق، في ظل تزايد المخاوف الأميركية. ومع ذلك، فإن الدبلوماسية القسرية ليست إلا شكلاً آخر من أشكال الدبلوماسية.

التزايد الحالي للمشاركة الروسية في سورية على رغم ذلك، لا يحتاج لأن يكون مرتبطاً بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة. حتى من دون ذلك، فإن موسكو سترسل المزيد من الأسلحة والمزيد من المدرّبين إلى سورية. وبما أن «داعش» وسّع سيطرته على مزيد من الأراضي في سورية، فإنه صار يمثّل أكثر من تهديد لبقاء النظام الذي تدعمه روسيا في دمشق. ولذلك، فإن خطة موسكو الأولى الآن تقتضي مساعدة بشار الأسد للحفاظ على معاقله المتبقية. الخطة البديلة تتمثل بمساعدته في تأمين الجيب العلوي حول اللاذقية.

يمكن تفهّم تصعيد الكرملين في سورية بالنظر إلى رؤيته لتنظيم «داعش» بوصفه تهديداً لروسيا نفسها، ورؤية بوتين للأسد كأحد أولئك الذين يقفون في وجه هذا التهديد. لذا، ترفض روسيا التخلي عنه. محاربة العدو في الخارج، من خلال دعم حليف هو الأفضل ـ بطبيعة الحال ـ من انتقال القتال إلى القوقاز وآسيا الوسطى. من المهم كذلك ألا تبدو ضعيفاً تحت الضغط، هناك عبارة لا تنسى لبوتين: «الضعفاء غالباً ما يُهزَمون»!

توسيع الدور العسكري الروسي في سورية ينطوي على مخاطر حقيقية .لا يزال كلّ من القادة السياسيين والعسكريين الروس والشعب الروسي يذكرون أفغانستان. الكرملين ـ مع ذلك ـ من المحتمل أنه يحسب أن المخاطر في سورية تحت السيطرة. روسيا ترسل المستشارين والفنيين والطواقم لتشغيل أنظمة الأسلحة، وبعض موظفي الدعم، وقد ترسل بعض الطيارين، ولكنها لم ترسل قوات قتالية. لذلك، فإن المقاتلين الموالين للأسد في ساحة المعركة سيظلون من السوريين والإيرانيين وحزب الله.

ثمّة خطر آخر يتمثل في الصِّدام المحتمل مع الولايات المتحدة وحلفائها الذين ظلّوا لفترة طويلة يقصفون أهدافاً لـ«داعش» في سورية ، كما يوجّهون ضربات أحياناً لنظام الأسد، ربما تمس الآن مستشاريه الروس. الأسلحة الروسية والطائرات الحربية ـ إذا وصل الأمر إلى ذلك الحد ـ ربما تقوم بتوجيه ضربات إلى المعارضة السورية المدعومة من الغرب. وأخيراً، فإن «إسرائيل» قد لا تتحمل أسلحة متطوّرة في الترسانة السورية التي يمكن أن تشكّل خطراً على أمن الدولة اليهودية.

دبلوماسياً، الصِّدام قد حدث فعلاً، واشنطن غاضبة من سياسات موسكو. الكرملين، من جانبه، من المرجح أنه يعتقد أن تثبيت أقدامه من شأنه إجبار الولايات المتحدة أن تقبل روسيا كلاعب في الصراع والتفاوض معها على ما يلي: إيقاف الصراع بين تدخل البلدين المتزامن أو حتى الاتفاق على تقسيم العمل بين أجندتي عمليات البلدين في سورية. القبول بالتحالف الأوسع الذي اقترحه بوتين للقتال ضدّ «داعش». وفي نهاية المطاف التوافق حول مستقبل سورية ما بعد الحرب.

تأمل موسكو بالتأكيد أن التعاون مع الولايات المتحدة والغرب في سورية من شأنه أن يخفّف حدّة المواجهة حول أوكرانيا، وهي الاهتمام الأبرز للكرملين. ليست مجرد صدفة ربما، أنه منذ 1 أيلول، توقف القصف في الدونباس، وطُهّرت القيادة في دونتيسك من الشخصيات المتمرّدة، ويتوقع إحراز تقدّم في مسألة الانتخابات المحلية الشهر المقبل.

مباشرة، بعد قرار الجمعية العامة، سيُجري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشاورات في باريس مع المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس أوكرانيا بترو بوروشينكو. وحتى الآن، فإن ردود الفعل الغربية على النشاط الروسي كانت سلبية إلى حدّ كبير. عاطفياً، يبدو الأمر مفهوماً. تصرّفات موسكو بشكل واضح على خلاف مع سياسات واشنطن في قضية حساسة جداً لإدارة أوباما. روسيا لا تطلب الإذن حين تحرّك قوّاتها على الحدود مع أوكرانيا، أو عندما تصعّد الدعم العسكري للنظام الذي قالت الولايات المتحدة بشكل واضح إنه يجب أن يرحل. تقوم موسكو بشكل واضح بترقية وجودها السياسي والعسكري في المنطقة الرئيسية من الشرق الأوسط. ومع القيام بذلك، فإن المسؤولين الروس لا يفوّتون الفرصة للسخرية من سياسات الولايات المتحدة في العراق، ليبيا، اليمن وسورية.

وعلى رغم ذلك، ووفق مقاربة أعمق، فإن مصالح الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية والصين والهند وروسيا وإيران تقع هذه المرة في صف واحد أمام عدو يتهدّد كلّ منهم. يتفق الجميع على أنه لا بدّ من هزيمة «داعش» على رغم أنهم يختلفون بوضوح حول كيفية القيام بذلك. إدارة أوباما من غير المرجح أن تقبل بخطة بوتين لتشكيل ائتلاف مع حكومتَي طهران ودمشق لهذا الغرض، ولكنها ستكون مضطرة للقبول بدرجة من التنسيق. للأسف، سورية كما عرفها العالم على مدى السنوات السبعين الماضية ربما لا يمكن استعادتها، ولا بدّ أن يعاد رسم طريقها بطريقة جديدة كلّياً. وهذا يمكن أن يؤدّي إلى مزيد من المفاوضات بين مختلف الأطراف الفاعلة في الساحة السورية، بخلاف «داعش»، وبمساعدة المجتمع الدولي، بما في ذلك الغرب وروسيا.

فرصة ضائعة؟

وكتبت «فورين بوليسي» أيضاً:

كانت هناك فرصة لإنهاء الحرب في سورية، في شباط 2012 عندما قدّمت روسيا حلّاً بخروج آمنٍ للرئيس السوري بشار الأسد، ثم استكمال المفاوضات بين الحكومة السورية وقوى المعارضة، لكنّ التضارب في الآراء والشكوك في العرض الروسي، أضاعا الفرصة.

وسط محاولات مجلس الأمن حينئذ التوصل إلى حلّ قبل استفحال الأزمة التي تحوّلت الآن إلى مأساة تهدّد أمن المنطقة، قال الرئيس الفنلندي السابق والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2008 مارتي أهتيسارى لصحيفة «غارديان» البريطانية، إن مبعوث روسيا إلى مجلس الأمن فيتالى تشوركين، عرض على القوى الغربية حلّاً سياسياً يتلخّص في خروج آمن للرئيس السوري بشار الأسد مع استكمال المفاوضات بين الحكومة السورية وقوى المعارضة.

وأضاف أن العرض الروسي كان سيناقش من قبل المجلس يوم 4 شباط 2012، ولكن في اللحظات الأخيرة، طلب المبعوث الروسي تعديلات في القرار، ما اعتبره الغربيون أنّه يؤدي إلى صدور قرار هشّ. ووقعت خلافات انتهت باعتراض روسيا والصين على القرار الذي صدر.

قوبل ذلك العرض بآراء متضاربة، ولم يحقق في النهاية أيّ نتائج ملموسة بعدما صوّتت كل من روسيا والصين ضدّ القرار الذي توصل إليه المجلس آنذاك، ما ترك الباب مفتوحاً لعدد من التكهنات والتخمينات حول من المسؤول الأول عن استمرار الصراع في سورية الذي خلّف أكثر من 200 ألف قتيل ويشرّد الملايين؟

قال أهتيساري لـ«غارديان» حينذاك إن الغرب رمى بعيداً غصن الزيتون الروسي التي كان يمكن أن يُنهي الحرب، لتتحول روسيا من وسيط للسلام، إلى داعم عسكري لنظام الأسد حالياً، عبر مدّه بالسلاح وإنشاء مهبط للطائرات وإرسال معدّات عسكرية ثقيلة إلى سورية على متن السفن والطائرات الروسية.

واتهم أهتيساري الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بتجاهل الاقتراح، «لأنهم كانوا مقتنعين في ذلك الوقت أنّ الأسد كان على وشك السقوط»، ما أضاع فرصة في عام 2012 لإنهاء الحرب السورية.

ووفقاً لأهتيساري، فقد قال المبعوث الروسي وقتذاك: «يجب أن نجد وسيلة أنيقة لتنحّي الأسد».

أغضبت تصريحات أهتيسارى التي رأى فيها أن الغرب أضاع فرصة لإنهاء الأزمة في سورية، الأوساط الدبلوماسية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، فالمتحدّث بِاسم هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، قال إن المبعوث الروسي تشوركين لم يقدّم مثل ذلك المقترح، وأنه حتى في حال تقديمه فإن هذا المقترح لا يتماشى مع سياسة موسكو الراغبة في بقاء الأسد، ما يقلل من قدر جدّيته.

أيضاً، مبعوث فرنسا إلى الأمم المتحدة في ذلك الوقت جيرارد آرود، قال إن تصريحات الرئيس الفنلندي السابق عارية عن الصحة وتأتي في وقتٍ ترفع روسيا من سقف دعمها العسكري لسورية، ما يطيل أمد الحرب هناك.

وهو ما قاله الدبلوماسي البريطاني ريزا آفشار، الذي قال إن روسيا دائماً ما أظهرت إصرارها على شرعية النظام السوري وحتمية بقائه في السلطة وضرورة مواجهة الحركات المسلحة المعارضة له لما ترتكبه من أعمال إرهابية.

أما بيتر فيتيغ، سفير ألمانيا لدى الولايات المتحدة، والذي شغل منصب مبعوث الأمم المتحدة في برلين في شباط 2012، فقال معقّباً: «في النهاية، ما يهمّ كيف تصرّف الروس في مجلس الأمن»، مشيراً إلى ثقته في أن بوتين كان ينوي استخدام حق النقض ضد قرار الأمم المتحدة.

روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في دمشق، قال إن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف كان يذكّرهم بثلاث نقاط هي: أن الأسد يقود حكومة شرعية، وأن القوى الخارجية لا ينبغي أن تجبره على التنحي، وأن الأسد يقاتل الإرهابيين الخطرين.

وقال أحمد فوزي، الذي شغل منصب المتحدّث بِاسم مبعوثَين للأمم المتحدة هما كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، معّلقاً على المحادثات السورية في عام 2012: كان الموقف الروسي ثابتاً لا يتزعزع… انتُخب الأسد من قبل الشعب السوري، وللشعب السوري فقط الحق في عزله.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم لم يسمعوا قطّ عن الاقتراح الروسي القائل برحيل الأسد، لكن السكرتير الصحافي لوزارة الخارجية جون كيربي قال إنّ سجلّ موسكو واضح من دعمها الرئيس السوري، والتاريخ يتحدّث عن نفسه: من الذي دعم الأسد تاريخياً؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى