تركيا تتقيّد بالخط الأميركي

د. هدى رزق

واجهت قمة أنطاليا التي عقدت مباشرة بعد مؤتمر فيينا، تغييراً في الأولويات، لا سيما بالنسبة إلى تركيا التي كان جدول أعمالها منصباً على بحث المسألة السورية وقضية اللاجئين، لكن التفجيرات الإرهابية التي طاولت العاصمة الفرنسية باريس، جعلت من طرح مسألة اللاجئين مسألة ثانوية بعد ما عقدت أنقرة آمالاً تقضي بتنازلات يقدمها لها الاتحاد الاوروبي.

طرحت العملية الإرهابية أولوية البحث في ضرب «داعش»، لكن على الرغم من ذلك شكلت قمة العشرين بالنسبة إلى أردوغان مناسبة لكسر العزلة الدولية، التي كانت سياسته في الآونة الأخيرة سبباً لها حيث تناقضت مصالحه السياسية والاقتصادية مع مصالح الغرب، إذ كان لكل أولوياته.

يبدو أن النصر الذي حققه في انتخابات الأول من تشرين الثاني أعطاه قوة بنظرالمجتمع الدولي، بالرغم من الشكاوى التي قدمت ضد سياسته في الداخل، فالقوى الدولية تفضل التعامل مع حكومة قوية ومع أردوغان بالذات، الذي رسمت معه المسار منذ بداية «الربيع العربي»، لا سيما أنّ المنطقة تشهد إشكالات سياسية وأمنية وحساسيات كبيرة.

صارح أردوغان المهجوس بالقضية الكردية الرئيس الأميركي أثناء لقاء ثنائي بأنّ مشاركة الأحزاب الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني في القتال الى جانب الأميركيين ضدّ «داعش»، لا تعفيها من تهمة الإرهاب. اللقاء مع الرئيس أوباما شكل نقطة تحوّل بالنسبة له، وهذا يعني فصلاً جديداً في العلاقة بين الرجلين بعد فترة من البرود. هو اللقاء الأول بعدما فتح أردوغان القواعد التركية للقوات الأميركية، ونزل عند رغبة الأميركيين بالتخلي عن أولوياته. لكن الإدارة سلّفته غضّ طرف عن سياسته الداخلية أثناء التحضير لانتخابات 1 تشرين الثاني، إذ لم تساهم الصحف الأميركية في نقد الممارسات بحق الإعلام واستغلال القضاء من أجل وضع اليد على الشركات التابعة لغولين الذي يدّعي أردوغان أنه محسوب على الأميركيين.

لقد أشار أوباما إلى مرحلة جديدة في العلاقة مع تركيا، وأثنى على تصريحات أردوغان بشأن شجب العمل الإرهابي في فرنسا، وقال إنّ تركيا شريك قوي في التحالف… كانت تركيا قد وافقت في فيينا على الفترة الانتقالية في سورية لمدة 18 شهراً في ظلّ وجود الأسد. لكن ما زال أردوغان يردّد «أن الأسد لن يكون في مستقبل سورية»، تماماً كما صرح أوباما في قمة الفيليبين في ما بعد.

حطمت سورية خطط أردوغان وتوقعاته، فلم يعد من خيار له سوى الذهاب إلى التنسيق مع الأميركيين والقبول برؤية الأسد مستمراً في سدة الحكم. لكن هذا التغيير في السياسية التركية أظهر انسجاماً أكبر مع حلفائها في الناتو. يبدو أنّ الأسد لن يكون هاجس أردوغان بل إنّ تصريحاته عكست تمنيات المجموعة الدولية بالمحافظة على وحدة سورية، والتخلص من الإرهاب، وإقامة دولة ديمقراطية تحتضن تعددية في ظل نظام سياسي منفتح. لكن تركيا تخشى من حليفتها الولايات المتحدة وترتاب من علاقتها مع الأكراد. إذ لم تنجح جهود وزير الخارجية التركي فريدون سنيرلي أوغلو في فيينا من وضع الأكراد على لائحة الارهاب، بسبب معارضة كلّ من روسيا وواشنطن اللتين تعتمدان على الأكراد كلّ حسب رؤيتها.

وضع أوباما أثناء القمة حداً لآمال أردوغان بالحصول على منطقة عازلة، إذ أوضح مسألتين أساسيتين كانت تركيا تطالب بهما. الأولى رفضه منطقة حظر جوي من أجل إقامة منطقة عازلة، إذ قال إنّ «داعش» لا تملك طيران بل تقاتل على الأرض. والمسألة الثانية، انه لن تكون هناك قوة أميركية برية لقتال «داعش»، ما يعني أن القوات البرية التركية لن تشارك في أي قتال، بل إن القوات الكردية والقوى الأخرى المشاركة معها هي من ستعتمد عليها الولايات المتحدة في قتال «داعش». وعدّد مساوئ إقامة منطقة عازلة إذ يمكن لهذه المنطقة أن تكون جاذبة لهجمات إرهابية، وتساءل عن عدد وعديد القوات التي يجب إعدادها من أجل حماية هذه المنطقة.

خرجت قمة العشرين بقرار تجفيف منابع إرهاب «داعش»، وهذا يعني بأن «داعش» لا تزال تموّل خارجياً وداخلياً من توريد النفط الذي يمرّ الى الشركات الأميركية عبر ميناء جيهان التركي. وهذا ما حدا بالرئيس بوتين إلى التصريح بأنّ 40 دولة، ومنها من يشارك في القمة، يساهم في تمويل «داعش».

وبالرغم من ذلك خرج أردوغان مرتاحاً من قمة العشرين ليس بسبب استضافة تركيا القمة، وهذا موضوع مهم بالنسبة اليه، بل بسبب استعادته علاقات مع المجموعة الدولية بعدما سجلت عليه خسارة الداخل التركي في 7 حزيران. ومع استعادة الحكم منفرداً بدأت سياسته اتجاه قضايا المنطقة تحذو حذو واشنطن.

الجديد في هذه القمة هو الإجماع على قتال الإرهاب والابتعاد الفرنسي من أجل لملمة الجروح. أما السؤال الذي لم تشر اليه قمة أنطاليا فهو أي شرق أوسط سوف نرى بعد قرار ضرب «داعش»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى