تشريع على طريقة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»

هتاف دهام

فُرجت كهربائياً… وصدّق مجلس النواب أخيراً على القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى ملء المراكز الشاغرة في مؤسسة كهرباء لبنان عن طريق مباراة محصورة بالعمال غبّ الطلب وجباة الإكراء، من خلال دمج الاقتراح القديم بالجديد، وإجراء تعديلات على الإثنين معاً.


تخلّص المجلس النيابي أمس من عبء ثقيل بعد أن «تكهربت» أجواء الجلسة العامة أوّل من أمس بفعل تهديد المياومين بقطع الكهرباء عن المناطق اللبنانية كلّها من دون استثناء، ما أقلق النواب، لا سيما مروان حمادة.

وافق المياومون بعد سلسسلة من الاتصالات واللقاءات بينهم وبين النوّاب: ابراهيم كنعان، علي بزّي، علي عمّار، محمد قبّاني، جورج عدوان وسامي الجميّل، على الاقتراح المقدّم، مع إضافة تعديلين ليسا بالأهمية، ما يؤكّد أنّ ما حصل، لم يكن أكثر من أزمة ثقة بين العمّال والدولة.

صُدّق على القانون على طريقة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، وصُوّتَ عليه معدّلاً بشمول المباراة مديريات التوزيع في بيروت وجبل لبنان وسائر المناطق، كما طالب رئيس المجلس النيابي نبيه برّي متبنّياً مطالب العمال، وأُقرّت التعويضات لمن لا يحق لهم الاشتراك في المباراة ممّن هم بين عمر 56 و64 سنة.

لم تتضرّر أيّ من الكتل السياسية من القانون الذي حظيَ برضى عمال مؤسسة كهرباء لبنان. وأدرك تكتل التغيير والاصلاح أنّ الحملة ضدّه، واللافتات التي عُلقت في ساحة الشهداء بحق النائب ابراهيم كنعان الذي يُعَدّ رأس حربة في التكتل لجهة التشريع، لم تكن بريئة، بل تحمل في طيّاتها أبعاداً سياسية، لكنها لم تحقّق غاياتها.

حاول نواب الكتائب و«القوات»: سامي الجميّل، سامر سعادة وجورج عدوان، «تطييف» القانون، فطالبوا بأن يشمل مستخدمي شركة قاديشا، فأوضح برّي أنّ هذه القصّة لبنانية، لا شيعية أو سنية، ثم دوّن بِاسم رئاسة المجلس في المحضر أنّ القانون يشمل المياومين جميعاً، في أيّ مؤسسة كهرباء في لبنان، ومنها مؤسّسة كهرباء قاديشا.

كتّاب العدل

أُنجز البند الأول على جدول الأعمال، لينتقل النقاش إلى البند السابع والعشرين المتعلّق بتثبيت كتّاب العدل، الذي صُدّق عليه بإضافة بعض الفقرات، بعد أن شُكّلت لجنة لمتابعة دراسة القانون وإجراء تعديلات عليه على هامش الجلسة المنعقدة. وضمّت اللجنة كل من النوّاب: نوار الساحلي وغسان مخيبر وجورج عدوان ونديم الجميّل وسمير الجسر، إضافة إلى وزير العدل أشرف ريفي.

أنجز مجلس النوّاب أيضاً اقتراح القانون الرامي إلى تعديل المادة 38 من المرسوم الاشتراعي رقم 112، أيّ ما يخصّ نظام الموظفين، بحيث أصبحت إجازة الأمومة رسمياً عشرة أسابيع، ما يعادل سبعين يوماً، بعد أن كانت سبعة أسابيع.

«ضيعان الشغل»!

إلّا أنّ هذه الإنجازات التشريعية كلّها، والتي طال انتظارها، قابلتها فوضى نيابية عارمة عند مناقشة المشاريع. فـ«شغل» اللجان النيابية، من لجان مشتركة، إلى لجان فرعية مروراً باللجان المختصة لم يؤخذ في الاعتبار، إذ إنّ النقاش عند كلّ اقتراح، يبدأ من جديد، حتى من رؤساء اللجان والمقرّرين والأعضاء، وكأنّ شيئاً لم يكن.

أمور كثيرة كانت بحاجة إلى تروٍّ ودراسة بعمق، لا أن تحرق حرقاً، ويصوَّت عليها. فاقتراحات ومشاريع عديدة، ترتّب على الخزينة والدولة أعباء، إلا أنها لا تضرّ بمصالح السياسيين الخاصة، مرّت من دون نقاش. أما الأنكى من ذلك، فيتمثل بسياسة التملق التي ظهرت لدى عدد من النواب الذين ينبرون إلى تسجيل ملاحظاتهم على القوانين، بعد التصديق عليها من قبل هؤلاء النواب، فبدل أن يدلي النواب بملاحظاتهم أثناء النقاش، كانوا يطلقونها بعد التصويت، وأثناء تلاوة الاقتراح أو المشروع الذي يليه، هذا فضلاً عن أنّ النواب بغالبيتهم لا علاقة لهم لا من قريب أو من بعيد بما يجري، وجلّ ما يفعلونه رفع الأيدي للتصويت، من دون أن يكونوا على دراية بما يصوّتون عليه، وذلك لا يهمّ إذا كان رئيس الكتلة «عاوز كده». وحدها مداخلات النواب: نواف الموسوي، سمير الجسر، روبير غانم، غازي يوسف، ابراهيم كنعان، فؤاد السنيورة، سامي الجميّل، جورج عدوان، حسن فضل الله، أحمد فتفت، الوليد سكرية، كانت مبكّلة وفي محلّها، على رغم أنها لا تتطابق مع بعضها، ولكلّ منها منطلقات وأسباب وأهداف معروفة.

لقد اعتُمدت الازدواجية في مناقشة الاقتراحات في جلسات يومَيْ أمس وأوّل من أمس. اعتُمدت معايير معينة في بعض القوانين، ورُفضت في قوانين أخرى، فالمعايير التي على أساسها صُدّق على القانون الرامي إلى تعيين الناجحين في المباراة التي أجراها مجلس الخدمة المدنية لوظيفة مراقب ضرائب رئيسي، لم يؤخذ بها في اقتراح قانون المتعلق بأصول التعيين في وظيفة أساتذة التعليم الثانوي في المدارس الرسمية، على رغم حاجة المدارس إلى هؤلاء الأساتذة كما يقول نوّاب كتلة الوفاء للمقاومة.

الحصيلة

أقرّ مجلس النوّاب في جلسته التشريعية أمس 12 مشروعاً واقتراح قانون، فيما أعيدت ستة اقتراحات إلى اللجان لدراستها مجدّداً، فأحيل مشروع إعفاء كلّ طائفة معترف بها في لبنان والاشخاص المعنويين التابعين لها من الضرائب والرسوم، إلى لجنة الادارة والعدل للبتّ به قبل انعقاد الجلسة العامة التي دعا إليها الرئيس بري الأسبوع المقبل، يومَيْ الأربعاء والخميس. كما أحيلت تسوية ملكية بعض العقارات في بلدة عانا ـ البقاع الغربي إلى لجنة الإدارة والعدل، وأحيل تعديل قانون تنظيم ممارسة مهنة الطبّ إلى لجنة الصحة. ورُدَّ احتساب المعاش التقاعدي وتعويض صرف العسكريين المنتهية خدماتهم خلال عام 1994 إلى اللجان المشتركة.

واستمهل رئيس الحكومة تمام سلام البتّ بالقانون الذي ينصّ على الحق في الوصول إلى المعلومات، ريثما يطّلع عليه جيّداً، وأرجأ قانون تنظيم المديرية العامة للدفاع المدني إلى الأسبوع المقبل، بعدما طلب وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي طلب منه الرئيس برّي الوقوف أثناء الكلام وقتاً إضافياً لدراسته. وأُرجئ اقتراح القانون الرامي إلى تعديل البند الثالث من القانون رقم 717 تاريخ 5 11 1998 المتعلق برفع الحدّ الأدنى للرواتب والأجور، وتحويل سلاسل رواتب موظفي الملاك العام وأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية، وتعديل أسس احتساب معاشات التقاعد وتعويضات الصرف من الخدمة، وإعطاء زيادة غلاء معيشة للمتقاعدين والأجراء والمتقاعدين، إلى الأسبوع المقبل.

جلسة اليوم

وفيما تعقد اليوم جلسة جديدة عند العاشرة والنصف لاستكمال البحث في اقتراحات القوانين المعجلة المكرّرة الموضوعة على جدول الأعمال، فإنّ الأنظار تتجه إلى جلسة الأربعاء المقبل، التي تأتي بعد اجتماع اللجان المشتركة يوم غدٍ للبحث في سلسلة الرتب والرواتب.

وعليه، فإنّ جلسة اليوم قد تكون على غرار جلسة الأمس لجهة الفوضى، والنقاش المملّ، والنكات، لا سيما نكتة الرئيس السنيورة قبيل رفع رئيس المجلس الجلسة، فعند اعتراضه على اقتراح القانون المتعلق بسلاسل رواتب موظفي الملاك الإداري، لما يحمّل الخزينة من أعباء، سرد طرفة بين رجل وزوجته حين قرّرا زيارة أحد أقربائهما. فقال الزوج: «لنأخد معنا فراشنا وأغراضنا، يلا حمّليهن على الجمل»، فأجابت: «عم ناخد أغراض كتير، شو مطوّلين هونيك»، فردّ الزوج: «هلق إنت حطيهم وإذا قام منروح»، فضحك النواب كثيراً وفسّروا الكلام على غير محمله. عندئذٍ دعا بري إلى شطب هذه الجملة من المحضر، قائلاً للنواب: «استحوا في إعلام»، بينما تطوّع النائب أحمد فتفت للبحث عن غرفة في مجلس النواب يمكن تحويلها إلى عيادة أو مستوصف صغير للحالات الطارئة التي قد يتعرّض لها النواب، بعدما قال أحدهم إنّ مجلس النواب تحوّل إلى مجلس صيانة.

أيضاً، غاب التنسيق أمس داخل بعض الكتل النيابية، فلدى التصويت على الإجازة للجامعة اللبنانية إجراء مباراة محصورة على أساس الألقاب لملء شواغر في ملاكاتها، برفع الأيدي، لم تُرفع كلّ أيدي نواب تكتل التغيير والاصلاح، وتيار المستقبل. بموازاة ذلك، أيّد النائب غازي يوسف النائب نواف الموسوي في موضوع طابع المختار، وبدا توافق تام في قضية المختارين بين النواب عمار حوري وأحمد فتفت ووزير المالية علي حسن خليل الذي عقد خلوة جانبية مع السنيورة. أما النائب علي عمار، فكان منسجماً مع النائبين سامي الجميّل وسامر سعادة أثناء جلوسه إلى جانبهما، والابتسامات لم ترافق وجوههم. كلّ ذلك، والنائب جورج عدوان، الذي ربما لم يكن لديه الوقت الكافي للاطّلاع على الصحف، قرّر تصفح إحدى الجرائد داخل القاعة.

أما رئيس المجلس النيابي الذي ملّ مشاغبات النواب، فترك النائبين نبيل نقولا وعاطف مجدلاني يتجادلان على اقتراح تنظيم مهنة الطب، ليعود ويقول لهما: «شو خلصتو؟»، بعدما كان قد ردّ على مجدلاني، الذي بعد رده على نقولا رفع يده طالباً الكلام، قائلاً له: «ما حكيت وخلصت».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى