أيّهما أهمّ عند السعودية… المعارضة السورية أم 14 آذار؟

روزانا رمّال

يتحدّث بعض نواب المستقبل وآخرون ممّن تصبّ توجهاتهم في خانة العداء لسورية عن أهمية الحفاظ على مبادئ الرابع عشر من آذار وروحيتها وعدم المساومة عليها تحت أيّ معطى أو ظرف، فهي تمثل خط الدفاع عن دماء شهداء «ثورة الاستقلال»، حسب زعم مصدر قيادي فيها، من دون أن يربط وجهة الحركة بحركة السياسة الدولية والإقليمية ومندرجاتها.

تعمد شخصيات قوى الرابع من آذار إلى الترويج، في معرض الدفاع عن وجهات نظرها في أيّ ملف تعتبره أولويتها، مثل العلاقة مع سورية، أو سلاح حزب الله أو العلاقة مع إيران وغيرها… إلى طرح صيغ باتت بعيدة كلّ البعد عن الواقع، وتنسف أيّ واقعية تحتاجها الحركة للاستمرار، وتعزلها عن كونها لاعباً سياسياً مؤثراً.

ربما ينسى أو يتغاضى البعض فيها أنها وجدت نتاج ظرف سياسي في مرحلة محدّدة، ويرفض الانضواء تحت فكرة التغيير الذي عصف بالمنطقة من كلّ حدب وصوب، وكأنّ الحركة بكوادرها ومسؤوليها لا يريدون النظر أبعد من الحدود.

يطلّ النائب اللبناني نديم الجميّل في معرض احتجاجه على خروج الوزير السابق ميشال سماحة من السجن، ليعترض على حكم المحكمة العسكرية، لكنه لم يكتف بما أطلّ به على الناس من أجله، وما لبث أن تحوّل خطابه عدائياً لفريق الثامن من آذار برمّته، معتبراً أنه من غير المقبول أن يكون الرئيس اللبناني المقبل من هذا الفريق، لأنّ في ذلك «طعناً لمبادئ 14 آذار وروحيتها»…

إذاً، نعود إلى روحيتها مجدّداً، هي نفسها التي تحدّث عنها وزير العدل أشرف ريفي في رفضه أن يأتي رئيس للجمهورية متفاخراً بصداقته للأسد، ويقصد النائب سليمان فرنجية، أو خادماً لمشروع فارسي في لبنان، ويقصد العماد ميشال عون، لأنّ ذلك «يضع مبادئ حركة 14 آذار في خطر».

من الطبيعي أن تحرص القوى المعارضة للترشيحين على تماسك الصورة التي أوحت لسنوات أنّ البلد ليس تابعاً للثامن من آذار، فالرئيس السابق ميشال سليمان كان كفيلاً بطمأنة الحريصين على المشروع أنه غير مرتهن لإيران وسورية، وقد تكفل بإعطاء لبنان تلك الصورة التي يخجل بها البعض اليوم في بعض المواقع، ويرفضها تلك التي واجه فيها يوماً الوزير السابق عدنان منصور وزراء الخارجية العرب دفاعاً عن سورية، وصورة وزير خارجية لبنان الحالي جبران باسيل في معرض رفضه أن يوافق على انضواء لبنان ضمن مشاريع خليجية عربية، وقد التمس أنّ المعنيين يعذرون الصيغة اللبنانية وحساسية الموضوع ليكتشف اللبنانيون أنّ هناك من لا يريد العذر في الداخل ومُصرّ على أسر لبنان ضمن الصيغة الخليجية السعودية تحديداً، بينهم الوزير ريفي الذي قال: «نحن لبنانيّون عرب، ولن نكون إلا لبنانيين عرباً، وسنبقى كذلك فهذا تاريخنا. لا تؤاخذونا ولا تؤاخذوا أهلنا بما فعل المرتهنون منّا». ينسى ريفي هنا أنّ حديثه هذا هو تقديم أوراق اعتماد لأولئك الذين يبرّر أمامهم للحظة.

مصدر متابع في 8 آذار لملفَي الترشيحات الرئاسية يعتبر أنّ أولئك المعترضين على اسمَيْ فرنجية وعون ليس اعتراضهم عليهما وحسب، إنما في الحقيقة هو رفض بالاعتراف بأنّ التغيير ممكن، لا بل مقبل على البلاد، أي أنّ هؤلاء رافضون تصديق الحقيقة، ولهذا السبب هم في وارد تسجيل اعتراضات عند كلّ ملفّ يرون فيه فائدة لإعادة استحضار واستجرار قاعدتهم الشعبية المحبَطة، والتي انعكس التغيير عليها إحباطاً انتخابياً هي الأخرى.

وانطلاقاً من هنا يؤكد المصدر أنّ اللبنانيين على موعد مع استحضار قوى الرابع عشر من آذار، أو ما تبقى من غير المقتنعين منها ملفات تؤكد تمسكهم حتى آخر لحظة بمشروعهم، فتارة يخرج مَن يتمسك بملاحقة ملف سماحة، وتارة أخرى يخرج مَن يتمسك برفض مرشح رئاسي من 8 آذار، ويضيف المصدر ممازحاً: مَن يدري فربما يخرج من يرفض التدخل الروسي في سورية!

السؤال المطروح هنا أمام فريق 14 آذار والذي على المعنيين فيه تقديم وجهتهم للمرحلة المقبلة من خلاله، هو إذا كانت المملكة العربية السعودية هي عصب هذه الحركة التي نشأت عقب اغتيال الحريري، وما اعتبرته السعودية اغتيالاً لمشروعها في لبنان، فإلى أي درجة ستتمسّك السعودية بالدفاع عن «روحية» الحركة وتحت أيّ حساب؟ والأهمّ هل تعتبر حركة 14 آذار بالنسبة للسعودية أهمّ من «المعارضة السورية» في الكباش السياسي الحالي، وفي المفاوضات الدولية؟

من دون شك، قدّمت السعودية اليوم نموذجاً هاماً لقوى الرابع عشر من آذار التي تراهن على تمسك المملكة بها وعدم المساومة عليها من خلال الواقعية التي قدّمتها بخضوع لحالة مفادها أنّ تخطي روسيا وحليفها الأسد في المنطقة بات أمراً خيالياً، وأنّ الاستمرار في التمسك بشعارات مثل عدم قبول التفاوض على طاولة واحدة فيها فريق الدولة السورية الممثل الأساسي للرئيس الأسد.

يتوجه الوفد السوري إلى مؤتمر جنيف الذي يوضع ضمن عنوان عريض، وهو مفاوضات الحلّ السياسي في سورية بين النظام والمعارضة، من دون القدرة على الاستمرار في سياسة العزل، وهنا تؤكد السعودية أنها غير قادرة على التمسك بتلك الثوابت، وعلى هذا الأساس أجبرها الأميركيون على إقناع الوفد المعارض بالمشاركة منذ أول مؤتمرات جنيف السوري.

سيسأل فريق 14 آذار نفسه سؤالاً: هل هناك مَن سيجبر السعودية على التخلي عنهم أم أنها لا تحتاج إلى ضغط حتى باعتبار أنّ سورية تمثل استراتيجياً أكثر مما يمثله لبنان، وها هي تقبل الهزيمة سياسياً وتخضع للتفاوض؟

فالأهمّ من التفاوض، كمبدأ هنا، هو إلزام المعارضة بالتفاوض وفق شرط يُلغيها، فبقاء الرئيس السوري والتفاوض تحت سقف الرضا ببقائه بالنسبة إلى المعارضة السورية يعادل التفاوض تحت سقف الرضا اللبناني بسلاح حزب الله وبقائه يقاتل في سورية… سبحان الذي يغيّر ولا يتغيّر… إنها سنّة التغيير.. فاستعدوا!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى