البابا حريص على الرئاسة ولن يتدخّل في أسماء المرشّحين

محمد حميّة

تتسارع وتيرة اللقاءات وتزدحم المبادرات في الأيام القليلة الفاصلة عن موعد الجلسة النيابية التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه برّي لانتخاب رئيس جمهورية في الثامن من شباط المقبل، أملاً في تصاعد الدخان الأبيض من المجلس النيابي إيذاناً بحلّ الأزمة الرئاسية. إلا أن الطريق إلى بعبدا لا تزال مليئة بالألغام السياسية أمام أيٍّ من المرشحين، ولم تحظَ أيّ مبادرة حتى الآن بإجماع الكتل السياسية رغم توفّر النصاب القانوني، لكن النصابين السياسي والميثاقي لا يزالان مفقوديَن.

بعد لقاء معراب وإعلان وثيقة «الوصايا العشر» بين التيار الوطني الحرّ و«القوات اللبنانية»، و«القنبلة» التي فجرها جعجع بإعلانه تأييد ترشيح عون، اختلطت الأوراق على مستوى التحالفات السياسية وعكست ارتياحاً على الساحة المسيحية. إلّا أن المكوّنات الأخرى لم تتحمس للمبادرة التي لم تلقَ مظلة خارجية أيضاً، ما دفع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى طلب وساطة الفاتيكان خلال زيارته إلى روما مطلع الأسبوع الحالي. فأيّ دور سيلعبه الفاتيكان لإنقاذ الرئاسة اللبنانية وبالتالي الحفاظ على دور المسيحيين في المنطقة في ظلّ حملة تهجير الأقليات وانتشار قوى التطرّف الإسلامي؟ هل سيستخدم «مونته» على الأطراف المسيحية؟ أم سيقود حملة خارجية باتجاه الدول المؤثرة على الساحة المحلية؟ وما هو الدور الفرنسي في هذا السياق، لا سيما أن فرنسا تُعتبر تاريخياً راعية المسيحيين في لبنان؟

عام 1988 أطلق الفاتيكان نداءً دعا فيه إلى وقف الاقتتال بين الجيش اللبناني و«القوات» وأتبعه باتصالات مع سورية والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية لحضّها على التدخل لوقف الحرب. وبعد النداء عقد مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية الذي ضمّ مختلف الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية اللبنانية الذي أنهى هذه الحرب. ومنذ ذلك الحين لم تشهد الساحة الداخلية أيّ حدث كبير احتاج إلى تدخل الفاتيكان.

الثلاثاء المنصرم التقى بابا الفاتيكان فرنسيس الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني وأكد البابا على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه إيران في إحلال الاستقرار في الشرق الأوسط. وحضّ البابا فرنسيس، إيران على أداء دورها المهم في الشرق الأوسط عبر تشجيع حلول سياسية مناسبة تضع حدّاً لانتشار الإرهاب وتهريب الأسلحة.

التقى الرئيس روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف كذلك أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين ووزير خارجية الفاتيكان بول غالاغر. ورحّب الفاتيكان بالاتفاق بين القوى الكبرى والجمهورية الإسلامية حول الملف النووي الإيراني.

الفاتيكان لا يفضل مرشح على آخر، لا بل يرى أن رئيس الجمهورية في لبنان عامل قوّة يمتّن الوحدة الإسلامية ـ المسيحية في لبنان وعامل قوة أيضاً على المسيحيين المشرقيين للبقاء في أوطانهم، خصوصاً أن رئيس الجمهورية في لبنان هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة.

هذه الرؤية الفاتيكانية للحضور المسيحي تتخطّى اسم المرشح الرئاسي، لأن الفاتيكان يعتبر أن ثمة دوراً يجب أن تضطلع به القيادات المارونية وأن تتحمل مسؤوليتها في هذا الظرف التاريخي، ومن هذا المنطلق فإنه سيقود حملة اتصالات واسعة مع الدول الفاعلة لإحداث اندفاعة لانتخاب رئيس في لبنان لكنه لن يؤيّد أحد المرشحين ضدّ آخر.

يستطيع الفاتيكان أن يلعب دوراً مع إيران للدفع باتجاه اتفاق إيران مع الولايات المتحدة الأميركية على الملفات العالقة في المنطقة، بما فيها انتخاب رئيس في لبنان طالما اتفقا على الملف النووي الإيراني.

الفاتيكان على تنسيق تام مع روسيا لحماية الأقليات في لبنان والمنطقة سياسياً وأمنياً، كما أن هناك تنسيقاً بين الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا والفاتيكان في هذا الأمر.

فرنسا تستطيع أيضاً لعب دور مع إيران، خصوصاً بعد تطوّر العلاقات الاقتصادية بينهما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني وزيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران عشية توقيع الاتفاق النووي، لكن لا تواصل بين الفاتيكان والمملكة العربية السعودية.

تقول مصادر مطّلعة على المشهد الرئاسي، إنّ الجميع في مرحلة انتظار ريثما ينجلي مصير بعض الملفّات في المنطقة، مرجّحة الذهاب إلى رئيس توافقي من خارج الأقطاب الأربعة إذا طالت الأزمة لفترة طويلة.

الفاتيكان حريص على الرئاسة

يؤكد النائب البطريركي العام المطران بولس صياح لـ«البناء» أن الفاتيكان سيعمل مع الدول المؤثرة خارجياً، لا سيما الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لكي تضغط على الدول المعنية والمؤثرة في الشأن الرئاسي واللبناني بشكلٍ عام، بينما تعمل البطريركية المارونية على الداخل للتوفيق بين الأطراف المسيحيين للوصول إلى اتفاق على مرشح بينهم.

ويضيف صياح أن الفاتيكان يلعب دوراً ليس فقط للحؤول دون تهجير الأقليات في المنطقة، بل يعمل لإنهاء الحرب في المنطقة، لأن الفاتيكان يعرف أن الحرب هي سبب كل شيء، وهو يهتم للأقليات كما الأكثريات في هذه المنطقة، لأن تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية لا يهجّر أو يقتل الأقليات فقط، بل من كل الطوائف والأعراق والإثنيات في المنطقة، ويضرب الصيغة المتنوّعة للمنطقة.

وتوضح مصادر مقرّبة من بكركي لـ«البناء» أنّ الفاتيكان لا يفضّل مرشح على آخر، بل يرى أن رئيس الجمهورية في لبنان عامل قوة يمتّن الوحدة الإسلامية ـ المسيحية في لبنان وعامل قوة أيضاً على المسيحيين المشرقيين للبقاء في أوطانهم، خصوصاً أن رئيس الجمهورية في لبنان هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة.

الفاتيكان وإيران

وتشير المصادر إلى أهمية زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى الفاتيكان وزيارته اللاحقة إلى فرنسا. وتشير المصادر إلى أنّ همّ الفاتيكان الرئيس هو انتخاب رئيس للجمهورية، وسيضغط معنوياً على الدول المؤثرة على الساحة اللبنانية، لا سيما المؤثرة في الملف الرئاسي، لإنهاء الشغور وانتخاب رئيس جديد.

وتضيف المصادر: «يستطيع الفاتيكان أن يلعب دوراً مع إيران للدفع باتجاه اتفاق إيران مع الولايات المتحدة الأميركية على الملفات العالقة في المنطقة بما فيها انتخاب رئيس في لبنان، طالما اتفقا على الملف النووي الإيراني».

ونقلت المصادر أنّ أجواء الفاتيكان إيجابية من خلال تأكيده على أنه سيقود حملة اتصالات واسعة مع الدول الفاعلة لإحداث اندفاعة لانتخاب رئيس في لبنان. لكنه لن يؤيّد أحد المرشحين ضدّ آخر، فالفاتيكان متخوّف على الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، كما أن الوضع المعيشي الأمني الاقتصادي لم يعد يُحتَمل في ظلّ شلل المؤسسات، ولا يمكن إطالة أزمة الرئاسة في ظلّ الأوضاع في المنطقة.

الفاتيكان لن يتدخل في الأسماء

ويؤكد الوزير الأسبق كريم بقرادوني في حديث إلى «البناء» أن البطريرك الراعي شرح خلال لقائه البابا الوضع اللبناني بشكلٍ عام وموضوع الرئاسة بشكلٍ خاص، إذ يعتبر الفاتيكان أن لبنان مهمّ برئاسة الجمهورية فيه لأنه البلد الوحيد ذا الرئيس المسيحي، في ظلّ الصراع في المنطقة. والفاتيكان حريص على انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن كي لا يؤثر الشغور على دور المسيحيين في لبنان، ليس فقط في المرحلة الحالية بل في المراحل المقبلة.

ويضيف: «خلال حديث الراعي مع البابا والكرادلة، لم يأتِ البابا ولا الكرادلة على ذكر أسماء ومرشحين، بل ما سيقومون به هو إدراج الوضع اللبناني والرئاسة خصوصاً على الأجندة الدولية وسيُدخلون الملف اللبناني في كل الاجتماعلت الدولية. لكنهم لن يتدخلوا مباشرة في الأسماء، إنما يريدون انتخاب رئيس من دون تحديد أيّ مواصفات، وهم غير معنيين إذا كان رئيساً قوياً أو توافقياً، هم ضدّ مبدأ الشغور ومع مبدأ الانتخاب».

ويعتبر بقرادوني أن الفاتيكان منفتح على الأطراف الدولية كلّها، وكل العائدين من زيارته ينقلون عنه وعوداً بأنه سيضغط من أجل انتخاب رئيس يتوافق عليه اللبنانيون.

الفاتيكان وفرنسا

ويشير المطران صياح إلى أن فرنسا لم تتوقف عن العمل لمصلحة لبنان ورعايته وهي تعمل مع الدول الكبرى في هذا الشأن. والفاتيكان جزء مهم من هذه المجموعة الدولية. ويلفت إلى أن البطريرك الراعي كثّف اجتماعاته في الآونة الأخيرة مع سفراء الدول الخمس الكبرى، إضافة إلى ألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والسفير البابوي لينسقوا في ما بينهم للتأثير على السعودية وإيران.

وتقول مصادر «البناء» إن فرنسا تستطيع أيضاً لعب دور مع إيران، خصوصاً بعد تطوّر العلاقات الاقتصادية بينهما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني وزيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران عشية توقيع الاتفاق النووي. وتكشف المصادر أن لا تواصل بين الفاتيكان والمملكة العربية السعودية، لكن العلاقة بينهما لا تصل حدّ العداء، وذلك بسب الموقف السلبي للسلطات السياسية والدينية في السعوية من المسيحيين.

ويتحدّث بقرادوني عن الرعاية الفرنسية للمسيحيين تاريخياً، ويقول: «لكلّ رئيس في فرنسا مستشار للشؤون في المنطقة لا سيما لبنان، الرئيس رفيق الحريري كان المستشار خلال عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وحينذاك لا يمكن أن تتخذ فرنسا قرار يخصّ الملف اللبناني من دون مواقفة الحريري، لكنّ دور النائب سعد الحريري الآن أقل أهمية من دور والده».

ويضيف بقرادوني: «فرنسا أيدت سعد الحريري في المبادرتين، مبادرة ترشيح العماد عون سرّاً ومبادرة ترشيح الوزير سليمان فرنجية علناً، لكن العقبة في ترشيح عون كانت خارجية والآن فوجئ الفرنسيون بأن الوضع الداخلي ليس مؤهلاً للسير في مبادرة فرنجية، بينما الوضع الخارجي كان مسهّلاً، ما دفع فرنسا إلى التراجع خطوة إلى الوراء، وهي على تنسيق مع الفاتيكان للعمل على حلّ الأزمة الرئاسية في لبنان، لأنها الدولة الوحيدة المهتمة بالملف الرئاسي، لأنّ ألمانيا وكلّ أوروبا مهتمة بالإرهاب وبالأزمة السورية وبأزمة المهاجرين».

المسيحيّون حسموا أمرهم

ويعتبر صياح أن لقاء معراب بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون ورئيس «القوات» سمير جعجع ظهّر موقف 70 إلى 80 في المئة من المسيحيين، ما يعني أن المسيحيين حسموا أمرهم، لأن التيار الوطني الحرّ و«القوات اللبنانية» يمثلان شريحة مسيحية «محرزة» في الشارع، ولا يستطيع أحد تخطّي هذه الحالة الجديدة.

ويضيف: «المكوّنات الأخرى كانت تقول أنه إذا اتفق المسيحيون سنسير معهم في أيّ مرشح يريدونه، والآن تقريباً تحقق ذلك وعلى الجميع الخضوع للديمقراطية».

الرئيس القويّ أم التوافقيّ؟

وتقول مصادر مطلعة المشهد الرئاسي، إنّ الجميع في مرحلة انتظار ريثما ينجلي مصير بعض الملفات في المنطقة، مرجّحة الذهاب إلى رئيس توافقي من خارج الأقطاب الأربعة إذا طالت الأزمة لفترة طويلة.

ويرى بقرادوني أنّ التوجه اليوم إلى تزخيم والاستفادة من الدينامية التي خلقها اللقاء بين عون وجعجع ومبادرة ترشيح عون وهما القوتان المسيحيتان الرئيسيتان على الساحة المسيحية على غرار باقي الطوائف، كما أن المسيحيين مرتاحون لأجواء الاتفاق بين الطرفين، لكن ذلك لا يعني أنّ هناك انتخابات في القريب العاجل، لأن الظروف الإقليمية لم تنضج بعد، لا سيما الوضع السوري عشية انعقاد مؤتمر جنيف والذي سيكون الملف السوري الأساس، لكن سيتفرع عنه الموضوع اللبناني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى