أخيرة

عندما يتحوّل الركوع نفاقاً…

 مريانا أمين

الركوع هو طاعةٌ وإيمان، أو قد يكون خوفاً أو جهلاً وهواناً؛ لذلك فإنّ دوافع الركوع تفرضها القيمة الوقورة أو السطوة المذلّة فينحني أمامها المرء إما اعتقاداً وعرفاناً وتقديراً لماهية الراكع لأجله؛ أو جبناً وذلاً مخافة الهلاك والجوع والسجنن

منذ القدم؛ منذ عهد الفراعنة حيث كانت الشعوب تنبطح على بطونها عند ظهور الملك؛ كان الركوع يتوالد بالفطرة بعيداً عن الاعتقاد، بل ومشغولاً بدسائس القوة والنفاق وليصبح بعدها عرفاً تمارسه العامة، وصولاً الى عبادة تلك الفراعنة وجعلها آلهة بشرية مقدّسة.

وهذا ما وصلَنا من خلال الرسومات الفرعونية التي اعتُبرت أكبر دليل على ذلك؛ وتتالت الأيام وجاءت الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية وبقي هذا التقليد موجوداً، ورغم أنّ هذه الديانات الثلاث حدّت من هذه الظاهرة، واستمرّ معها الناس يركعون ثم يسجدون وبطرق مختلفة، منها بالذقون لأنهم يعتبرون أنهم يواجهون «الله» بوجوههملكن! من وجهة نظرهم الركوع احتراماً وخشوعاً وعبادة لخالقهم (الله)؛ وحرّموا الركوع لغيره؛

هذا ما يُعتبر تحت عنوان (الصلاة)؛ ولا ننسى من قبلهم الديانات الابراهيمية التي تأثرت بالحضارة المصرية وطريقة ركوعهم أمام الاله (آمون رع).

أما الركوع للطغاة! هذا الركوع المُذِلّ الذي فرض على البشرية فرضاً من قبل الحاكم على الرعيّة؛ فالصينيون بدأوا يركعون منذ حكم أسرة (تشو) وما زالوا مستمرين؛ والديانات الهندية ما زالت تركع للبشر والحجر؛ حتى أنّ البعض منهم يحتضنون أقدام الحاكم ويركعون أمامه كأنهم يصلون له، حيث اعتبروها شكلاً من أشكال العبادة والثناء

والركوع بات مع تطوّر العصور يحمل طرقاً مختلفة، ويُؤدّى وفق شروط القهر وفريضة التسلط؛ ففي بلادنا العربية والآسيوية الركوع للحاكم والملك والطاغية ليس احتراماً بتاتاً؛ بل خوفاً من سطوته واستسلاماً لمطالبهِ؛ هذا ما جعل معظم بلادنا انهزامية وواهنة، وتراعي فقط حرمة ومقام الحاكم؛ فبعدت كل البُعد عن التطوّر والحضارا، وتقوقعت حتى استخفّ بها الآخرون شرّ استخفاف؛ وأصبحت بلادنا أشبه بمستعمرات للغرب لينهشوا خيراتها مستغلين غباء الحكام وضعف الشعوب المستسلمة لهم

وأختم القول إلى كلّ الركّع والساجدين: ابقوا على ركوعكم في فريضة الصلاة إن شئتم، وأما في ذلك، فكونوا أباة ودعاة ثورة وقيامة، ورواد القضايا المحقة، لتكن هاماتكم فقط تُحسن وقفات العزّ والإباء

وهكذا تنتصر النفوس العظيمة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى