أولى

انتصارات الجيش السوريّ… والمعادلات الجديدة

 حسن حردان

الهجوم المستمرّ للجيش السوري ضدّ الجماعات الإرهابية في محافظة إدلب، وغرب حلب، والتقدّم المتواصل باستعادة المدينة تلو المدينة، والبلدة تلو الأخرى، وسط اندحار الإرهابيين، يؤكد بوضوح تصميم القيادة العربيّة السوريّة، وبدعم من حلفاء سورية، على تحرير كلّ شبر من الأرض السورية، انْ كان يخضع لاحتلال النصرة وأخواتها، أو يخضع لاحتلال القوات الأجنبية التركية والأميركيةوفي هذا السياق كان لافتاً، بيان قيادة الجيش السوري عشية بدء عمليته العسكرية، لناحية التأكيد الحاسم على ترجمة هذا القرار، بعد استنفاذ كلّ الفرص لتطبيق اتفاقات سوتشي، وبعد تمادي الإرهابيين في انتهاك اتفاقات وقف النار، ومواصلة اعتداءاتهم على أحياء مدينة حلب والبلدات المحاذية لمناطق تمركز الإرهابيين.. لقد تبيّن على مدى سنوات الحرب الإرهابية، انه لم يتمّ تحرير واستعادة سيطرة الدولة السورية على معظم المدن والبلدات والقرى التي سيطر عليها الإرهابيون التكفيريون في بدايات الحرب، إلا عبر الانتقال إلى الحسم العسكري من ناحية، وتشديد الضغط على الجماعات الإرهابية من ناحية ثانية.. وفتح المجال للمصالحات والتسويات أمام المسلحين، الذين يبدون الاستعداد للتخلّي عن مواصلة القتال والعودة إلى حضن الدولة.. او مغادرة المسلحين الأجانب إلى إدلب من ناحية ثالثة.. حتى بات ما تبقى من إرهابيّين يتجمّعون في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، وهي مناطق محاذية للحدود مع تركيا، التي توفر لهم كل أشكال الدعم لمواصلة حرب الاستنزاف ضد الدولة السورية، وتوظيفهم في محاولة تحقيق أهداف الرئيس التركي رجب أردوغان، من خلال السعي الى فرض بعض شروطه للحلّ السياسي تتيح له تشريع وجود الجماعات الإرهابية التابعة له، وفي المقدمة جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركياواليوم نضجت كل الظروف لتحرير واستعادة كل المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا، بوساطة الحسم العسكري، وإنهاء حالة الاستنزاف الذي يتسبّب بها استمرار بقاء الجماعات الإرهابية في هذه المناطق.. وهذا يعني انّ الإرهابيين لن يكون أمامهم سوى واحد من ثلاثة خيارات:

الخيار الأول، الاستمرار في القتال حتى الموت، لأنه لم تعد هناك منطقة في سورية يمكنهم أن ينتقلوا إليها..

الخيار الثاني، أن يلجأ المسلحون السوريون، في ظلّ فقدانهم أيّ أمل في الصمود أمام تقدّم الجيش السوري، الى تسليم أنفسهم إلى الدولة السورية والاستفادة من الفرصة الأخيرة لهم، وهي الدخول في المصالحة والتخلي عن القتال، كما فعل من قبل الكثير من المسلحين في غوطة دمشق وجنوب سورية إلخ

الخيار الثالث، أن تنهار معنويات الإرهابيين، فيقرّر القسم المتبقي، لا سيما الأجانب من القوقاز والإيغور، الهرب إلى تركيا، المنفذ الوحيد المتبقي لهم، بعد فقدانهم أيّ أمل في حصول دعم عسكري تركي مباشر، وبالتالي تخلي أردوغان عنهم، لأنّ موازين القوى لا تسمح له بتغيير الواقع على الأرض والدخول في حرب مع الجيش السوري َوحلفائه، روسيا ومحور المقاومة.. وهو الخيار الذي سلكته واشنطن عندما أعلنت تخلّيها عن تقديم الدعم العسكري المباشر للإرهابيين في جنوب سورية، وتركهم يقرّرون الخيار الذين يفضلونه.. على أنّ أردوغان سوف يعيد توظيف الإرهابيين الأجانب، بإرسالهم إلى ليبيا للقتال الى جانب حكومة السراج في ليبيا لتحقيق أطماعه في النفط الليبي.. لا سيما أنه قد بدأ فعلاً بذلك وأرسل نحو ثلاثة آلاف من الإرهابيين التابعين له إلى ليبيا

إنّ إنجاز الحسم ضدّ الإرهابيين واستعادة سيطرة الدولة السورية الكاملة على كلّ محافظة إدلب وريف حلب الغربي، وصولاً إلى الحدود مع تركيا، سوف يؤدّي عملياً إلى انتقال المعركة مع الأصيل، الذي استخدم الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافه في سورية، وهذا يعني فتح معركة فرض رحيل القوات الأجنبية عن الأرض السورية، إما بالمقاومة الوطنية السورية، أو سلماً.. وفي هذا السياق هناك احتمالان مرجّحان:

الاحتمال الأول، أن تدخل حكومة أردوغان في مفاوضات مع الحكومة السورية لإعادة إحياء اتفاق أضنة بين البلدين، إما بتعديل بعض بنوده، أو بتثبيته، وبالتالي انسحاب القوات التركية التي احتلّت بعض المناطق المحاذية للحدود مع تركيا، بذريعة درء خطر قوات «قسد» الكردية على الأمن القومي التركي ووحدة تركيا.. لا سيما أنّ عودة سيطرة الدولة السورية على المناطق الحدودية وانتهاء سيطرة «قسد» فيها، يضع نهاية لهذه الذريعة التركية لتبرير استمرار بقاء الجيش التركي داخل الأراضي السورية.. وهذا الاحتمال مرجّح لأن مصالح تركيا تقتضي عدم الدخول في حرب لا تحظى بأيّ مبرّر أو تأييد شعبي.. وسوف تتسبّب بتوتير العلاقات مع روسيا وإيران، مما ينعكس سلباً على المصالح الاقتصادية لتركيا، هذا الى جانب أنّ موازين القوى العسكرية ليست في مصلحة تركيا.. فالجيش السوري يحظى بدعم شعبي كبير، وبدعم من روسيا وإيران للدفاع عن سيادة واستقلال سورية..

الاحتمال الثاني، أما القوات الأميركية التي تحتلّ مناطق النفط في شمال شرق سورية، ومنطقة التنف على الحدود مع الأردن والعراق، فإنه لن يكون أمام واشنطن سوى سحبها، فهي إذا بقيت ستواجه المقاومة الوطنية السورية. وفي هذه الحالة لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها من دون إرسال قوات إضافية ما سيقود إلى التورّط في حرب جديدة في ظروف ليست لمصلحة أميركا، التي تواجه أيضاً قرار الشعب والبرلمان والحكومة في العراق الذي يطالبها بسحب قواتها وإلا واجهت أيضاً المقاومة الشعبية المسلحة.. في حين أنّ ترامب يواجه ضغطاً شعبياً وفي الكونغرس لعدم التورّط في حرب جديدة، بعد ارتكاب جريمته باغتيال القادة في محور المقاومة، الشهيد الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما

من هنا فإنّ قرار الجيش السوري بالحسم العسكري مع الإرهابيين، وتقدّمه السريع والمتواصل في إدلب وغرب حلب، يرسم الطريق النهائي لخلاص سورية من الإرهابيين، ومن احتلال القوات الأجنبيّة، ويحقق الأمن والاستقرار والسلام الحقيقي لسورية بعيداً عن التدخلات الخارجية، ويطلق ورشة إعمار ما دمّرته الحرب الإرهابية، الأمر الذي يكرّس المعادلات الجديدة، عربياً وإقليمياً ودولياًمعادلات تفرض محور المقاومة قوة أساسية في المنطقة، تنهي هيمنة الأنظمة العربية الرجعية، وتحكّمها بالقرار العربي وتضعف نفوذها، من ناحية، وتسقط مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي سعت واشنطن لفرضه من خلال محاولة السيطرة على سورية وتحويلها إلى دولة تابعة تدور في فلك الهيمنة الاستعمارية الأميركية، ومن ناحية ثانية، تنهي حلم أميركا في تعويم هيمنتها الأحادية على القرار الدولي، بما يكرّس التعددية الدولية، والتمهيد لولادة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.. ومن ناحية ثالثة، وهو ما سيقود بكلّ تأكيد إلى تداعيات لمصلحة كفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ومفاقمة مأزق كيان الاحتلال الصهيوني، وأزمته البنيوية، التي لن تخرجه منها جريمة صفقة القرن التي ولدت ميتة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى