أولى

دولة بلا رأس ولا ذيل…

‭}‬ د. علي عباس حمية
اتفاق الطوائف المتمثل بالطائف لم يعد يجدي نفعاً في تطبيقه وقد مرّ عليه أكثر من ثلاثين عاماً، بمهل استحقاقاتٍ قاتلة، حيث كان هناك صعوبة في تنفيذه والذي تمّ من خلاله نقل الصراع بالبندقية بين الميليشيات في الشارع الى حرب الكراسي في تقاسم السلطات والمال، وجعل الأكثر فساداً أكثر نفوذاً في الدولة الافتراضية من خلال سلطته وتقسيم الناس لتكون كما تكونوا يولى عليكم.
دع المقاومة جانباً في مثلثها الذهبي التي ضحّت ولا تزال تبذل الغالي والنفيس لأجل تحرير لبنان واسترجاع حقوقه وأرضه وبحره من الأعداء والاعتداءات، ولا ثقة إلا بها، كما لن أستثني إلا القليل القليل من رجالات الدولة التي لم توجد بعد في كيانها، والباقون يدخلون في جدل عقيم من خلال الفولكلور السياسي والزعامات المناطقية التي لو وُجدت الدولة لذابت قواها ومدلولاتها المستمدة منذ العثمانيين والاحتلال الفرنسي الى الحاضر، هؤلاء المفسدون يعيشون على سياسة استزلام الموظفين والمؤسسات واستنعاج الشعوب.
أف لك من دولة لم تولد بعد، لقد ولدنا وعشنا وهرمنا ولم نرَك إلا في الأغنيات والامسيات الشعرية وترانيم العيش المشترك الذي يفسّر الانقسامات الطائفية والمناطقية والطبقية، ولم نرَ تلك الدولة في وطن يحمل الهوية الوطنية الواحدة بعد.
وعند ظهور حالة وطنية كالمقاومة يقوم الفاسدون بمحاولات إجهاضها والمطالبة بنزع سلاحها لغايات شخصية ومناطقية فقط لأنها ستضعف نفوذهم. نعم انه الفساد والارتهان للسفارات التي تتدخل وفق مصالحها حيناً ووفق طلب تلك الزعامات المرتهنة لها أكثر الأحيان.
الدولة لا يمكن ان تقوم على زعامات، الأقوى منها، بل من خلال مؤسسات تحفظ الحقوق وتفرض الواجبات بشكل تدريجي لتصبح ثقافة، إلا أنها لا يمكن لها القيام بدورها المُقسّم بين سلطات الطوائف ولأنها تطبّق القانون على الضعفاء فقط الذين لا سند زعامي او ميليشياوي لهم.
لقد أوصلتنا تلك الزعامات وشعبويتها الى فقدان القضاء القوي والمال والاقتصاد والكهرباء والطبابة والغذاء ولربما الأمن لاحقاً إذا ما أصبحت القوى الأمنية والعسكرية تعتمد على رواتبها من دول أخرى.
نعم، طالما انه لا نظام ولا تنظيم، فإننا نعيش في حالة من العشوائية، حتى أصبحنا نفسّر الدستور والقوانين وفق أهوائنا، ونعيش في حالة تخبّط سياسي قضائي أمني اقتصادي إعلامي معظمه يتقاضى راتبه وأوامره وفق انحيازه.
اذاً، أين هي الدولة مما يجري؟ أين مقوماتها؟ أين رجالاتها؟ أين مخططاتها ومراكز أبحاثها ودراساتها؟ أين شعبها على قرار ونفس واحدة؟ أين هويتها؟ أين الشخص المناسب غالباً في مكان إبداعه؟ هل من مجيب؟
لكن، لا وجود لكيان دولة بلا رأس ولا ذيل، فهي تعيش في ظلّ رؤوس متعددة لسلطات منقسمة تعيش في عشوائيات النظام والتنظيم لربما ستصل بنا لنكون تحت الوصاية الدولية ومصارفها.
لربما نحتاج الى إعادة هيكلة ولقرار شجاع يعيد الدولة الى الوطن والمواطن قبل ان تبقى أرضاً بلا شعوب تحكمها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى