أخيرة

كتاب مفتوح إلى النازحين السوريين*

‭}‬ يكتبها الياس عشي
لنعد إلى الوراء، إلى المأساة ـ الأمّ، مأساة الشعب الفلسطيني.
عمر نكبة فلسطين من عمرنا، بل نحن تجاوزناه ببضع سنوات. كنّا صغاراً. فجأة رأينا أنفسنا خارج ملاعب الطفولة. واكبنا النازحين، عبر ما سمعناه ممن كانوا حولنا، بعد أن غادروا بيوتهم، وبيّاراتهم، وكرومهم، وسماءهم، وموتاهم، ومعابدهم، ودروباً مشى عليها السيّد المسيح، وسرى منها الرسول العربيّ الكريم.
سمعنا الكثير ممّا كان يدور في مخيّمات أقيمت على عجل، واليوم، بعد خمسة وسبعين عاماً، لا أتذكر ممّا سمعت إلّا مقولة واحدة كان يرددها النازحون الفلسطينيون، والذين صاروا لاجئين:
«سنعود إلى فلسطين بعد أشهر، لقد قطع أصحاب الجلالة والسموّ والفخامة وعداً بذلك! قالوا لنا: اخرجوا… وسنعيدكم!»
وصدّقوهم… وخرجوا!
وصرنا شيوخاً ولم يفِ أحد بوعده. حرموا الفلسطينيين حتى من حقّهم في هواء نظيف، وبيت لائق، وحديقة لأطفالهم.
أيها النازحون السوريون… كفى متاجرة بكم… عودوا.
ردّدوا بصوت واحد:
«شكراً لبنان… أنا عائد إلى بيتي… إلى سورية».
أيها النازحون…
عودوا…
فما من شجرة إلا ستكون في استقبالكم… بها تتفيأون… ومن ثمارها تأكلون… وكلّ مخيمات الدنيا لن تكون بديلاً عنها.
عودوا… فحدود قراكم التي خرجتم منها مكرهين هي الحصن الذي يحميكم من غدر الزمان… وبطاقات التأمين…
اتركوا وراءكم بطاقات شكر لمن حماكم، واغفروا لمن نال من كبريائكم.
عودوا… فثمّة حكايات ستروى لكم حول مواقد الشتاء، حكايات عن أبطال استشهدوا كي تعودوا.
عودوا… قبل أن تصادركم الغربة، وقبل أن تصبحوا أرقاماً في جداول المنظمات الدولية.
أيها النازحون…
سورية هي أمّكم… والأمّ لا تترك أبناءها في الوحل.

*هذا المقال نشر قبل خمس سنوات، وأعيد نشره اليوم بعد أن تحوّل موضوع النازحين السوريين إلى ابتزاز في السياسة، وإلى مشكلة عرقية ومذهبية وإنسانية وأخلاقية!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى