اقتصاد

دولة المصارف…

} حسان النجار

إنّ القطاع المصرفي في لبنان أمام تحدّ كبير فإما أن يساعد في نهوض اقتصاد البلد أو أن يقف ساكناً؛ ويكون بذلك يساهم في زعزعة الاستقرار المالي والاقتصادي للبنان وبالتالي الاستقرار الأمني والسياسي.

في لبنان القطاع المصرفي له دور سلبي في تنمية الاقتصاد والدورة الاقتصادية، فإنّ أكثر أنواع القروض شيوعاً في العالم هو «قرض العمل»، فمن خلال هذا القرض يقوم المستثمر باقتراض المال من المصرف ليطوّر عمله، أو ليؤسّس مشروعه الخاص؛ فيعتاش منه ويقوم بدفع الدين من هذا العمل. غير أنه وفي بلدنا تعتبر الفائدة المصرفية أربح تجارة بسبب السقف العالي الممنوح للمصارف. وهذا ما يعطي هامش ربحية كبيراً للمصارف اللبنانية. فهنا على «مصرف لبنان» التدخل بشكل فوري وتحديد سقف نسبة الفائدة على القروض (ليس العكس)، وبالتالي يحدّد سقف الفائدة الممنوحة على الودائعإنّ تحديد نسبة الفائدة على الودائع الذي حدث لا يخدم الاقتصاد ولا الوضع المالي، بمقدار ما يخدم مصلحة المصارف ومضاعفة أرباحها خلال هذه الأزمة وهنا نتذكر التصريحات الصادرة عن «بنك لبنان والمهجر».

اقتصادياً تكون الفائدة على الودائع المصرفية هي نتيجة معادلة بسيطة في علم الاقتصاد وهي: «فائدة على القروض = فائدة على الودائع + الأرباح المصرفية»، هذه المعادلة كمعادلة الأسعار العامة «سعر المبيع = سعر الكلفة + الربح»؛ إنّ تعميم مصرف لبنان الأخير الذي حدّد سعر الفائدة على الودائع وقام بقسمتها بين الدولار واللبناني على ودائع الدولار حقق أرباحاً خيالية للمصارف، فالفائدة على القروض لا تزال تقارب 15% والفائدة على الودائع أصبحت 5% ( 2.5% لبناني و2.5% دولار). للوهلة الأولى نجد أنّ المصارف قد حققت 10% ربحاً، وهذا أمر خاطئ لأننا نسينا ارتفاع سعر الدولار بنسبة 25% في السوق اللبنانية ليصل الى 2100 ليرة، بينما سعر صرف الدولار في المصارف بناء على تعاميم مصرف لبنان 1515 ليرة؛ فنجد بعد احتساب القيمة الفعلية للفوائد المصرفية بأنّ المصارف تحقق «هامش ربح» يفوق 11%؛ وقد كان قبل الأزمة يتجاوز الـ4%. إذن على «مصرف لبنان» أن يقوم فوراً بلعب دوره الطبيعي لخدمة الاقتصاد اللبناني لا جمعية المصارف.

أما عملية الاحتيال الخلاقة التي قامت بها الدولة اللبنانية ومصرفها هي السيطرة على التحويلات من الخارج الى لبنان وإجبار الناس على تسلم أموالهم بالليرة اللبنانية وإعطائهم الأموال على دفعات بالدولار، غير انّ عملية تحويل الأموال من الخارج تتمثل بشبه عملية مقاصة في شركات نقل الأموال العالمية فبعد مقارنة التحويلات ودمجها واحتساب الفوارق تصل الى البلد المحوّل إليه حقيبة من «الدولارات الجديدة» لتضخّ في السوق. إذن هذه الكتلة النقدية كتلة خارجية لا تمتّ بصلة لحجم الدولار في السوق اللبناني، بل تقوم بزيادة الدولار في السوق الأمر الذي يساعد في خفض سعره في السوق بسبب زيادة العرض. المصارف المملوكة من السياسيين قامت بالتحايل على «capital control» وتحويل الأموال المنهوبة لخارج لبنان من خلال مراكزها الرئيسية التي كانت تعمل في السر في أوائل أيام المظاهرات مع العلم بأنّ الفروع كافة كانت مغلقة بقرار من أصحاب المصارف، لنجد أنّ المصارف أخضعت الأكثرية الساحقة من المودعين لعملية «التحكم برأس المال» بدل إخضاع قلة من أصحاب النفوذ. ليقع هنا المودع بين مطرقة الدولار وسندان أرباح المصارف، في ظلّ شبه غياب لوزارتي المال والاقتصاد و»مصرف لبنان» لنجد أنفسنا وفي غفلة من الزمن أننا نعيش في دولة المصارف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى