حديث الجمعة

«عشق الصباح»

صار في أرض سورية نهر من الدم حتى أنبتت حدائق ورد وأقحوان للشهداء.

إلى والدي الشهيد: إبراهيم موسى الناصر.. ووالدتي الشهيدة: فطوم ميهوب.. وأختي الشهيدة:

وصال إبراهيم الناصر.. في ذكراكم السادسة لمنحنا شرف شهادتكم «كلمات حب وجمر صارت مناجاة بوح روحي «.

 ومن خلالكم أهديها إلى أرواح الشهداء القديسين..

علمني يا أبي كيف يغص الطيبون بالماء فيصبح حنظلا في الحلق؟ وكيف يصير الصبر ملح حياتهم اليومي؟ وكيف ينسجون حكاياهم المعجونة بالتراب والدم والدموع؟ لقد رأيت ضوء الحياة في بيتك الطيني وأول ما عرفت النطق سألت أمي: لماذا والدي يقسم بيتنا بهذه البطانيات ولا نستطيع الجلوس بالجهة الشرقية من البيت؟

ومَن هم هؤلاء الرجال الذين يأتون إلى بيتنا بعد الغروب واسمعهم يرتلون قصائد «سليمان العيسى» ويقرؤون في كتب «زكي الأرسوزي» وكتيبات صغيرة «المناضل» ولا تنتهي حواراتهم حتى مطلع الضوء؟

وأنا شغوف بوالدي الذي كنت أرى زيتون أرضه في عينيه وفي وجهه أرى ضحكة القمر.

وقد حاولت أن أكون معه بأي وقت يسمح لي فيه الزمن، اترك الشام وأجيئه إلى قريتنا «معان» استيقظ لأجده في محراب الفجر يؤدي صلواته وتراتيله، أجلس بصمت، كتفي إلى كتفه كنت أريد أن أتعلم من بحر فلسفة العرفان «معاني الإنسانية والمحبة وقيمة العمل وكيف يكون «سلوك الإنسان دليلاً عليه»؟

آه يا أبي: كانت الشمس ترسل أشعتها خجلة على عتبات البيوت الطينية في قريتي «معان». يا لهذا اليوم العاصف بالموت والفقد والدمار والخراب، يا لهيبة قيامة الرحيل المؤلم !

قالت عليا: «سيقتلك حزنك» وأنت تكتب حكايا العشق كأن روحك تنزف.. صارت عليا تخاف أن تتركني وحيداً، يا إلهي: الحزن يلجم صوتي في روحي النازفة، إلى الشرق يهفو قلبي يبحث عن نديم. ونديم روحي سكن الضوء وتركني للغربة وللانتظار حتى صرت أمقت هذي الريح الشمالية التي أخذت مني أهلي وابني وصارت حياتي بعدهم يباساً.. أخاف الجفاء والفقد، آه يا عليا، لو تدري كم يؤلمني الفقد..؟

قالت عليا، وكفاها تطوقان وجهي بحنو: ما أصبرك ..تبدو كلك حزناً !

في هذه الليلة العاصفة بالمطر والريح، أسمع هزيم الرعد يشق صمت الليل، أكتب وبين أصابعي جمر.. وأي جمر !

ذاكرتي مسكونة بطفولتي الأولى وأنا أركض حافي القدمين في براري قريتي «معان» أطوف من حقول القمح أهش بعصا صغيرة على غنمي، يومها لم أكن أفكر بـأن تلك الجحور والمغارات القديمة مملوءة بالأفاعي والضباع المتوحشة.. لا أدري متى أستطيع كتابة حنيني إليكم حكايا.. «الانتظار والصبر صارا صنعتي يا أبي».. اشتقت لصوتك وأنت توقظ الضوء في الفجر.. «اطمئن يا أبي حراس سورية ينتصرون» مع كل ذكرى يطالعني وجهك «حيّ على الشهادة والشهداء» سلام الله مني إليك..؟

حسن إبراهيم الناصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى