أولى

إلى الحكومة «الاستثنائيّة» والانتفاضة الشعبيّة:
ما أولوياتكم وكيف تحقّقونها؟

 د. عصام نعمان _

أعلن الرئيس حسان دياب أسماء أعضاء حكومته وشكّل لجنة موسّعة منهم لوضع البيان الوزاري بغية نيل ثقة مجلس النواب على أساسه. ما أولويات حكومته وكيف السبيل الى تحقيقها؟

دياب قال في ندوات إعلامية إنه يتبنّى مطالب الانتفاضة الشعبية من دون أن يُحدّدها، كما لم يحدّد كيفية تحقيقها. جلّ ما قاله في هذا المجال اعتزامه القيام بجولة على عواصم دول المنطقة بدءاً بالخليج.

الانتفاضةُ الشعبية طرحت مطالب شتى، أبرزها إسقاط النظام، ومكافحة الفساد، واستعادة الأموال العامة المنهوبة، ومعالجة أسباب الضائقة المعيشية، وإجراء انتخابات مبكرة بعد تشريع قانون انتخابات جديد، لكن مختلف أطيافها لم يتطرّق الى طرح الآليات الموصلة الى تحقيقها.

هل يتبنّى الرئيس دياب كلّ مطالب الانتفاضة الشعبية أم بعضها؟ وما أولويات حكومته من بينها؟ وكيف سيُصار الى تحقيقها؟

لا غلوّ في القول إنّ هذه أسئلة الساعة في لبنان حاليّاً. ولا شك في أنّ المجتمع السياسي، أفراداً وجماعات وأحزاباً، مدعوّ الى إبداء ما لديه من أفكار ومقترحات ومشروعات ومناهج في هذا المجال.

لم تغِب عن أحاديث دياب الإعلامية إشارة الى مخاطر الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي التي تتهدّد لبنان في هذه الآونة. قوله إنه يعتزم زيارة بلدان الخليج مؤشر الى رغبته في الحصول منها على هبات أو ودائع مالية تساعد مصرف لبنان المركزي والمصارف على معالجة النقص الفادح في السيولة وبالتالي التقنين المعتمد في تسليم المودعين، لا سيما صغارهم، ما يطلبون سحبه من أرصدة حساباتهم.

حمايةُ حقوق صغار المودعين أولوية بلا شك. لكن هل هي أبدى من أولوية معالجة الضائقة المعيشية التي يعاني منها الفقراء وذوو الدخل المحدود وهم غالبية الشعب؟ هل هي أبدى من توفير الخبز والمتطلبات الحياتية اليومية كالصحة والدواء والغذاء والوقود ومعالجة البطالة بتوفير فرص العمل؟ هل هي أبدى من مكافحة الفساد واستعادة الأموال العامة المنهوبة؟

الأسئلة ذاتها مطروحة على أطراف الانتفاضة الشعبية. فهم مدعوون إلى تقييم مطالبهم من حيث الأهمية والأولوية وبالتالي الجهر بها في وجه الحكومة الجديدة. ولعلّ كِلا الطرفين، الحكومة كما الانتفاضة الشعبية، سيجدان بعد الفراغ من عملية التقييم أنّ الأولويات الأكثر أهمية وإلحاحاً تكاد تكون متقاربة في درجة الإلحاح ما تستوجب معالجتها وتحقيقها بلا إبطاء وفي آن واحد.

غير أنّ السؤال الأكثر أهمية وإلحاحاً المطروح على الحكومة الآن كما على الانتفاضة الشعبية هو الآتي: ما المقاربات والآليات الموصلة إلى تحقيق المطالب والأولويات المتفق عليها؟

آفةُ العمل الوطني والشعبي في لبنان (كما في عالم العرب) خلوّ مساره وممارسته من المناهج والآليات والوسائل العملية اللازمة لتحقيق الأهداف والمطالب المرتجاة. لقد دخلت الانتفاضة الشعبيّة شهرها الرابع من دون أن تحدّد أهداف وأولويات نضالها وعملها كما المناهج والآليات والوسائل الواجب اعتمادها لتحقيقها. الأخطر من ذلك كله، أنّ شرائح وجماعات في الانتفاضة الشعبية انزلقت، بقرار ومخطط أو من دونهما، إلى أعمال شغب وتحطيم وتخريب لا تخدم الأهداف والمطالب المتوخاة بل لعلها تُسهم في تنفير الرأي العام منها وتوفّر للشبكة الحاكمة الذرائع والحوافز لمواجهتها بأعتى وسائل الردّ وأكثرها ضراوة. تلك كلها يجب أن تُدرَس وتُنقد وتُنحّى جانباً في المرحلة الراهنة الحبلى بتحدياتٍ شتى تواجه الانتفاضة الشعبية بعد تأليف حكومة حسان دياب ومباشرتها العمل.

المناهج والآليات والوسائل لا تغيب غالباً عمّا تعتزم الحكومات تنفيذه من أهداف ومشروعات يكون منصوصاً عليها في البيانات الوزارية التي تُعطى أو تُحجب على أساسها الثقة في مجلس النواب. لكن الغائب الدائم هو تقييم هذه المناهج والآليات والوسائل بعد وضعها موضع التنفيذ، وبالتالي نقدها ومحاسبة المسؤولين عن عدم استعمالها او سوء استخدامها، وبالتالي إعادة النظر بها لتصويب العمل والإنتاج.

المراقبةُ والمحاسبة والمحاكمة غالباً ما تكون غائبة أو مغيّبة أو منتهكة في لبنان (كما في عالم العرب). ذلك يؤدّي الى الإمعان في الفساد والإفساد وهدر الأموال العامة ونهبها والإخلال بروافع الاقتصاد الوطني وضوابطه. أليس تصاعد الدين العام في لبنان الى ما يزيد عن مئة مليار دولار أميركي دليلاً ساطعاً على غياب المراقبة والمحاسبة والمحاكمة في تجارب نظام المحاصصة الطائفية الفاسد؟

الحقيقة أن لا سبيل إلى اعتماد موجبات المراقبة والمحاسبة والمحاكمة وبالتالي النجاح، ولو قليلاً، في تحقيق الأولويات الأكثر إلحاحاً في حاضر لبنان إلاّ بإجلاء الشبكة الحاكمة عن مؤسسات السلطة عاجلاً أو آجلاً. ذلك أنّ المراجع المسؤولة عن المراقبة والمحاسبة والمحاكمة، أيّ مجلس النواب والقضاء وأجهزة التفتيش، قد نخرها الفساد والقصور والمحاصصة والمحاباة بفعل ترهّل نظام المحاصصة الطائفية وولوغه في التبعية لقوى الخارج الإقليمية والدولية.

للخروج من حال اللادولة الذي يرتع فيه لبنان منذ عقود وأجيال، لا بدّ من إجلاء الشبكة الحاكمة بكلّ أطرافها وشرائحها الوسيطة بالطرق الديمقراطية. ذلك انّ اعتماد الانقلاب العسكري، كما اللجوء الى العنف في الحملات الأهلية للإصلاح السياسي، فشلا في الماضي البعيد والقريب. فلا بدّ، والحالة هذه، من اعتماد العمل الشعبي وبالتالي الانتخابات العامة نهجاً وطريقاً للتغيير الديمقراطي.

أجل، يجب عدم التلكّؤ في اعتماد الديمقراطية خياراً ونهجاً وذلك من خلال تشريع قانون للانتخابات العامة يُبنى على ركائز: الدائرة الوطنية الواحدة، والتمثيل النسبي، وخفض سنّ الاقتراع الى الثامنة عشرة، وتنفيذ المادة 22 من الدستور التي تقضي بانتخاب مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف، بعد ذلك يُصار الى إجراء انتخابات عامة خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ إقرار قانونها.

من المشكوك فيه أن يوافق مجلس النواب الحالي على إقرار قانون للانتخابات على أساس الركائز المار ذكرها. لذا يقتضي أن تبقى الانتفاضة الشعبية ناشطة في الشارع من أجل الضغط على السلطات العامة الدستورية جميعاً، لا سيما على حكومة حسان دياب، من أجل ممارسة كلّ أشكال الضغط الشعبي السلمي المتصاعد والمتواصل لحملها على إصدار مرسومٍ لإقرار قانون الانتخابات الديمقراطي في استفتاء شعبي عام.

لا يُردّ علينا بأن لا نصّ في الدستور يسمح بإقرار مثل هذا القانون باستفتاء شعبي. مهلاً، وهل ثمة نصّ في الدستور يحول دون إقراره باستفتاء شعبي؟

ثمّة قاعدة شرعية مفادها أنّ الأصل في الأعمال الإباحة ما لم يرد مانع شرعيّ مخالف. فهل ثمّة مانع شرعي يحول دون ذلك؟

بالعكس، ثمة نص دستوري يبيح، ولو مداورةً، إجراء استفتاء شعبي. إنه الفقرةدمن مقدمة الدستور التي تنصّ على أنّالشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة”. فهل مجلس النواب الحالي المنتخب وفق أحكام قانون للانتخابات ما زال مثار جدل وتساؤلات وشكوك أكثر شرعية ومشروعية لإقرار هذا القانون من الشعب نفسه؟

الى ذلك، ثمّة آلية في القانون العام تُدعى نظرية الظروف الاستثنائية تقضي بمشروعية اللجوء الى تدابير استثنائية في الظروف الاستثنائية. فهل من ظرف أكثر استثنائية من الظرف الحالي الذي تمرّ فيه البلاد؟ ألم يقل الرئيس دياب نفسه أنّ حكومته استثنائية لكونها تألّفت في ظروف استثنائية؟

أجل آن أوان قيام حكومة حسان دياب الاستثنائية بطرح قانون الانتخابات الجديد على استفتاء شعبي لإقراره ووضعه تالياً موضع التنفيذ

_ وزير سابق

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى