عربيات ودوليات

إيران الشّاه
 والثورة والعرب

} شوقي عواضة*

لم تكن مواقف شاه إيران وعداوته لبعض الزعماء العرب مواقف شخصية او دينية وعقيدية بل كانت مواقف نابعة وفقاً لمقاييس العداء والولاء لحلفائه من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والغرب والكيان الصهيوني الداعمين له منذ توليه للحكم عام 1953، وقد رأى أنّ ثورة يوليو بقيادة الضباط الاحرار والرئيس الراحل جمال عبد الناصر تشكل الخطر الأكبر بعد احتلال فلسطين عام 1948 واعترافه بشرعية الكيان الصهيوني كأول ملك لدولة إسلامية، وأقام معه علاقات عام 1960 وفتح سفارة له في طهران. وفي قراءة موجزة لتاريخ العلاقات الإيرانية العربية لا بدّ أن نقسم تلك العلاقات إلى قسمين

إيران الشّاه والعرب:

بعد أربعة أعوام من استلامه الحكم قام الشاه محمد رضا بهلوي بزيارة بهدف توحيد الجهود الإيرانية السعودية الصهيونية لمواجهة (تصدير الثورة الناصرية) بزعامة عبد الناصر في مصر التي رأى فيها خطراً يهدّد كلّ عروش الملوك، لا سيما في بلاد الحجاز وصولا إلى إيران. واتفق الشاه مع الملك فيصل على التصدي للزحف الناصري واضعاً كلّ إمكانياته ودعمه في سبيل القضاء عليه لتبدأ المواجهة عام 1962 بعد دخول القوات المصرية إلى اليمن أمر استدعى استنفاراً سعودياً إيرانياً أعلن خلاله شاه إيران جهوزية قواته للتوجه إلى السعودية وحماية حدودها الجنوبية. لم يكن تحالف الشاه مع أعراب العصر بعيداً عن دعم الصهاينة الذين رأوا في عبد الناصر خطراً حقيقياً يهدّد كيانهم، ولتعزيز التحالف زار الملك فيصل بن عبد العزيز إيران عام 1965 واجتمع بالشّاه لهذه الغاية. ليكتمل التحالف مع الكيان الصهيوني بزيارة رئيس الوزراء الصهيوني ليفى أشكول الى إيران عام 1966 إضافة إلى زيارات أركان وقادة عسكريين من الكيان الغاصب في أوقات متفاوتة أهمّهم رئيس حكومة الكيان الغاصب حينها ووزير الحرب ديفيد بن غوريون ووايزمان ورابين. وهدف كلّ تلك الزيارات هو القضاء على جمال عبد الناصر الذي شكل رمز المقاومة وعزّتها. ومن أجل الضغط على الرئيس المقاوم اقترح الشّاه على قيادة الكيان الغاصب شنّ حرب مباغتة لإجباره على سحب قواته من اليمن، وهذا ما حصل عام 1967، فاعتبر الشاه والملك السعودي أنّ ذلك انتصار لهم طوال فترة حرب الاستنزاف من عام 1967 إلى عام 1970 حيث خسرت الأمة بوفاة قائدها الراحل عبد الناصر في العام نفسه. ليستلم الحكم بعده في مصر محمد أنور السادات في انقلاب ثورة مايو 1971. ويستقبله الصهاينة بعدوان جديد على مصر عام 1973 لتنتهي الحرب باتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين وليبادر السادات بعدها بسنوات إلى توقيع اتفاقية الذلّ والعار في كامب ديفيد.

إيران الثورة والعرب

 بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ومع وصول قائدها آية الله الإمام الخميني أهدى هذا الانتصار إلى روح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الداعم الأول للثورة ولكلّ الأحرار، مطلقاً شعاراليوم إيران وغداً فلسطين”. وكانت أولى خطوات الثورة إغلاق السفارة الصهيونية في طهران وافتتاح أول سفارة فلسطينية في العالم. والإعلان بأنّ تحرير فلسطين واجب شرعي وديني وأخلاقي، وأنّ زوال الكيان الصهيوني وعد حتمي وإلهي. لم تكن الثورة بأحسن حال من ثورة الرئيس الراحل عبد الناصر في مواجهة المتآمرين بل كان العداء لها أشدّ وأكبربدأت المؤامرات من حلفاء الشّاه المخلوع والمستبدّ محمد رضا بهلوي (الشيعي الهوية) الذين كانوا يرون أنّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر(السني المذهب) رافع راية المقاومة حينها هو الخطر الأكبر على عروشهم وعلى حليفهم الكيان الصهيوني. فكان العدوان الصدامي بتحالف أميركي خليجي في حرب استمرّت تسع سنوات لم يبصروا إيران إلا (شيعية) وهي التي قاتلت من أجل الحفاظ على وجود المسلمين السنة في البوسنة في ظلّ غياب عربي وإسلامي كامل. خذلتهم إيران الثورة بدعمها للمقاومة منذ انطلاقتها في لبنان ليسجل أول انتصار عربي للبنان والعرب. صمّت آذانهم عن إيران الثورة التي دعمت المقاومة الفلسطينية وساعدت في تطوير منظومتها الصاروخية وقدّمت الشهداء من أجل فلسطين. كفّت أعينهم عن رؤية إيران تكسر شوكة الشيطان الأميركي في منطقتنا. وتقاتل مع كلّ الأحرار وتسحق جبروتهم وإرهابهم الداعشي، إيران الثورة هي الإمام الراحل آية الله الخميني، وهي ذاك السيد القائد المتصدّر معركة التصدّي للشيطان، آية الله الإمام الخامنئي المدافع الأول عن فلسطين وشعبها وعن المستضعفين في العالم تلك هي إيران الإسلامية المتحصّنة بالإسلام المحمدي الأصيل التي تشعّ بإنسانيتها على الكون وتقول للعالم إنّ الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

*كاتب وإعلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى