الوطن

القامشلي ليست للبيع

} د.وفيق إبراهيم

مناسبة هذا التأكيد لا تشكل جديداً للدولة السوريّة التي تعمل على تحرير كامل أراضيها المحتلة بالتدريج حسب الظروف المتوافرة.

فالتحرير اذاً هو قرار وطني لا مساومة عليه حتى ولو تعلق ببضع سنتيمترات فقط. ألا تستحق هذه الدولة تحية إكبار لمجابهتها هجمات تشترك بها او تغطيها ثمانون دولة مع جهات إرهابيّة وتمويل نفطي مفتوح منذ عشر سنوات متواصلة.

إن مثل هذه الدولة لا تحتاج لمن يذكّرها بأراضيها المحتلة وإدلب خير برهان، حيث يجابه الجيش السوريّ جيشاً تركياً مع ارهاب عالمي مقبل من الصين والقوقاز والأقليات الاسلامية في اوروبا وبعض المتطرفين السوريين والخليجيين وآخرين من شمال افريقيا ومصر إنما ما مناسبة الحديث عن القامشلي بالتزامن مع بدء الجيش العربي السوري في تحرير إدلب؟

لقد اعترف الرئيس التركي اردوغان ان مثيله الأميركي ترامب سأله في المكالمة الهاتفية منذ أيام عدة اذا كانت القامشلي تحتوي على نفط؟

فأجابه أن البترول فيها خفيف. ولم يكمل اردوغان تتمة هذا الاتصال او بدايته.

فلماذا يعلن مثل هذا الاعتراف غير عابئ باستياء أميركي منه لكشفه عن هذه المعلومة؟

الواضح هنا ان ترامب اجتهد للتعويض على اردوغان في تراجع جيشه في إدلب، فدغدغ «مشاعره الاقتصادية» بسؤاله عن نفط القامشليوكان يريد تقديمه لأردوغان كجاري عادته في تقديم أراضي الآخرين لآخرينألم يسبق له أن أهدى القدس والاغوار واراضي الضفة والجولان السوري المحتل الى «اسرائيل»؟

لكنه لم يكمل عرضه بعد معرفته بكميّاته المتواضعة الموجودة في القامشلي.

لذلك ينبثق هنا سؤالان مترابطان، الاول هو ماذا يريد ترامب من هذا العرض؟

ولماذا استخفّ به اردوغان وكشفه؟

لجهة العرض فيبدو أن ترامب كان يهرب من طلبات تركية بدعم الجيش التركي في ادلب بصواريخ باتريوت الأميركية مع إسناد عسكري عند اللزوم من الناتو الأطلسي وتحذير أميركي مباشر لروسيا من مغبة مشاركتها في حرب تحرير إدلب والصراع مع الدور التركي لاستئصاله من الميدان السوري.

هذا ما دفع ترامب إلى محاولة استيعاب الجنون الأردوغاني بتأمين بدائل من كيس السوريين.

من جهة أخرى، يخفي هذا العرض خبثاً ترامبياً يعكس إمكانات الخبراء في اسواق البورصة والسمسرة واستخدامها في السياسة.

فترامب يريد «حائط صدّ» يسرق النفط السوري في القامشلي المفترض بهدف عرقلة أي محاولة تقدم للجيش السوري وحلفائه نحو آبار النفط في شرقي سورية التي يسيطر عليها الجيش الأميركي وتبيع الادارة الأميركية نفوطها مباشرة عبر تركيا وترسل عائداتها الى الخزانة الأميركية.

لذلك كان ترامب يأمل إيجاد شريك في السرقة يمنع الوصول المباشر الى قواته المنتشرة على خط آبار النفط السورية من دير الزور الى الشمال الشرقي السوري على مقربة من الحدود مع العراق.

اما لماذا لم يقبل اردوغان هذا السخاء الأميركي فلأنه ادرك سريعاً ان الأميركيين يفرون من امكانية مساعدته في ادلب لا بالمباشر ولا عبر الناتو الاطلسي لأنهم لا يريدون الوقوف في وجه الروس متجنبين معارك مباشرة مع الجيش السوري قد تؤدي الى فتح ملف الاحتلال الأميركي لشرق سورية وقاعدة التنف، كما استوعب اردوغان ان الأميركيين لا يريدون مجابهة مع القوة الإيرانية المقاتلة في ادلب وكتائب حزب الله.

إزاء هذه التحفظات الأميركية، اعتبر اردوغان ان الكشف عن العرض الأميركي الترامبي من شأنه إحراج سياسة البيت الابيض ودفعها لتتخذ خيارات أخرى، انما في ادلب التي يعرف اردوغان أن نجاح الجيش السوري في تحريرها له تداعيات خطيرة جداً على الدور التركي في سورية. ويشكل نقلة نوعية نحو العودة القوية لسيادة الدولة السورية على أراضيها مع تأمين استقرار قويّ لها ولنحو عشرة ملايين سوري، يؤدي تحرير ادلب الى عودة التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية بينهم من حلب الى اللاذقية ومنها أيضاً الى حماة وحمص ودمشق وصولاً الى الحدود الأردنية والخليجية والعراقية وصولاً الى إيران وسورية.

بالمقابل يواصل الجيش العربي السوري ومعه حلفاؤه الإيرانيون وحزب الله معركة تحرير ادلب، بدفع روسي عاد إلى إظهار وجهه العسكري القوي.

وهذه رسالة من دمشق لمن يهمه الأمر بأن ادلب وعفرين والشريط وأرياف حلب ومعظم الشرق السوري، هي أراضٍ ليست للبيع او التبادل او التأجير، واستقرارها الوحيد هو مع دولتها التي تعمل جاهدة على استعادتها بأقرب وقت.

لذلك عاد الأميركيون والأتراك الى فبركة اتهامات حول مذهبية المعركة، في محاولة لتفتيت الوحدة الوطنية السورية، واستجلاب تأييد عربي لهم من محاور مذهبية.

فاللمرة الاولى يشعر الأميركيون والأتراك تراجع التحريض الطائفي مع نزوع كبير لدى السوريين باعتبار الحرب ضد الأتراك بأنها حرب «قومية» وطنية لطرد مستعمرين لا يأبهون للمذاهب لكنهم يستعملونها مجرد آليات لبعثرة الاندماج الوطني وتجزئته.

هذه سورية إذاً تجابه المطامع العثمانيّة بوحده داخلية متينة، تظهر من مواكب التأييد التي تستقبل جيشها بأكاليل النصر وتطالب بالمزيد منه لإعادة سورية قلب المنطقة ودرعها.

القامشلي اذاً أكبر من ترهات ترامب وإرهاصات اردوغان، ودولتها السورية تعمل على استعادتها بعد معارك الشمال لاستكمال عملية الإطاحة بالأدوار الاستعمارية للحليفين الأميركي والتركي ومعهما الكيان الصهوني الغاصب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى