أولى

مخاطر الأزمة…

 سعادة مصطفى ارشيد _

يخوض الرئيس الأميركي دونالد ترامب معركة الدعاية الانتخابية للرئاسة الأميركية مبكراً وقبل موعدها بكثير، مكرهاً على ذلك ومن موقع الضعف واختلال الثقة، فليس من دعاية انتخابية معاكسة له او مؤيدة لمنافسه سواء كان بايدن او غيره خير من الواقع الملموس الذي تعيشه الولايات المتحدة، أولاً بسبب وباء الكورونا وسياسات ترامب الخرقاء في إدارة الأزمة داخلياً وخارجياً، وثانياً بسبب تهافت أدائه خلال سنوات توليه الرئاسة، في الشكل والمضمون، الأمر الذي دعا المفكر الصديق فاضل الربيعي لأن يقارنه بالرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، وأن يقارن اللحظة الأميركية الراهنة باللحظة السوفياتية في عهد يلتسين وقبيل الانهيار الكبير للاتحاد السوفياتي.

على الصعيد الداخلي فقد بدا ترامب على حقيقته الفظة المتوحّشة. وهذه الحقيقة وانْ كان لا يخجل من إبدائها في السابق، لكنه كان يطلقها باتجاه خارجي، تجاه أوروبا وروسيا وإيران والصين، وحتى باتجاه أصدقائه السعوديين الذين لا يرى منهم إلا أموالهم ونفطهم، لكنه في هذه الأزمة فقد بدا على القدر ذاته من الانحطاط حتى في داخل بلاده وتجاه شعبه وجمهور ناخبيه، رجل بلا أخلاق، بلا مشاعر، مسعور جشع، لا يهمّه سوى المال والاقتصاد والبورصات والأسهم والسندات، ولكن فضيلة وباء الكوروناإنْ كان لدى الوباء من فضائلهي أنها فضحت تلك الايدولوجيا الرأسمالية وأزاحت عنها ستار ما تدّعيه من أنها مجتمع الرفاه والاستهلاك والترف، فبدت عارية من مساحيق التجميل، لئيمة وقذرة ومتوحشة. فالإنسان مهمّ بقدر ما هو قادر على العمل الذي يزوّد خزائنها بالمال، لذا تعقد هذه النظرية المقارنة على شكل معادلة رياضية: أيهما يعود بالنفع والمال أكثر، مكافحة الفيروس والقضاء على الوباء أم ترك الفايروس طليقاً ليدور دورته ويقتل الفائض عن حاجات الإنتاج من كبار السنّ وذوي الإعاقة والمرضى بأمراض مزمنة، مَن الذين يثقلون على صناديق الرعاية الصحية والمجتمعية بأكلاف علاجهم ورعايتهم، وهم لا يقومون مقابل ما يُصرَف عليهم بأيّ عمل منتج؟

على الصعيد الخارجي لا يجد ترامب وإدارته عيباً في السطو على مئتي قناع طبي كانت في طريقها من بانكوك إلى ألمانيا، بعد أن اشترتها الحكومة الألمانية ودفعت ثمنها، فمن يتابع التصريحات الأميركية لفظاً والمسلكيات عملاً، لا يجد وصفاً سياسياً لها وإنما يلجأ الى مستوىً متدنٍّ من الوصف، إنه سلوك الأزعر الذي يمارس البلطجة في الحواري والأزقة التي لا تصل إليها أيدي القانون، غير آبه بعيب او حرام، بقيم او بأخلاق.

في مجال خارجي آخر، فإنّ ترامب يرى من حقه توزيع الاتهامات لأيّ كان إلا لإدارته، مرة على الصين وأخرى على منظمة الصحة العالمية التي اتهمها بحجب معلومات عن الوباء في مدينة ووهان الصينية والتي لو توفرت حسب ما يقول لمنعت انتشار الوباء ووصوله الى بلاده، وتواترت الأنباء أثناء كتابة هذا المقال أنّ ترامب قد اتخذ قراره بوقف مساهمة بلاده في ميزانية منظمة الصحة العالمية.

احتمال لا يزال قائماً لدى عقلية كهذه في الهروب الى الأمام، فقد يجد ترامب في الحرب او المواجهات العنيفة مخرجاً من فشله، فها هو يلوح بالحرب حيناً على إيران وحيناً آخر على فنزويلا والصين بذرائع واهية لم يعد يحتملها حلفاؤه قبل أعدائه، ولكن تلك الدول بطبيعتها ليست لقمة سائغة او مكسر عصا، الأمر الذي قد يجعل من مواجهتها مغامرة غير محسوبة وتعود عليه بأفدح الخسائر. الأمر الذي قد يدعوه لتجربة حظه مع إحدى جمهوريات الموز في أميركا الوسطى أو إحدى أشباه الدول المنسيّة في أرخبيل الجزر في البحر الكاريبي وخليج المكسيك.

في مشرقنا وفي فلسطين، لا زال بن يامين نتنياهو يتصرّف كساحر ومقامر يقف الحظ الى جانبه، تخدمه الظروف والمصائب والأوبئة حتى اليوم، وهو باقٍ في مكانه رئيساً للحكومة الحالية، وليس في عجلة من أمره لتشكيل الحكومة اللاحقة، لذلك فهو يطيل من أمد المشاورات والمفاوضات مع الأحزاب والكتل البرلمانية، يستدرج بعضها ويفتّت بعضها ويهمل بعضها، وهو يعلن بصريح القول: “سنطبق السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وبدعم أميركي كامل. هذه الأرض أرضنا، أرض إسرائيل، أرض التوراة، أرض الآباء والأجداد، عدنا إليها لنبقى لا لنغادر”. هذه التصريحات أصبحت مكان إجماع بينه وبين خصمه السابق وربما شريكه اللاحق بني غانتس وغيره من المرشحين لدخول الحكومة، لقد فرض عليهم ذلك دون عناء، فهم بالأصل يملكون النظرة ذاتها؛ الأمر الذي لا يثير استغراب المتابع للأحوال السياسية فيإسرائيل، فما كانوا قد اختلفوا عليه لم يكن ولا مرة واحدة مسائل تتعلق بالسياسات الخاصة بما تبقى من أرض فلسطين وشعب فلسطين، وإنما خلافات حول تقاسم الوظائف والمواقع، وقد صرّح ناطق رفيع باسم حزبأزرق أبيضمؤخراً: “بغضّ النظر عن تفاهمنا مع نتنياهو حول مسألة السيادة الإسرائيلية على المستوطنات والأغوار، إلا أننا على غير استعداد لتقديم أدنى تنازل في مسألة اختيار القضاة”.

بهذا يكون بن يامين نتنياهو مرتاحاً في سيره البطيء، فموضوع الحكومة وإنْ تعثر فهو في النهاية من نصيبه، ومسألة ضمّ أراضي المستوطنات والأغوار قرار قد اتخذه وبقي إعلانه وتطبيقه على أرض الواقع، فهو مطلق اليدين معطى الحرية ليفعل ما يريد، أمامه وأمام دولة الاحتلال فرصة قد لا تتكرّر وتمتدّ الى الثالث من تشرين الثاني موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

صحيفةالتايمالانجليزية العريقة والمحافظة تنشر مقالاً تتساءل فيه عن شكل العالم الجديد الذي هو قيد التشكل وتستطرد في السؤال هل سنشهد نهاية العهد الأميركي؟ الأمر الذي تؤكده وتضيف انّ العالم سيشهد تشكيل هياكل عالمية جديدة، هذه الأخطار التي تواجه العالم عموماً وتواجهنا خصوصاً ذات علاقة بتداعيات الوباء، ولا تقلّ خطراً علينا من الوباء نفسه، فعلينا الاستعداد لأيام مقبلة لا تقتصر على تحدي الكورونا وإنما تتجاوزه بكثير

*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الضفة الغربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى